القدرة على إنهاء الفقر
_الخليج الإماراتية
لقد عرفت الفقر جيداً، بحكم نشأتي كطفل خلال الحرب الكورية، وقد رأيت الفقر حولي كل يوم وعايشته . إن من ذكرياتي المبكرة المشي في طريق مملوء بالطين متجهاً إلى الجبال من أجل الهرب من القتال، حيث كانت قريتي تحترق من خلفي، وكنت أتساءل عمّا سوف يحدث لي ولعائلتي .
لقد كان الجواب الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الدولية، فبفضل مساعدة العديد من البلدان والأصدقاء، استطاع بلدي أن يقف على قدميه مرة أخرى وأن يستمر بعد الصراع الرهيب والمدمر، وبفضل عقود من العمل الدؤوب وتضحيات ملايين الكوريين، استطاعت جمهورية كوريا أن تهرب من براثن الفقر المدقع إلى الرخاء في أقل من نصف قرن .
أنا بصفتي أميناً عاماً للأمم المتحدة مازلت أعيش تلك القصة، ففي كل يوم أنا أعمل من أجل المساعدة على إنهاء الفقر المدقع الذي يحاصر زهاء مليار شخص .
لعلكم تتخيلون الذكريات القوية التي شعرت بها عندما زرت قرية “موانداما” للألفية في مالاوي، الدولة التي تعاني الفقر المدقع والتي تقع في جنوبي القارة الإفريقية، وكما في شبابي، فقد رأيت مرة أخرى التحديات والصعوبات المرتبطة بالفقر في الريف . لكني رأيت أيضاً ومرة أخرى قوة روح المجتمع من أجل التغلب على تلك الصعوبات، وهو نفس الإحساس بالتضامن والتصميم الذي ألهم تحديث الريف الكوري قبل خمسة عقود .
لقد التزم قادة العالم سنة 2000 تحقيق تخفيضات رئيسة في الفقر والجوع والمرض بحلول سنة ،2015 وتمت المصادقة على تلك الأهداف من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهي عبارة عن الأهداف الثمانية للتنمية والمتعلقة بالألفية . إن مشروع قرية الألفية هو شراكة بين المؤسسات الأكاديمية والتجارية والأمم المتحدة من أجل إظهار أنه بالإمكان تحقيق هذه الأهداف حتى في أكثر المجتمعات فقراً في العالم .
وكما هو الحال في التجربة الكورية الجنوبية في مكافحة الفقر، فإن قرى الألفية في إفريقيا، والمشروعات المماثلة في أماكن أخرى، تتقدم في مجال إنتاج الغذاء وصحة الأطفال، وفي إيجاد وسائل مستدامة للخروج من الفقر نفسه . لقد شعرت بالإعجاب، وفي الوقت نفسه بالفرق المهم والوحيد، بين الجهود الكورية في الستينات وما هو ممكن اليوم . لقد شاهدت أثناء جولتي في قرية “موانداما” إمكانية استخدام التقنيات الحديثة: الهواتف الذكية وأجهزة الاتصالات المتنقلة ذات النطاق العريض وأنواع البذور المحسنة وآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الري بالتنقيط، وفحوصاً تشخيصية حديثة للملاريا، وشبكات طاقة شمسية منخفضة القيمة من أجل تعزيز الرعاية البشرية بأساليب لم تكن متوافرة حتى قبل بضع سنوات .
لقد شاهدت أحد العاملين المحليين في القطاع الصحي وهو يستخدم هاتفاً ذكياً من أجل إدارة معالجة الملاريا ضمن أحد المنازل . استخدم هذا العامل عدة تشخيصية منخفضة التكاليف من أجل الحرص على تشخيص الملاريا، ما يعني أنه لم تعد هناك حاجة إلى استخدام المجهر والمختبر . إن الهدف من الهاتف الذكي هو تسجيل نتائج الاختبارات وتلقي المشورة من “نظام خبرة” تم تصميمه من قبل متخصصين في الصحة العامة، إضافة إلى دواء مركب حديث من أجل علاج المرض . لقد تم علاج الطفل في منزله علماً أنه قبل سنوات قليلة، فإن الطفل نفسه كان سيواجه خطر الوفاة ما لم يتم إرساله إلى عيادة بعيدة قبل فوات الأوان .
رأيت تغييرات مهمة في الحياة اليومية، ففي مجتمع لم يكن قادراً على إطعام نفسه في السابق أصبح هناك مخزن ضخم مملوء تقريباً بأطنان من الحنطة الزائدة على الحاجة . إن استخدام البذور ذات الإنتاجية العالية وأساليب أفضل لإدارة التربة والزراعة المنظمة، ساعد المجتمع المحلي على مضاعفة إنتاج المحاصيل لديه بمقدار ثلاث مرات، والقرويون الذين كانوا مشترين جائعين للحبوب، أصبحوا الآن بائعين للحبوب وهم يتمتعون بالأمن الغذائي .
إن ذلك الفائض بدوره قد أسهم بشكل مباشر في تحسين التعليم، حيث قامت العائلات بالتبرع بجزء من الفائض لديها إلى برنامج وجبة الغداء في المدرسة، وذلك من أجل أن يحصل التلاميذ على وجبة مغذية من العصيدة والفواكه، ما يمنحهم الطاقة لمتابعة دروسهم خلال اليوم المدرسي، وكما اكتشفت العديد من المدارس فإن الوجبات في منتصف اليوم تؤدي إلى زيادة كبيرة في الأداء في الامتحانات الوطنية في نهاية العام .
يقوم مشروع قرى الألفية لهذا العام بإطلاق مرحلته الثانية التي تمتد لخمس سنوات على طريق تحقيق التاريخ المستهدف لأهداف تنمية الألفية وهو سنة 2015 . إن الحكومات في إفريقيا والآن الحكومات حول العالم، تتعلم من الدروس المستفادة من هذا المشروع بالتحديد وغيره من المشروعات المشابهة: تمكين المجتمعات، ومساعدتها على الاستثمار في مستقبلها باستخدام تقنيات مبتكرة وبشكل يقضي على الفقر المدقع . إن أهداف الألفية للتنمية كانت تبدو في يوم من الأيام، سلسلة من الآمال والطموحات فقط، واليوم نحن نعرف أن تلك الأهداف هي خريطة طريق عملية للتخلص من الفقر .
إن قادة العالم الذين اجتمعوا في الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول من أجل حضور النقاش الدولي السنوي اتفقوا جميعاً على نقطة مركزية: أهمية محاربة الفقر والجوع والمرض، حيث يعد ذلك أمراً حيوياً من أجل نجاتنا الجماعية . هم يعرفون أن الفقر المدقع يهدّد حياة مئات الملايين من الناس الذين لا يستطيعون الحصول وبشكل مؤكد، على التغذية الكافية والمياه الصالحة للشرب والرعاية والتعليم .
هم يعرفون أيضاً أن المخاطر لا تتوقف عند حافة القرية أو الحي الفقير، فالنقاط الساخنة للجوع اليوم هي عادة ما تصبح النقاط الساخنة للعنف غداً، وبغض النظر عما إذا كنا أغنياء أو فقراء أو بين الغنى والفقر، فنحن نشترك في مصلحة مهمة للغاية تتمثل في إنجاح أهداف الألفية للتنمية، وذلك حتى يتسنى لكل منطقة تعاني الفقر المدقع أن تتحرر من هذا الفقر وتنمو وتزدهر .