• Friday, 17 May 2024
logo

سقوط صنم وولادة شعب

سقوط صنم وولادة شعب
حسين علي الحمداني
-الإتحاد


العراق بعد ثمان سنوات من سقوط الصنم عراق جديد في كل شيء حتى في لغة التخاطب بين أبنائه الذين تحرروا من عقدة الخوف من السلطة التي كانت تضرب وتبطش بالرأي التي تعارض وتوجهاتها ونجد اليوم في العراق الديمقراطي القائم على التعددية إن الحوار مع الآخر هو سلوك ونهج ثابت في فلسفة الحكم العراقية القائمة على مبدأ تداول السلطة الذي نجح مرتين خلال السنوات المنصرمة فوجدنا إن الشعب العراقي أختار أكثر ممثليه في الجمعية الوطنية ومجلس النواب وأضاف إليها ممثليه في مجالس المحافظات.


إن سقوط الصنم يوم التاسع من نيسان 2003 لم يكن مجرد سقوط تمثال للطغيان والشر والتخلف بقدر ما هو تحقيق لرغبات ملايين العراقيين الذين استبيحت كرامتهم على يد أزلام هذا النظام الشوفيني، وربما كان البعض من أبناء الشعب العراقي لا يتصور حجم الجرائم التي ارتكبها صدام وأعوانه بحق العراقيين ولكن جلسات محاكمات أزلامه سواء كانت في محاكمات الدجيل أو الأنفال أو حلبجه او إعدام التجار او الكرد الفيلين وغيرها قد كشفت عمق الخراب الذي لحق بالعراق على مختلف الصعد جراء سياسات النظام المقبور وبالتالي فأنه وبعد كل هذه السنوات من سقوطه انكشفت الكثير من الحقائق التي غيبت في سنوات حكمه البائدة. وما كشف منها لا يشكل سوى نسبة ضئيلة وستكشف السنوات القادمة المزيد منها . والمتابع لمؤسسات النظام المقبور خلال السنوات الـ35 التي سيطر فيها على مقدرات العراق يكتشف إنها جميعا كانت تؤدي مهمة واحدة هي حماية رأس النظام وتحقيق طموحاته غير المشروعة ونزواته الشريرة وفي السنوات التي أعقبت انتفاضة اذار المباركة عام 1991 تكرست هذه المؤسسات العسكرية والحزبية والاستخبارية بيد ولديه المقبورين لتزداد بطشا بالشعب وايذأ له والتحكم حتى بقوت الشعب الذي كان بالكاد يكفي لبضعة أيام من شهر طويل جدا من الجوع والحرمان فنجد إن هذا النظام وبعد محاولة الاغتيال للمقبور عدي والتي جعلت منه كسيحا أنتقم النظام من الشعب الذي كتم فرحته بهذه المحاولة بتقليل حصة الطحين من الحصة التموينية من 9 كغم إلى 6كغم وكأنه يوجه رسالة للشعب مفادها (( أنتم في واد وأنا في واد آخر)) وهذا بحد ذاته يمثل جريمة إنسانية بحق شعب أصيل. وأمثلة كثيرة تحتفظ بها ذاكرة الشعب العراقي , تقابلها تصرفات كثيرة من هذا النظام تؤكد عنجهيته فقد عرضت (العراقية ) فلم عن أحد قصور الطاغية تحيط به بحيرات الماء الاصطناعية من كل حدب وصوب وكأن نهر دجلة وجد لقصوره فقط!! ناهيك عن البناء الرخامي الذي لا مثيل له فيما كان أبناء الشعب يبحثون عن صفيح بالي ليعملوا منه سقف يقيهم شمس الصيف او أمطار الشتاء أليس هذا استهتارا بمقدرات الشعب وفسادا ما بعده فساد؟؟ كنت أشاهد هذا الفلم الذي عرضته( العراقية) وكنت أتألم كثيرا ومبعث ألمي ليس على تبذير المال العام ولكن مبعث ألمي إن هذا المقبور الجاهل الذي بذر أموال العراق على ملذاته ونزواته وترك بعد سقوطه المخزي مئات القصور الفارهة وآلاف من مدارس الطين والقصب الآيلة للسقوط ونجد من يدافع عنه في الفضائيات من المحللين الذين لا يعرفون شيئا سوى ما يدفع لهم وهؤلاء يقولون أن النظام السابق قد بنى العراق!! فإذا كانت الحضارة هي بناء القصور وخراب المدارس والمستشفيات فهذه ليست حضارة بقدر ما هي تحقيق رغبات شخصية لنفس مصابة بمرض وداء لا شفاء منه إلا بحبل المشنقة. وحبل المشنقة الذي التف حول عنق الطاغية كان لحظة طالما حلم بها أبناء الشعب العراقي الذي فقد من شبابه المثقف الواعي الوطني عشرات ألاف لا أحد يعرف كيف أعدموا وأين دفنوا بل لماذا اعدموا؟؟
سقوط النظام المقبور لم يكن في التاسع من نيسان 2003 بل هو سقط قبل هذا التأريخ بكثير سقط حين ارتكب جريمة العصر بإعدامه المرجع الديني الكبير محمد باقر الصدر (قدس) حيث اعدم بأمر من الطاغية , أليس هذا سقوط وانحدار نحو الهاوية التي ما بعدها هاوية, كثيرة هي المرات التي سقط فيها النظام الفاشي ولكن في كل مرة كانت أجهزته القمعية بالمرصاد تحصد أرواح الأبرياء في المدن والقرى والقصبات العراقية ومن ينجو من الموت بأعجوبة يختار المنافي حتى وصلت أرقام المعارضين له في دول العالم ومن الهاربين من جحيم حكمه أكثر من أربعة ملايين وحين سأل طارق عزيز حنا عن المعارضة العراقية أجاب باستهزاء.. نحن ليس لدينا معارضة!! بدليل إن الشعب صوت بنسبة 100% للقائد!! أليس هذا سقوط آخر أن تتجاهل 20% من أبناء الشعب الذين توزعوا في قارات متباعدة, وتوزعت قبورهم في قارات متباعدة وكلنا سمعنا أفادت تلك المرأة من الكورد الفيلين التي قالت أن إخوتها كانوا يعيشون في بيت واحد وهجروا أحدهم مدفون في النجف والآخر في إيران وثالث في سوريا ورابع مدفون في هولندا!! كانوا في بيت واحد قبل زلزال البعث فهجروا وتباعدت قبورهم !! جرائم كثيرة ولا زال البعض يقول إن صدام بنى حضارة في العراق!!!. خلاصة القول إن العراق كان سجن كبير أسلاكه الشائكة أزلام النظام سواء في المخابرات او الاستخبارات أو (الرفاق) وهم ذاتهم الجلادون والشعب هو السجين وفي التاسع من نيسان 2003 تهدم السور وهرب السجانون فاستعاد الشعب حريته ولن يفرط بها.
Top