• Friday, 26 July 2024
logo

اليوم الوطني السعودي: ثلاثون عاما صنعت الدولة السعودية الحديثة

اليوم الوطني السعودي: ثلاثون عاما صنعت الدولة السعودية الحديثة
تحتفل المملكة العربية السعودية بعيدها الوطني اليوم، الذي يوافق توقيع مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود لأمر ملكي بتوحيد المملكة وتغيير اسمها إلى المملكة العربية السعودية بدلا من نجد والحجاز.

وجاء ذلك التوقيع في 23 سبتمبر/أيلول 1932، الموافق 21 جمادى الأولى 1351 هجريا. لكن هذا التاريخ كان مسبوقا بثلاثين عاما من التخطيط والتحالفات والقتال، صنعت "الدولة السعودية الثالثة" كما نعرفها اليوم.

وشهدت الجزيرة العربية محاولتان سابقتان لتأسيس دولة سعودية. الأولى كانت على يد محمد بن سعود عام 1744، وتُعرف بإمارة الدرعية. لكنها سقطت عام 1818 على يد القوات العثمانية بقيادة إبراهيم باشا، نجل محمد علي والي مصر.

وسرعان ما جاءت المحاولة الثانية، فكانت على يد تركي بن عبدالله آل سعود عام 1818، وعُرفت بإمارة نجد وعاصمتها الرياض. لكنها انهارت عام 1891 على يد آل الرشيد، بعد أن ضعفت بفعل الصراع بين أبناء فيصل بن تركي آل سعود.

ومع مطلع القرن العشرين، ظهر التحالف الذي كوّنه الملك عبدالعزيز آل سعود (وعُرف آنذاك باسم ابن سعود) بقوة في نجد، بالتزامن مع انهيار قبضة الدولة العثمانية على إمارات الخليج واتجاه أمرائها للتحالف مع بريطانيا. وفي الحجاز، بدأت تخور قوى الأشراف الذي كانوا يحكمون المنطقة منذ مئات السنين.ثأر الرياض
وشرع ابن سعود في إحياء القوة السعودية في المنطقة، مستعينا بعنصرين أساسيين في تحالفه هما "المطاوعة" و"الأخوان". وكانت "المطاوعة" مجموعة من الدعاة الدينيين الذين دعموا سلطة ابن سعود معنويا، وقدموه للقبائل في صورة الحاكم الشرعي لنجد والحجاز.

أما "الأخوان"، فكانت مجموعة مقاتلة تكونت على أساس المرجعية الفكرية للمطاوعة. وخاض مقاتلو الأخوان حروبا لصالح ابن سعود ضد أمراء نجد والحجاز، وأكثرها كان ضد آل الرشيد الذين كانوا يسيطرون على قلب الجزيرة العربية، بدءا من حائل في الشمال، مرورا بالقصيم، ووصولا إلى الرياض في الجنوب.

لذا، كانت السيطرة على الرياض أحد أهم انتصارات الدولة السعودية الناشئة. كما كان لهذا الانتصار وقع شخصي على ابن سعود، إذ كان آل الرشد قد طردوا والده، عبدالرحمن بن سعود، من حكم الرياض إلى منفى في الكويت.

وتباعا، كانت الكويت هي رأس الحربة التي انطلقت منها القوات الموالية لابن سعود للاستيلاء على الرياض، وحظيت بدعم أمراء الكويت، آل صباح، الذين كانوا يخشون تمدد نفوذ آل الرشيد.

وفي 15 يناير/كانون الأول 1902، تمكن ابن سعود من السيطرة على الرياض بقوة قوامها ما بين 40 و60 مقاتلا، بعد أن داهم المدينة ليلا وقتل من ينوب عن آل الرشيد بها.

وفي مايو/أيار من نفس العام، وصل عبدالرحمن آل سعود، والد عبدالعزيز، إلى الرياض ليعضد سلطة ابنه ويعلنه حاكما للمدينة بدلا منه.

وتوالت هجمات ابن سعود على معاقل آل الرشيد، وتوسع حتى دفعهم جنوبا إلى القصيم. وتحولت المنطقة إلى ساحة قتال مستمر لمدة أربع سنوات، بين عامي 1902 و1906، إذ دعمت الدولة العثمانية آل الرشيد بالسلاح والمقاتلين، في مواجهة تحالف ابن سعود وآل صباح الذي دعمته بريطانيا.

وفي أبريل/نيسان 1906، أحكم ابن سعود سيطرته على القصيم بعد معركة "روضة مهنا"، حيث قُتل والي حائل عبدالعزيز بن رشيد، وتراجعت القوات العثمانية إلى معاقلها في المدينة والبصرة في العراق.

