• Sunday, 24 November 2024
logo

الأحزاب و المجتمع‏..‏ معوقات المشاركة السياسية

الأحزاب و المجتمع‏..‏ معوقات المشاركة السياسية
د‏/‏ محمد نور البصراتي
محاضر و خبير العلوم السياسية




تواجه مجتمعات الدول النامية في سعيها نحو الأخذ بنمط أو بآخر في أنماط التنمية عددا من الأزمات من بينها أزمة المشاركة السياسية‏.‏ فهذه الأزمة تتخذ أبعادا مختلفة سواء من حيث النطاق أو الصيغ المطروحة للمشاركة ومدي فاعليتها‏,‏ وتعتبر ظاهرة العزوف عن المشاركة في الحياة السياسية من أبرز القضايا التي شغلت المهتمين بمستقبل الديمقراطية بصفة عامة والانتخابات بصفة خاصة نظرا لخطورة آثارها ودلالات أسبابها‏.‏ فهناك عناصر تؤثر علي عملية المشاركة السياسية‏(‏ النظام السياسي ـ الأحزاب ـ المواطنون‏),‏ وعدم قدرة أي عنصر علي القيام بدوره تجاه المشاركة فأن ذلك يؤدي إلي تحديات جمة لعملية المشاركة‏,‏ فمثلا فاعلية الأحزاب السياسية و تأثيرها يرتبط بقدرة الأحزاب علي مواجهة أزماتها الداخلية والتي من الممكن أن تفقدها كثيرا من قيمتها لدي المواطن‏,‏ ومن ثم فأن المشاركة السياسية تصبح هدفا ووسيلة‏,‏ فهي هدف لأن الحياة الديمقراطية السليمة ترتكز علي اشتراك المواطنين في مسئوليات التفكير العام والعمل لصالح مجتمعهم‏,‏ وهي وسيلة لأنه عن طريق المشاركة يشعر الناس بأهميتها ويمارسون طرقها و أساليبها‏,‏ وتتأصل فيهم أنماط وأساليب تصبح جزءا من سلوكهم وثقافتهم‏.‏

فالقيم والاتجاهات والمعارف التي تتجمع لدي المرء من خلال عملية التنشئة المبكرة تؤثر في استجابته لمختلف المنبهات السياسية‏,‏ وبالتالي علي مدي مشاركته في الحياة السياسية فهي إما أن تشجع علي الاهتمام بقضايا المجتمع وممارسة الأنشطة السياسية والاجتماعية‏,‏ وإما أن تكون ضد ذلك‏,‏ كما أن السلوك السياسي امتداد للسلوك الاجتماعي‏,‏ وكلما كان المرء مشاركا علي الصعيد الاجتماعي كلما كان احتمال مشاركته في الأنشطة السياسية أكبر والعكس صحيح‏.‏

فالمشاركة في صنع السياسات العامة تحتاج إلي طرفين‏:‏ الطرف الأول وهو ما يطلق عليه اسم صاحب القرار ويضم الهيئة التشريعية والسلطة التنفيذية‏,‏ والهيئة القضائية‏,‏ بينما يضم الطرف الثاني وهو ما يطلق عليه اسم المجتمع المدني ويشمل الأحزاب السياسية‏,‏ الجمعيات الأهلية أو المؤسسات‏,‏ والغرف التجارية والصناعية‏,‏ النقابات العمالية‏,‏ والاتحادات المهنية‏,‏ والمواطنين‏,‏ الإعلام غير الحكومي‏,‏ وجماعات المصالح‏.‏

والمشاركة السياسية من خلال الأحزاب تتسم بالضعف و المحدودية‏,‏ حيث لم تنجح الأحزاب السياسية في حث الجماهير علي المشاركة و فتح قنوات جديدة بين الجماهير وصانع القرار‏,‏ سواء كان ذلك نتيجة الأمية السياسية في المجتمع أو نتيجة الأزمة الحزبية في مصر‏.‏

وعلي الرغم من تعدد أسباب التغيب والامتناع عن المشاركة السياسية في الانتخابات ومنها المعوقات المسئول عنها النظام السياسي مثل عدم تنفيذ أحكام القضاء المتعلقة بالانتخابات سواء بطلان الإجراءات الانتخابية أو بإلغاء نتيجة الانتخابات في إحدي الدوائر‏,‏ وهو الأمر الذي يؤدي بالمواطن إلي حالة من الإحباط والشعور باليأس وعدم جدوي مشاركته السياسية‏,‏ بالإضافة إلي أن الأزمة الاقتصادية شغلت الشباب علي مستقبلهم والبحث عن العمل والجري وراء توفير مسكن مناسب والاهتمام بالأمور الخاصة والتعامل مع هذه الأوضاع الاقتصادية القاسية‏,‏ بحيث أصبح عازفا أو مشغولا عن المشاركة في الحياة السياسية‏,‏ إلا أن هناك معوقات تقف حائلا ضد المشاركة السياسية والمسئول عنها الأحزاب و المجتمع نفسيهما‏....‏

