بن لادن: بعد مرور 10 سنوات على مقتله، ماذا تبقى من إرثه؟
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذه العملية السرية للغاية، التي نفذتها القوات الأمريكية دون إبلاغ الحكومة الباكستانية، كانت بمثابة ثأر لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 و إغلاق ملفها.
أما بالنسبة لباكستان، فإن تلك العملية اعتبرت إهانة وإحراجا كبيرا لها.
من هو أسامة بن لادن؟
ولد أسامة بن لادن في 10 مارس/آذار من عام 1957، وأبوه هو رجل الأعمال السعودي، الملياردير محمد بن لادن وأمه سورية تم طلاقها بعد إنجابه، وله أكثر من 50 أخاً وأختاً. فقد والده في حادث سقوط طائرة عندما كان لا يزال طفلا.مارس في صباه كرة القدم وركوب الخيل وشغف بأفلام بروس لي، كما كان يسافر كل صيف إلى سوريا موطن أمه حيث كان يصعد الجبال، وأحب ابنة أحد أخواله.وفي شبابه كان مولعاً بالسيارات السريعة، وكان يقود سياراته بسرعة كبيرة وحطم واحدة منها على الأقل، كما كان يحب الذهاب إلى الصحراء للاسترخاء مع أصدقائه وخيوله. تزوج لأول مرة من ابنة خاله السورية عندما كان عمره 17 عاماً. ويقال إن له ما لا يقل عن 23 طفلاً من خمس زيجات على الأقل.كان بن لادن خجولا وطالبا عاديا وحصل على شهادة في الهندسة المدنية. سافر إلى باكستان بعد غزو الاتحاد السوفييتي السابق لأفغانستان عام 1979.
وتقول بعض الروايات إنه ساعد في إنشاء تنظيم القاعدة عندما كانت القوات الروسية في أفغانستان تمنى بالهزائم العسكرية المتتالية على يد المسلحين الأفغان.
ويقول مؤلف أمريكي إن موت الأخ غير الشقيق لابن لادن، سالم، عام 1988 في حادث سقوط طائرة كان عاملاً حاسماً في تحوله نحو التطرف والتشدد.
أدان بن لادن وجود القوات الأمريكية في السعودية التي أرسلت إلى الخليج عام 1990 بهدف المساعدة في طرد القوات العراقية من الكويت بعد اجتياحها في نفس العام.
وظل ابن لادن مقتنعا بأن العالم الإسلامي "ضحية الإرهاب الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة".
ومن ثم دعا بن لادن إلى الجهاد ضد الولايات المتحدة التي أنفقت مليارات الدولارات على المقاومة الأفغانية التي قاتل بن لادن إلى جانبها.
وفي الثاني من مايو/ آيار من عام 2011 أغارت قوات أمريكية خاصة على مجمع سكني في مدينة آبوت أباد الباكستانية وقتلت بن لادن.وكان بن لادن يعيش بحرية على بعد 50 كيلومترا فقط من العاصمة الباكستانية، إسلام أباد، وتقريبا تحت سمع وبصر الأكاديمية العسكرية الباكستانية في منطقة أبوت أباد.
لكن بعد مرور 10 سنوات على الغارة التي تحولت إلى عمل درامي أنتجته هوليوود، فإن الأعمال الجهادية الدموية لا تزال بشكل كبير ظاهرة عالمية.
"اغتصاب الإرث"
وشهدت السنوات الماضية هجمات للمتشددين في جميع القارات تقريبا، في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأفريقيا.وبالتالي، إلى أي مدى سيؤثر إرث بن لادن، إن وجد، على العالم؟ سؤال طرحه فرانك غاردنر، مراسل الشؤون الأمنية في بي بي سي قبل عدة سنوات.
وقال ساجان غوهيل، من مؤسسة آسيا والمحيط الهادئ الفكرية: "إن موت بن لادن ترك إرثا... وإلى حد ما، اغتصب هذا الإرث تنظيم الدولة الإسلامية الذي تولى زمام الأمور واستند إلى أهدافه لتدشين مشروع إرهابي عابر للحدود".
وبالنسبة للكثيرين، فإن عهد تنظيم بن لادن على مدار 22 عاما بداية من 1989 حتى 2011 ربما لا يبدو مختلفا عن الأيديولوجية العنيفة لتنظيم الدولة في الوقت الحالي.
فالجماعتان التزمتا بتوجه متشدد وغير متسامح للدين الإسلامي، واعتبرتا أي شخص أو جماعة سنية أخرى، مرتداً إذا لم يتفق معهما.
واستخدمت الجماعتان العمليات الانتحارية والقتل الجماعي للمدنيين كتكتيك، كما رفضتا مفهوم الديمقراطية باعتباره لا يتماشى مع الشريعة الإسلامية.استراتيجية طويلة المدى
ومع ذلك، فالجماعتان مختلفتان، ولو كان بن لان، أو أبو عبد الله كما كان أتباعه ينادونه، لا يزال حيا لأختلف بكل تأكيد مع تحركات وتكتيكات تنظيم الدولة.
كان بن لادن يعتمد على استراتيجية متأنية وطويلة المدى وعابرة للأجيال، إذ كان يأمل في أن تؤدي هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول إلى إضعاف الولايات المتحدة والغرب وبالتالي يتخليان عن دعمهما للأنظمة العربية العلمانية في الشرق الأوسط، ما يمهد الطريق في النهاية أمام سيطرة الجهاديين وإنشاء خلافة إسلامية.
ورأى بن لان أن هذا ربما يستغرق عقودا وقد لا يحدث هذا في حياته.