واعترفت الدولة العثمانية لاحقا بابن سعود حاكما فعليا للقصيم وجنوب نجد، ما اعتُبر آنذاك إذعانا لتقسيم السلطة في نجد بين ابن سعود وآل الرشيد.بدالعزيز باشا
لم يتوقف طموح ابن سعود في التوسع عند الانتصار في القصيم، لكنه هدأ لفترة لإعادة ترتيب الصفوف، وتوطيد التحالفات وترتيب الأوراق.

وانتقلت ساحة القتال بعد ذلك إلى الأحساء، معقل الطائفة الشيعية، واستولى ابن سعود عليها. ثم وجّه قبلته إلى منطقة الهفوف، حيث تمركز 1200 مقاتلا عثمانيا.

واعترف ابن سعود بالسلطان العثماني، لكنه كان اعترافا شكليا لم يترجم إلى إجراءات تمس السلطة الفعلية. وظهرت إحدى تجليات ذلك الوضع في تعيين ابن سعود لأحد أتباعه، عبدالله بن جلوي آل سعود، حاكما للأحساء.

وفي مايو/أيار 1913، وقع ابن سعود معاهدة مع الدولة العثمانية، اعترف فيها العثمانيون بـ "عبدالعزيز باشا" حاكما على نجد. وفي المقابل، اعتبرها ابن سعود فرصة لتأمين توسعاته من هجوم محتمل للأسطول العثماني.

وعلى الجبهة الداخلية، سعى ابن سعود لتأمين تحالف مع القوى الشيعية في المنطقة، فتعهد بضمان الحريات الدينية وعدم ملاحقتهم.

ومع اقتراب الحرب العالمية الأولى، سعت الدولة العثمانية لتأمين جبهتها في المنطقة، فوقعت المعاهدة العثمانية-السعودية في مايو/أيار 1914، التي اعترفت فيها باستمرار ولاية ابن سعود على نجد، وتوريث حكمها لأبنائه.

وفي المقابل، تعهد ابن سعود بعدم التواصل أو الاتفاق مع أي قوة أجنبية، وعدم تقديم أي تنازلات أو مساعدات للأجانب في الأراضي الخاضعة لسلطته.الحرب العالمية في الخليج
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تبدلت المواقف والمصالح بين قوى المنطقة. وتحولت بريطانيا تحديدا من موقف المتفرج إلى السعي لإضعاف النفوذ العثماني في نجد والحجاز والتخلص ممن بقي من آل الرشيد، بعد أن انضمت الدولة العثمانية للقوى التي تخوض الحرب ضد بريطانيا.

ووافق هذا التحول في الموقف البريطاني هوى ابن سعود، الذي كان منفتحا على فكرة التفاوض مع بريطانيا بعد ضم الأحساء عام 1913.

وفي عام 1915، استقبل ابن سعود المبعوث البريطاني ويليام هنري شيكسبير، الذي عُرف بـ "كابتن شيكسبير". وتوصل الطرفان إلى اتفاق سعودي-بريطاني، يضمن تحكم بريطانيا في حركة الأسلحة على الأطراف الغربية للخليج، واستبعاد أي قوة أجنبية من قلب الجزيرة العربية.

ووُقعت الاتفاقية في 26 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام. واعترفت بموجبها بريطانيا بسيطرة ابن سعود على نجد والأحساء والقطيف والجبيل، وما تتبعها من أراضي، وتعهدت بتقديم دعم بريطاني لابن سعود في مواجهة أي اعتداء على هذه الأراضي.

كما حصل ابن سعود على ألف بندقية، وعشرين ألف جنيه استرليني عند توقيع الاتفاق، بجانب دعم شهري قدره خمسة آلاف جنيه استرليني استمر حتى عام 1924، وإمدادات من البنادق الآلية واليدوية.

أما جانب ابن سعود من الاتفاق، فكان التعهد بعدم الدخول في أي مراسلات أو اتفاقات مع أي قوة أجنبية، والتخلي عن التحرك العسكري في المنطقة، وعدم التعدي على أراضي الكويت والبحرين وقطر وساحل عمان، التي كانت تحت حماية الحكومة البريطانية.وعلقت المنطقة وفق هذه المعاهدة في السياسات الكبرى للحرب، إذ تراجعت الدولة العثمانية عن اعترافها بابن سعود واليا على نجد، وأعلنت تولية حليفها ابن رشيد، والي حائل، وأمدته بقوة عثمانية-ألمانية مشتركة قوامها 25 ضابطا و300 عسكري.