معوقات مسئول عنها الأحزاب‏:‏

أولا‏:‏ إن الأحزاب لا تقدم مشروعات تخدم المواطنين ولا تقدم حلولا لهم وبرامجها غير قادرة للوصول إلي المواطنين‏,‏ وإنها لا تهتم إلا بتقديم مكاسب شخصية لأعضائها وهو ما يؤدي للعزوف عن الاهتمام بالسياسة والمشاركة

ثانيا‏:‏ إن قلة المنبهات السياسية الموجهة للفرد تقلل من إمكانية مشاركته في العملية السياسية‏,‏ حيث تتوقف مشاركته علي توافر الظروف الملائمة علي كم ونوعية المنبهات السياسية التي يتعرض لها‏,‏ وتنوع مصادر المنبهات من وسائل إعلام وحملات انتخابية‏....‏ الخ‏,‏ يؤدي إلي فاعلية ودور أكبر في عملية المشاركة السياسية‏.‏

ثالثا‏:‏ معاناة الأحزاب السياسية من ضعف العضوية‏,‏ وذلك نتيجة أسباب عديدة منها عدم الاقتناع من جانب أكثرية الناس بفاعلية الأحزاب‏,‏ والنظر إلي معظم هذه الأحزاب علي أنها أحزاب أشخاص غير واضحة في برامجها ولا تعبر عن القضايا الحقيقية للمجتمع‏.‏

معوقات مسئول عنها المجتمع‏:‏

أولا‏:‏ نمط وأدوات التنشئة السياسية‏,‏ فما زال النمط السلطوي يسيطر علي عملية التنشئة في مصر‏,‏ فالواقع الذي يحيا به الطفل في الأسرة باعتبارها أهم وأول أدوات التنشئة هو واقع سلطوي‏,‏ كما يستمر هذا النمط سائدا في مختلف مراحل العمر سواء في المدرسة أو الجامعة أو الوظيفة وغيرها‏,‏ مما يؤثر علي الممارسة السياسية للفرد‏,‏ ويبعد هذه الممارسة عن الشكل الديمقراطي‏,‏ فكلما ابتعدت عملية التنشئة عن النمط السلطوي واقتربت من النمط الديمقراطي كلما كان ذلك دافعا قويا للأفراد علي الممارسة السياسية الديمقراطية السليمة هذا من ناحية‏,‏ كما أن تهيئة المناخ الديمقراطي السليم للممارسة السياسية من ناحية أخري يمكن أن يؤدي الي إعادة تشكيل نمط التنشئة والقيم المسيطرة عليها ويدفع إلي نمط من التنشئة أكثر ديمقراطية‏.‏

ثانيا‏:‏ السلبية الشعبية واللامبالاة وعدم الميل إلي المشاركة السياسية نتيجة ضعف الاتصال بين الجماهير والنظام السياسي‏,‏ حتي إن غالبية أعضاء البرلمان أنفسهم تتجه إليهم السلبية بعد حصولهم علي المقاعد في البرلمان والتغيب عن مناقشات المجلس وحضور جلساته‏.‏

ثالثا‏:‏ سيطرة الطابع الشخصي علي العلاقات السياسية‏,‏ ويقصد بذلك إن الروابط و الصلات الشخصية تلعب في مصر دورا هاما في التأثير علي العملية السياسية وبصفة خاصة علي عملية التجنيد النخبوي ــ علاقات النسب والمصاهرة والزمالة ــ تحول دون تطور المؤسسات ونضجها ويضعف من استقلاليتها‏,‏ ويمكن علاج هذا الوضع من خلال وضع المعايير الموضوعية المتعلقة بالكفاءة و العلم و القدرة هي الأساس في اختيار الكوادر‏.‏

رابعا‏:‏ إن عدم اهتمام المواطن بالتنشئة السياسية لأبنائه ومن ثم قلة الوعي والإدراك السياسي يؤدي لإعاقة عملية المشاركة السياسية‏,‏ فضعف مستوي الثقافة السياسية و الذي هو ناتج عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يؤدي الي انخفاض درجة المشاركة السياسية‏,‏ ولا سيما عدم امتلاك بطاقة انتخابية وضعف الحرص علي الاشتراك في عمليات التصويت‏.‏

والتغيب عن الانتخابات من قبل المواطنين يستند الي أسباب سياسية و أخري غير سياسية‏:‏

أولا‏:‏ التغيب الذي يستند الي أسباب غير سياسية‏:‏

يضم هذا النوع طائفة المتغيبين لأعذار ذات طبيعة مادية كالمرض والعجز الدائم أو المؤقت‏,‏ و مشاغل العمل ــ السفر خارج الدائرة الانتخابية أو خارج البلاد ــ الخدمة العسكرية‏,‏ كما يضم أيضا المتغيبين لأسباب ترجع الي تكوينهم النفسي والاجتماعي‏,‏ كالميل إلي العزلة والخجل والرغبة في اعتزال صخب الحياة والخوف من مواجهة الناس‏...‏ الي غير ذلك من الأسباب التي تميز الشخصية الانطوائية‏(2).‏