وحتى قبل موته، كانت هناك مؤشرات على أن أسامة بن لادن وقيادة تنظيم القاعدة في باكستان عارضا العنف المفرط الذي مارسه فرع القاعدة في العراق الذي تحول بعد ذلك إلى تنظيم الدولة حاليا.
وقال غوهيل: "إن تنظيم الدولة الإسلامية اتخذ مساراً مختلفاً عن تنظيم القاعدة بزعامة بن لادن".
وأضاف قائلا: "إن تنظيم الدولة قتل عمدا المسلمين السنة، بمن فيهم النساء والأطفال إذ نفذ تفجيرات بمساجد عدة في السعودية، ليقتل السنة والشيعة على حد سواء".
وتابع: "انخرط تنظيم الدولة كذلك في نشاطات إجرامية، كالاتجار بالبشر والأطفال، كانت أبوابه مفتوحه لتجنيد النساء، وكلها أمور كان تنظيم القاعدة يعارضها".
وبعد سنوات، سيعتبر المؤرخون مقتل بن لادن في تلك الغارة الأمريكية التي نفذت فجراً في الثاني من مايو/ آيار 2011 ضربة شبه قاضية لتنظيم القاعدة.
أما خليفته، أيمن الظواهري، فهو شخصية مملة غير جذابة تفتقر إلى الحضور إضافة إلى أنه لا يترك أثراً في الآخرين.ودفع برنامج وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) لشن هجمات بطائرات دون طيار المثير للجدل على المناطق القبلية في باكستان ما تبقى من عناصر أنصار بن لادن إلى الاختباء دائما وأضعف قدرة التنظيم على التخطيط لشن هجمات مثل تفجيرات لندن مجدداً.
أما فروع القاعدة الإقليمية، مثل حركة الشباب في الصومال والقاعدة في جزيرة العرب في اليمن، فقد لجأت إلى العمل والتطوير بصورة منفردة.
وبات هناك انقسام حول الإرث العقائدي الذي تركه بن لادن حيث يرى بعض الجهاديين أن مهاجمة الولايات المتحدة على أرضها أعطت نتيجة عكسية فقد كتب المنظر الجهادي أبو مصعب السوري في مقال نشر على حسابات جهادية على الإنترنت "إنها حماقة استراتيجية"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وأصبحت اليوم بعض فروع تنظيم القاعدة تقاتل في منطقة الساحل والصومال وبعض دول الشرق الأوسط، ولا تنفذ ضربات في الغرب.
لحظة فاصلة
وأعرب ريتشارد كلارك، الذي كان مسؤول شؤون مكافحة الإرهاب في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش حتى عام 2003، عن اعتقاده بأن موت بن لادن يمثل لحظة فاصلة. وقال: "أعتقد بأنه كان هناك تأثير مباشر للدعاية".
وأضاف قائلا: "طالما كان بن لادن حياً، بدا الأمريكيون عاجزين، لكن تأثير موت بن لادن على المدى الطويل هو أن مركز القاعدة، مقراتها الرئيسية، لم يتعاف على الإطلاق. فالقاعدة باعتبارها منظمة متعددة الجنسيات ليس لها وجود فعلي".
ولكن يبقى بن لادن مؤسس الجهاد العالمي فقد تمكن من تجنيد عدد كبير من العناصر في تنظيمه لأنه أدرك أهمية السياسة الدعائية، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
كان بن لادن قد فهم بذكاء أهمية الدعاية التي ساعدت في إبراز صورته الكاريزمية بعد فترة طويلة من مقتله، ففي مقاطع الفيديو كان يظهر وهو يحمل مدفعا رشاشا إلى جانبه، على الرغم من أنه نادراً ما كان يشارك في القتال بنفسه.
ونسبت وكالة الأنباء الفرنسية إلى كولين كلارك مدير مركز "صوفان" للأبحاث قوله إن الصورة التي تم ترويجها له نجحت في تجنيد مقاتلين، فقد كان في الواقع مدركا لأهمية المنصات الإعلامية الرئيسية في بث رسالة القاعدة".وأنفق الغرب مئات المليارات من الدولارات لاجتثاث الإرهاب منذ بروز بن لادن وتنظيمه دون ان ينجح في ذلك، ويفوق عدد الجهاديين اليوم في العالم العدد الذي كانوا عليه قبل 20 عاماً.
وبعد 20 عاماً من اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول التي حملت توقيعه، تستعد الولايات المتحدة لمغادرة أفغانستان، ويقول كلارك إن بن لادن ضرب القوة العالمية الأولى "وجرها الى حرب استنزاف في أفغانستان لا يمكن أن تكسبها".
الوصية الأخيرة
كشفت خطابات خاصة ببن لادن ووثائق أخرى عن خططه لتقسيم أمواله وممتلكاته بعد وفاته وأنه طلب أن تستخدم أغلب هذه الأموال في مواصلة الجهاد العالمي.
وهذه الخطابات جزء من 113 وثيقة عثر عليها خلال الغارة التي شنتها القوات الخاصة الأمريكية على مخبأ بن لادن.
ووصف مسؤولو مخابرات أمريكيون أحد هذه الخطابات بأنه ربما يكون وصيته الأخيرة.وأطلعت وكالة رويترز للأنباء وتلفزيون إيه.بي.سي. بشكل حصري على هذه الوثائق التي ترجمت إلى الإنجليزية من العربية ورفعت أجهزة المخابرات الأمريكية عنها صفة السرية.
وكانت هذه الوثائق جزءا من دفعة ثانية من الوثائق التي عثر عليها خلال العملية ورفعت عنها صفة السرية منذ مايو/ أيار من عام 2015.
بي بي سي