• Sunday, 22 December 2024
logo

الكرد والربيع السوري

الكرد والربيع السوري
تشهد بلدان المنطقة ثورات شعبية تندلع في إطار ربيع قد يؤدي إلى تغييرات نوعية ويضعها أمام مفتَرَقات مصيرية ؛ حيث تتلاحق المستجدات والسيناريوهات وبفعلها تتداخل مختلف القضايا وخاصة العالقة ؛ تنفرج بتأثيرها ملفات كثيرة وتنغلق آخرى ؛ مما قد يجعل هذه البقعة الجغرافية الذاخرة بالتنوع البشري تعاني من حالة انتقالية حرجة ودقيقة لكونها تعجُّ بالأزمات والتحديات وخلط الأوراق بشتى أشكالها وخلفياتها ومراميها الخفية منها والعلنية والتي تجري على قدم وساق بين أطراف متناقضة لغايات مصالحية قد تؤدي بحسب طبيعتها الخلافية إلى تجليات وتداعيات متعادية قد تضرُّ بهذا الفريق أو أنها قد تنفع ذاك الآخر ؛ في إطار حراك ثوري مدموج بعملية سياسية تستمد قوتها من توازنات متخالفة قد تقود في المحصلة إلى خلق حالة عدم استقرار أمني مخيف قد يهدّد مستقبل المنطقة برمتها .

أما بالنسبة لسوريا التي باتت في مركز دائرة هذا الربيع المتعثر فيها لأسباب باتت معروفة للجميع ، وبما أنّ مصير نظام البعث قد بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط بصورة حرجة للغاية بسبب الضربات الموجعة التي يتلقاها من الشارع السوري الثائر ، فالمعارضة أضحت أحوج ما تكون إلى لملمة مكوناتها حول مستديرة القواسم المشتركة التي من شأنها خلق توافق سياسي ديمقراطي بين مختلَف المكونات القومية والدينية والطائفية التي هي صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والتي ينبغي أن تكون حريصة أكثر من غيرها على دمقرطة وتقدم البلد وحل قضاياه العالقة ؛ وبهذا الصدد فإن الجانب الكردي متفاعل مع الربيع السوري ويؤمن بحوار القوميات لا بصراعها؛ ويؤكد تكرارا بأنّ الخيار الأكثر إلحاحاً وإيجابية في هذه الحالة السورية الراهنة هو الخيار الديمقراطي المبني بالأساس على الاعتراف المبدئي المتبادل بوجود الآخر والالتقاء به والدخول معه في حوار حضاري يتم عبره البحث عن الحاجات والضرورات والمشترَكات وعن موجبات الحراك والتحوّل الديمقراطي والتمسك بها للتأسيس السليم لحل مختلف مشاكلنا بعيداً عن التهميش والفوقية التي كانت ولازالت تغذي في أحشاء جموعنا التخالف الذي ألحق وقد يُلحِق أفدح الأذى بكل مركبات الجسد السوري .

ولما كان هذا البلد يشهد ثورة تتوسع دائرتها يوما بعد آخر ويتهيأ لعبور تحويلة ذات مداخل مشرَعة على كافة الإحتمالات ؛ فأنه لا خيار أمام أهله سوى التحلي بالتنبّه والعقلانية التي تقتضي البدء بالتحضير لعملية التغيير والركون إلى انتهاج منطق الانفراج على الآخر والتسلح بثقافة المجتمع المدني وبالفكر الغَيري البعيد عن الاستعلائية والاقصائية ضد أي فريق أو شريك ؛ خاصة وأنّ الكل بات يدرك تماماً بأن سوريا ما بعد سقوط نظام البعث ينبغي أن تكون لكل السوريين ليشكلوا فيما بينهم دولة عصرية تحتضن طيف مجتمعي متنوع الأعراق والأديان والمذاهب والمعتقَدات ؛ وتؤمن بالخيار التشاركي الذي ينبغي أن يلقى في الحال آذانا صاغية .

وبهذا الخصوص التوافقي وفي أكثر من مناسبة أكد الجانب الكردي لكل مكونات سوريا على اختلاف مشاربهم وأصولهم ؛ بأنه ينبغي على الجميع أن يسعوا معاً عبر حراك ديمقراطي موزون ومتوازن إلى إسقاط النظام وتشكيل دولة ديمقراطية تعددية تستمد قوتها من كلٍّ مجتمعي قد يكون مختلفاً فيما بينه في البداية ؛ لكن لا يلبث أن يتطوّر هذا الكل المتخالف إلى كلٍّ متآلف ومتفق حول الحقوق والواجبات وحول الأفكار والرؤى وحول الآفاق والتطلعات وحول واقع حال الوطن والمواطن وحول استحقاقات ما قبل سقوط النظام وما بعده وحول الحراك المشترك وموجباته المجدية وحول حقوق الإنسان والأمم والأقليات وحول تحديات الحاضر والمستقبل وسبل مواجهتها وحول المختلفات القليلة والمتوافقات الكثيرة وحول ما هو ممكن وما هو متاح وما هو ممنوع وما هو مطلوب وحول أساليب التعامل الديمقراطي بين هذا الكل المجتمعي السوري وبين مختلف أجزائه وحول المراهنة على الأنا أو الآخر وأيهما نحتاج وأيهما أنسب وأجدى .

وبما أنّ النظام يشن حربا على الشعب ولا أحد يستطيع إيقاف عداد قتل السوريين الذي بلغ عشرات الآلوف من الشهداء ، ولما كانت مختلف مكونات سوريا تعيش حاليا حالة قلق وتوتر وترقب لما يجري داخل وخارج وحول البلد ؛ فإنه لا يجوز أن ينظر كل جانب إلى الوضع القائم من زاويته الخاصة به ؛ ولا أن يغنيّ كل منّا على ليلاه !؛ إذ أن هذا ما لا يجوز التفكير به البتة ؛ حيث ينبغي أن نغني جميعاً مع بعضنا أنشودة التوافق السياسي والتعددية والديمقراطية والتآخي والعيش المشترك ؛ أي أن نغني معاً على ليلانا المشتركة التي هي تاريخنا المشترك وحاضرنا المحتاج الى الشراكة الحقيقية ومستقبل أجيالنا الذي تتربص به المخاطر ما لم يكن همّنا جميعاً هو: كيف نستطيع ككل سوري أن نكون متوافقين وأن نلتقي كديمقراطيين لكي نؤسس لنا ولأبنائنا حياة سعيدة مبنية على التساوي وتثبيت الحقوق والواجبات في الدستور على طريق التأسيس لمجتمع حضاري نحن أحوج ما نكون اليه اليوم قبل غد .

وليعلم الجميع بأنّ الشعب الكردي في سوريا ، هو مكوّن سوري مشارك في هذه الثورة المباركة ، وله أهداف وطموحات قومية لن يتنازل عنها ، لكنه يؤمن بأنه لا يمكن تحقيق أي مطلب إلا بالحوار مع باقي السوريين ؛ فحل القضية الكردية في سوريا في ظل هذا الربيع السوري لن يتحقق إلا بالأساليب السلمية الديمقراطية وفي إطار دولة تعددية لامركزية .

الياس اوسو

ولاتي نت
Top