ثانيا‏:‏ امتناع المواطن لأسباب سياسية‏:‏

ويضم هذا النوع حالات التغيب نتيجة موقف سياسي للممتنع‏,‏ فهو يمثل حالات الامتناع الارادي عن التصويت لأسباب تتعلق بالنظام السياسي أو الانتخابي في الدولة‏,‏ ويأخذ عادة صورتين إحديهما جماعية والأخري فردية‏.‏

الصورة الجماعية‏:‏

ويطلق عليها البعض امتناع النضال‏,‏ وهو امتناع يأخذ شكل مقاطعة جماعية للانتخابات من قبل مجموعة انتخابية أو حزبية كوسيلة للضغط علي السلطات العامة لتحقيق مطالب معينة‏,‏ وقد يرجع الامتناع لأسباب تتعلق بنظام الانتخابات ذاته ــ مثل قيام المعارضة بمقاطعة انتخابات‏1990‏ احتجاجا علي انفراد الحكومة بوضع قانون الانتخاب‏,‏ وعدم توفير ضمانات كافية لسلامة المعركة الانتخابية ــ ويتوقف نجاح المقاطعة علي القوة المؤثرة للجماعات المضربة‏.‏

الصورة الفردية‏:‏

وهي عبارة عن الحالات التي يمتنع فيها الناخب عن التوجه لصناديق الاقتراع استنادا إلي مبرراته التي يقتنع بها‏,‏ فالامتناع هنا تعبير عن موقف شخصي وليس استجابة لمطلب أو ضغوط جماعية‏,‏ و يأخذ ذلك الامتناع صورا عدة‏:‏

‏1‏ ـ الامتناع بسبب تكرار الانتخابات‏:‏ بمعني أنه إذا تكررت الانتخابات التي يدعي إليها الناخب خلال فترة وجيزة فإنه سرعان ما يفتر عزمه ويصاب بالملل الذي ينعكس في صورة امتناع عن التصويت‏.‏

‏2‏ ـ الامتناع بسبب التردد‏:‏ قد يؤدي تردد الناخب وعجزه عن التفضيل بين الخيارات المتنافسة إلي الامتناع عن التصويت‏,‏ فعندما تجري الانتخابات بين حزب مسيطر ومجموعة أحزاب صغيرة ترتفع نسبة الامتناع الي حد كبير‏,‏ حيث يصاب المواطن بحالة إحباط نتيجة يأسه من قدراته علي تغيير الأوضاع وهو ما يشعره بضآلة القيمة الحقيقية لصوته‏,‏ فسواء صوت لمصلحة هذا الحزب أو ذاك فإن النتيجة يمكن توقعها مقدما‏,‏ وقد يمتنع الناخب عن التصويت إذا عجز الحزب الذي يفضله عن استمالته إلي برنامجه السياسي‏,‏ ويحدث هذا في حالة الناخب الحزبي غير الملتزم‏,‏ والذي يفضل الامتناع عن التصويت لمصلحة الحزب المعارض‏.‏

‏3‏ ـ الامتناع بسبب الاعتراض علي النظام‏:‏ وهنا يمتنع الناخب عن التصويت لموقفه المعارض من النظام السياسي‏,‏ سواء بسبب اختلاف الرؤي السياسية‏_‏ نتيجة الإيذاء الذي لحق بالممتنع من جراء آرائه السياسية أو نتيجة معارضة النظام لأسباب اقتصادية أو اجتماعية‏,‏ وترتفع نسبة الامتناع بسبب صعوبة نظام الانتخاب وتعقيده‏,‏ وليس أدل علي ذلك من أن نسبة الامتناع في ظل قانون التمثيل النسبي قد بلغت حدا لم تعرفه مصر من قبل‏,‏ إلا أن أهم أسباب الامتناع في تقدير غالبية الفقه السياسي هو تدخل الدولة في سير العملية الانتخابية‏,‏ بقصد التأثير علي إرادة الناخبين والإضرار بموقف الأحزاب المعارضة‏.‏

المراجع‏:‏

‏1‏ـ سلوي العامري‏,‏ المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ــ قسم بحوث و قياسات الرأي العام‏1993.‏
‏2‏ ـ محمود حسن إسماعيل ــ نشرات الأخبار في التليفزيون المصري والتنشئة السياسية للمراهقين ــ معهد الدراسات العليا للطفولة‏1991.‏
‏3‏ ـ د‏/‏ إكرام بدر الدين‏,‏ تطور المؤسسات السياسية‏,‏ تجربة الديمقراطية في مصر‏,‏ ط‏1986,3.‏
‏4‏ ـ د‏/‏ سيد أبو ضيف‏,‏ المشاركة السياسية في الفقه السياسي المعاصر‏,‏ مجلة عالم الفكر‏,‏ العدد‏3‏ لسنة‏2003.‏

المصدر: http://democracy.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=file4.htm&DID=10452
Top