تركيا تحتل المركز الأول عالمياً في مجال انتشار الأخبار الكاذبة
"السيدة المحجبة التي تعرضت صغيرتها للركل من متظاهرين مناوئين للحكومة التركية"، و"الناشط السياسي نعوم تشومسكي يشيد بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، و"صور جثث المسلمين تطفو في نهر في ميانمار"، و"فيديو لطائرة تركية تقصف موقعاً كردياً في سوريا"، هذه نماذج من الأخبار الزائفة التي تنتشر يومياً عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في تركيا، والتي لفتت انتباه شبكة (بي بي سي) البريطانية إليها.
بعد المحاولة الانقلابية في 2016، شنت الحكومة والأجهزة الأمنية في أنقرة حملة واسعة على المؤسسات الإعلامية في تركيا، وشملت الحملة إغلاق، تأميم، ومعاقبة عدد كبير من المراكز الإعلامية في تركيا. لكن المحاولة الانقلابية عمقت الشرخ السياسي والاجتماعي الداخلي في تركيا، وفي وضع كهذا تستخدم المعلومات والأخبار كسلاح بيد الأطراف المتصارعة.
وحسب تقرير الأخبار الرقمية لرويترز، للعام 2018، فإن نحو نصف سكان تركيا 49 بالمئة يواجهون أخباراً كاذبة بالمقارنة بـ9 في المئة فقط في ألمانيا. هذه النسبة العالية من الأخبار الكاذبة جعلت ثقة الناس بالمصادر الإعلامية تتراجع كثيراً.
التطور المشهود الذي شهدته وسائل تلقي الأخبار في السنوات الأخيرة (كالهواتف الذكية والألواح الرقمية) كان واحداً من عوامل انتشار الأخبار الكاذبة في بلد كتركيا، يضاف إليه انخفاض أسعار خدمة الإنترنت وظهور شبكات التواصل الإجتماعي كعاملين إضافيين مساعدين على نشر هذه الأخبار.
فقد قال 90% من الذين شملهم استبيان لرويترز في العام 2017، إنهم يتلقون الأخبار من خلال شبكة الإنترنت (المواقع الإلكترونية، شبكات التواصل الاجتماعي، والقنوات الرقمية)، وقال 77% منهم إنهم يعتمدون على التلفزيون كمصدر إضافي لتلقي المعلومات.
وحسب تقرير لشبكة (بي بي سي) فإن الإعلام التركي غارق في بحر من الأخبار والمعلومات الدعائية، وحسب التخمينات فإن 90% من وسائل الإعلام في تركيا حكومي، بينما تغلَق وسائل الإعلام المعارضة بتهمة "الترويج للإرهاب أو بدفعها باتجاه الإفلاس.
الإعلام المقروء بدأ يضعف في أغلب دول العالم، لكنه مازال يعتبر طريقاً موثوقاً للحصول على المعلومات. لكن الأمر مختلف في تركيا، فثقة الناس بوسيلة الإعلام هذه تتراجع باستمرار. حيث يبين تقرير (رويترز) أن نسبة عدم الثقة بالإعلام المقروء في تركيا تعادل ضعف النسبة في بقية أنحاء العالم.
خلال فترة الشهر ونصف الشهر الأخيرة، كشفت الجرائد التركية عن القسم الأكبر من المعلومات المرتبطة بمقتل الصحفي السعودي، جمال قاشقجي، وكانت مصادرها عبارة عن مسؤولين أمنيين لم تُذكر أسماؤهم. لهذا كانت الجرائد التركية مصدراً رئيساً لمعلومات الإعلام العالمي، ويأتي هذا في وقت لا يثق فيه 45% من سكان تركيا بالإعلام المقروء لبلدهم، ويثق 40% منهم بالأخبار التي يقرأونها، وتقول دراسة رويترز إن 38 بالمئة فقط من الأتراك يثقون في صدق الأخبار، و22% منهم يشكّون فيها.
وتكشف دراسة رويترز أن ثقة الأتراك وعدمها، في أغلب الأحيان، لا تعتمد على مصداقية مصادر الأخبار بل على الانتماء السياسي والآيديولوجي للطرف الذي يقف وراء المصدر الإعلامي، وهذه إشارة أخرى إلى الشرخ الكبير في النسيج الاجتماعي التركي في الأعوام الثلاثة الأخيرة، كما يبين أن ثقة الناس لا يمكن التعويل عليها كدليل على أن الأخبار ليست كاذبة.
في العام 2016 قام الصحفي التركي الشاب محمد أتاكان فوكا بإطلاق موقع (تَييت دوت أورغ) وكلمة تَييت (teyit) تعني بالتركية تأكيد، ومهمة الموقع التأكد من صدق الأخبار المنتشرة عبر الإنترنت.
وقال فوكا لشبكة (بي بي سي) إنهم يستخدمون في الموقع مزيجاً من المهارات الصحفية والتكنولوجيا الرقمية لكشف القصص الزائفة والتي تصل لنحو 30 قصة يومياً.
وقال فوكا إن "مواجهة مشكلة الأخبار الكاذبة لا تتم فقط من خلال كتابة مقالات عنها. إننا بحاجة لتعليم الناس ومنحهم الأدوات للتحقق بأنفسهم من صدق الأخبار".
وتابع قائلاً إنه خلال العامين الماضيين تم التحقق من زيف 526 قصة أغلبها سياسي، وقد تم استخدام صور تم التلاعب بها أو مزاعم كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي لاستهداف الشخصيات السياسية.
وعن أسباب بروز هذه الظاهرة في تركيا، يقول فوكا: "نحن الأتراك متحيزون في أفكارنا ونحب قراءة ما يتفق مع توجهاتنا، ولا نلتفت إلى العلم والحقائق، وبدلاً من الحقائق نؤمن بالخرافات".
هذه الظاهرة طالت حتى المسؤولين في الحكومة التركية، فخلال أزمة ميانمار وتشريد المسلمين فيها، نشر وزير المالية التركي حينها مجموعة صور ادعى أنها لمسلمي ميانمار، وكشف موقع (teyit) أنها صور من مناطق أخرى، وقد تدخلت حكومة ميانمار نفسها في ذلك ما اضطر الوزير التركي إلى مسح تلك الصور من موقعه على شبكة تويتر.
ويقول فوكا إن مواقع التحقق من صدق الأخبار أيضاً لم تعد موثوقة، وحتى تقصي الحقائق يمكن استخدامه كأداة لتحقيق أهداف سياسية في تركيا، فأحد مواقع تدقيق الأخبار مثلاً، يقوم بدلاً من تحري صدق الأخبار والصور، بمساندة موقف الحكومة ويعمل على نزع المصداقية عن المعارضين، وقال "لا توجد حرية تعبير في تركيا فحتى مواقع تقصي الحقيقة تستخدم كدعاية، فهي سلاح آخر في يد الحكومة".
ويوجد في تركيا أكبر عدد من السجناء الصحفيين وهي تحتل المركز 157 في مؤشر حرية الصحافة من بين 180 دولة.
روداو