تعلـمْ البـُكاء..
-pukmedia
في أوائل القرن الماضي وعندما ظهر قوى الأقطاب كان الذين فيهم داء العظمة إلى صنع المجد والسلطة وفي سبيل دعم أفكارهم ومأربهم التي تبنوها والبروز والظهور بالشكل الذي يجلب الانتباه , ويجمع الأغلبية من شعوبهم حولهم وحول أحلامهم المريضة , كان لابد من أن يسحقوا فئة من الشعب , ولسوء حض اليهود ولكونهم كانوا من الأغنياء والأذكياء في مجال الاقتصاد وكونهم شعب اعزل ليس هناك من قوة تحميهم أو يساندهم حيث كانوا موزعين في جميع أوروبا واسيا ومناطق أخرى في العالم وأصبحوا الفريسة السهلة لجبروت أغلبية الحكومات في العالم و خاصة في أوروبا بجزأيها الشرقي والغربي و كذلك في أسيا , فتعرضوا لجميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي فأصبحوا وقود للمحارق والأفران الجماعية .
في ألمانيا / مدينة (كلادباغ ) في عام 2004 وفي ذكرى ( الهولوكوست ) وهي محرقة اليهود , وصدفة كنت قريبا من ساحة حيث كان هناك جمع غفير من الناس فاقتربت وجلست , تقدمت سيدة لتلقي كلمة لتصف المأساة في روسيا أيام ستالين وكذلك الإبادة الجماعية من قبل هتلر و جيشه النازي ضد اليهود , فذكرت كيف أن الجيش الألماني كان يلاحق اليهود و يطاردونهم و يبحثون عنهم في كل مكان , وعند اعتقالهم كانوا يشدون النساء من شعورهم , و ينهالون بالضرب على الأطفال والرجال والشيوخ ثم ينقلونهم بالسيارات العسكرية إلى مصير مجهول .
لم أتمالك نفسي فبدأت اختنق حزنا , وفاضت عيناي غارقة بالدموع , فاقتربت الكاميرا مني , فسألني احد الحاضرين من أين أنت ؟؟
أجبت , أنا كردي من كردستان ممزقة و مقسمة واسكن كردستان العراق , وما أبكاني هو أنكم رويتم ما رأيت بأم عيني وهو ما جرى لأهلي .
فقال أتقصد ( الأنفال ) ؟؟
فأجبت نعم فأنفالكم وأنفالنا متشابهان وان كان هناك اختلاف , والاختلاف هو أن من أراد إبادتكم من غير دينكم , ولكن الذين أرادوا إبادتنا هم من الدين الذي ننتمي إليه ورغم ذلك لم يرحموا أحدا منا فهدموا مساجدنا واحرقوا قرأننا و قرانا ومسوا شرفنا و قتلوا شبابنا وشيوخنا و نساءنا ورجالنا و استباحوا مقدساتنا و سرقوا أموالنا , في حينها علت متشابكة صرخات الأطفال والنساء و الشيوخ استغاثة ولكن لا من مغيث , حيث كان كانت أذان العالم صماء وعيونهم عمياء وضمائرهم نائمة , أنها واقعة تعجز الكلمات عن وصفها .
كلمات من احد الناجين ( حرموني من حضن أمي طفلا وكبرت والمعانات ترافقني في كل لحظة وربما حتى بعد الحياة ) , ورويت لهم مقطع مطبوع في ذاكرتي منذ عام 1988 حدثت في مدينتي (خورماتوو ) كان يوما أسودا مشحون مشوش ملئ بالرعب و الخوف وكأنه يوم الحشر كانوا يجمعون العوائل في بناية تدعى ( مركز الشباب )والذي من المفروض أن يكون مكان للترفيه والسعادة , فأصبح تلك البناية معتقلا لجميع سكان القرى المحاصرة والمهددة بالسلاح المحظور دوليا ( السلاح الكيمياوي ) والذي استخدم ضد شعبنا المسالم في كردستان وبالأخص ( مدينة حلبجة ) , وكانت قوات الدكتاتور صدام حسين و حزب البعث الحاكم تزج الناس في تلك البناية حتى امتلأت وفي الباب حيث كانت حافلات عسكرية بانتظارهم لتنقلهم إلى مصير مجهول وفي تلك اللحظات أجبرت امرأة مع طفلها ذو الثلاث السنوات على الصعود إلى الحافلة و حاولت أن تعطي طفلها لأي شخص !!! والهدف هو أن تخلصه , ولكن العسكر منعوه , وحاولت ثانية فرمته من الشباك فرآها العسكر و أعادوا الطفل إلى الحافلة وانهالوا على الاثنين بالضرب , وكانت الأم تتوسل ولكن دون جدوى .
وأنا اروي قصتي لهم وجدت جمع غفير من الناس حولي يستمعون , فإذا بهم يواسونني بدلا من أن أواسيهم في ذكرى محرقتهم الأليمة .
في الغربة وفي تلك الساحة البعيدة يذرف الأجانب الدموع حزنا على أنفالنا دون أرادة .
فتعلم البكاء من عيون الأجانب وعيون الآلاف الأطفال على فراق الأبوين , والأمهات اللاتي فارقن الحياة وصدورهن ممتلئة بالحسرات لفراق الأحبة .
وابكي كما بكيت على ملاعيبي وابكي كما بكيت في كل عيد , وان لم تكن تعرف البكاء فتعلم , فربما تخفف من ثأري الملتهب وحاول أن تقنعني بان كل ذلك هو مجرد حلم وان أهلي سيعودون من المقابر الجماعية أحياء , وأعود أنا طفلا إلى دياري القديمة والعب وأتمتع بعيون أمي حبا وحنانا وأمنا واستقبل أبي وارتمي في حضنه حينما يعود ,
أتوسل أليك هل ومتى سيعود ؟؟؟
علمني الابتسامة أن كنت تستطيع .
انك لن تستطيع