واندلعت حرب بالوكالة بين ابن رشيد وابن سعود عام 1917، بعد أن دعم الانجليز تحرك الأخير لضم حائل بألف بندقية ومئة ألف قطعة ذخيرة.

ووضعت الحرب العالمية أوزارها في أوروبا عام 1918، لكنها استمرت حول حائل بين ابن رشيد وابن سعود. ومع هزيمة الدولة العثمانية، أصبح آل الرشيد بدون حليف، وحاولوا التفاوض مع أمراء الكويت والحجاز الذين أصبحوا بدورهم يخشون توسعات ابن سعود.

لكن الثقل السياسي والعسكري السعودي في المنطقة كان قد أصبح أكبر من أن تحتويه القبائل، وأصبح آل الرشيد في عزلة اقتصادية فرضها ابن سعود.

وأتت المرحلة الفاصلة في أغسطس/آب 1921، إذ حاصر ابن سعود حائل بقوة من عشرة آلاف مقاتل، حتى استسلم آل الرشيد في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، وأقسم سكان المدينة الولاء لابن سعود.ملك الحجاز وسلطان نجد
حافظ ابن سعود طوال السنوات السابق ذكرها على جبهة هادئة نسبيا في الحجاز، الذي كان يخضع لحكم الهاشميين متمثلين في الشريف حسين.

وكانت تدور مناوشات من آن لآخر حول قرى حجازية متاخمة للأراضي التي سيطر عليها ابن سعود، لكن بعد استتباب الأمر في حائل والتخلص من آل الرشيد أصبحت السيطرة على الحجاز هي الخطوة القادمة.

وتأجج هذا الطموح السعودي بعد أن دعمت بريطانيا أبناء الشريف حسين، فيصل وعبدالله، ليصبح الأول ملكا على العراق، والثاني ملكا على الأردن.

وتحركت القوات السعودية باتجاه عسير، وحققت نصرا سريعا على القوات الموالية للأمراء الإدريسيين الذين كانوا يحكمون المنطقة، وضعفت مواردهم بعد الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1922، سيطرت قوات بقيادة فيصل بن عبدالعزيز آل سعود على أبها، وأقسم حاكمها وسكانها الولاء لابن سعود.

وانهار بذلك الحاجز الأخير بين ابن سعود والحجاز. وحاول الشريف حسين توطيد حكمه بإعلان الخلافة في الخامس من مارس/أذار 1924، بعد يومين من إسقاط الخلافة العثمانية. لكن هذه الحيلة لم تفلح أمام طموح ابن سعود، الذي أصبح في حاجة للمزيد من الموارد بعد انقطاع الدعم البريطاني المادي.وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام، تحركت القوات السعودية باتجاه الطائف، وضمها خلال ثلاثة أيام، الأمر الذي دفع وجهاء الحجاز للضغط على الشريف حسين للتنازل عن الإمارة لابنه علي في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1924، ومغادرة الحجاز إلى قبرص.

وفي الخامس من ديسمبر/كانون الأول 1924، دخل عبدالعزيز بن سعود مكة، وأمر برحيل الشريف علي عن الحجاز كشرط للسلام مع القبائل والوجهاء. وقال إن سيطرته على مكة "لضمان حرية الحج، واستتباب الأمر في الحرم بما يرضي العالم الإسلامي."

وأعلن عبدالعزيز بن سعود نفسه ملكا على الحجاز. واجتمع وجهاء المنطقة في السادس من يناير/كانون الثاني 1926 لإعلان الولاء لابن سعود، ملك الحجاز وسلطان نجد. وخلال ثلاثة أشهر، كان الحاكم المعترف به دوليا لدى القوى الأوروبية.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتوحد فيها نجد والأحساء والحجاز وعسير تحت حكم واحد منذ محاولات إنشاء الدولة السعودية الأولى في القرن الثامن عشر.

وسعت بريطانيا إلى تأمين مناطق نفوذها في العراق وسوريا وإمارات الخليج من الطموح السعودي، فوقعت عددا من الاتفاقيات مع ابن سعود، واعترفت به حاكما مستقلا على المناطق الخاضعة لسيطرته.

وفي 17 سبتمبر/أيلول 1932، أعلن عبدالعزيز آل سعود توحيد مملكته لتحمل اسمه، ووقع المرسوم الملكي في يوم 23 من نفس الشهر.

مواضيع ذات صلة









بي بي سي
Top