مقتل القذافي و”أصحاب اللحى”
_الجديدة
أثارت الطريقة التي قتل بها الثوار الليبيون رئيس النظام السابق في بلادهم معمر القذافي ردود فعل مُنتقدة، بل مستنكرة وغاضبة، حتى من خصوم القذافي وكارهيه، وأنا واحد منهم. واللافت إن الذين دافعوا عن تصرّف الثوار الهمجي كانوا في الغالب من “أصحاب اللحى” حسبما وُصفوا في مواقع التواصل الاجتماعي.
ليس قتل القذافي، بالطريقة التي تمّ بها، عملاً جنائياً فحسب، وإنما هو أيضاً جريمة سياسية في حق الشعب الليبي وكل من طالتهم شرور الدكتاتور في أنحاء مختلفة من العالم. فلقد كان من أبسط حقوق ضحايا القذافي وسياساته أن يُحاكم وأن يُسأل في المحكمة عمّا اقترفه من جرائم وأن يُدان إدانة واضحة وعلنية باعتباره مجرماً، مجرمَ حرب ومجرماً ضد الإنسانية. وكان من حق التاريخ أن يعرف بالضبط من القذافي مباشرة لماذا هو ارتكب كل ذلك القدر من الجرائم بتلك الوسائل والطرق الهمجية. وكان من حق التاريخ أيضاً أن يُميط القذافي بنفسه اللثام أمام المحكمة عن الكثير من الأسرار التي دُفنت معه. ولهذا كان قتل القذافي حال القبض عليه جريمة في حق ضحايا القذافي والمُضارين من سياساته وفي حق التاريخ.
من أسباب الخصومة والعداوة مع القذافي، من الليبيين وغيرهم، انه كان دكتاتوراً قاتلاً من الطراز الأول.. يقتل على الشُبهة وعلى الهوية وفي ساعة الغضب، من دون تفويض قضائي ومن دون محاكمات أو بمحاكمات صورية، والذين قتلوه إنما قاموا بفعل يشبه أفعاله على هذا الصعيد.
لا يمكن تفسير فعل الثوار إلا بأنه ينمّ عن روح انتقامية وجهل وتخلف. وإذا أمكن بدرجة متدنية إيجاد بعض العذر للثوار الذين عاملوا القذافي معاملة وحشية عند القبض عليه بلغت ذروتها في قتله، بأنهم كانوا في حال الانفعال والإثارة، ولكن كيف نجد العذر لقيادة الثوار التي سمحت بعرض جثة القذافي على الملأ في غرفة مثلجة بعد يومين أو ثلاثة من مقتله من دون أي مراعاة لحرمة الموت ولتعاليم كل الأديان والشرائع والقوانين بخصوص هذه الحرمة؟
على مواقع التواصل الاجتماعي دار نقاش حام بين المعارضين والمؤيدين لقتل القذافي. المعارضون في الغالب انطلقوا من المبادئ المُكرّسة في مختلف الأديان والشرائع والقوانين التي تمنع إساءة معاملة الأسير وتمنع قتل الأسير وتمنع التمثيل بجثة القتيل. أما المؤيدون فلم تكن لهم أي حجة سوى أن القذافي كان قاتلا واستحق القتل. ومن خلال تعليقاتهم كان واضحاً أن هؤلاء المؤيدين كانوا كلهم تقريباً من الإسلاميين. ومن الجلي أنهم إسلاميون متطرفون، “أصحاب لحى”، ففي الشريعة الإسلامية الكثير من النصوص والأحكام التي تؤكد عليها سائر الأديان والشرائع والقوانين بخصوص حسن معاملة الأسرى وحسن التعامل مع قتلى الحروب.
لنا أن نتصور الطريقة التي سيحكم بها هؤلاء الإسلاميون المتطرفون إن هم تولوا مقاليد السلطة في ليبيا وفي غير ليبيا… فلا شيء سيحول دون انفلات وحشيتهم المفرطة.