• Sunday, 24 November 2024
logo

الحكم الرشيد

الحكم الرشيد
-عدنان شيرخان

-الحوار المتمدن

لطالما نظر العديد من علماء السياسة والاجتماع الى الدول على انها افراد، لها شخصيات ومقومات الافراد، وحاولوا ان يفسروا تصرفات الدول على هذا الاساس، وقالوا ان الدول تتعامل مع الامور كما يتعامل الافراد بحكمة ورزانة او مراهقة ورعونة، وكما هي امزجة الناس، ثمة من هو حاد وعكر المزاج، اوهادئ الطبع رزن حكيم، شرس عدائي او مسالم وديع، وذهب ابن خلدون الى وضع مراحل عمرية للدول تشبه حياة البشر من طفولة ومراهقة ونضوج وحكمة ثم شيخوخة وموت.
في اماكن متعددة تجد دولا تمتاز بالرزانة والحكمة، واخرى بالخبث والدهاء والمكر، ودول متأنية مسالمة هادئة، همها السعي الدؤوب لتوفير احسن مستوى معاشي لمواطنيها، وناظرة ايضا للاجيال المقبلة، ودول اخرى تنتشر في العالم الثالث يمتاز صناع القرار فيها بالحمق والاستهتار بمصائر شعوبهم وتبديد ثرواتهم تحت مسميات شتى، ويصل الامر الى ان مجرمين وقطاع طرق قادوا ويقودون بلاد عديدة، دفعت ثرواتها ثمنا لعقلية مجرمة استطاعت بطرق شتى الوصول الى رأس السلطة، دخلت دول عديدة حروبا نزولا عند رغية الرؤساء الاشقياء، وازهقت ارواح الملايين املا بأعادة معارك حدثت قبل اكثر من ألف عام، وعكست سياسات تلك الدول شخصية من يجلس على كرسي الحكم.
وفي معظم الدول التي سمحت شعوبها بصعود طاغية اشر، غاب المجتمع المدني بجميع صوره، وكممت الافواه الحرة، وباعت اعداد كبيرة من المثقفين والكتاب والاعلاميين والشعراء ضمائرهم، اجتهدوا وكان الشيطان قرينهم بحثا عن تبريرات تعطي الطغاة الحق في جميع ما يفعلون، كتبوا وألفوا ونظموا القصائد وتنافسوا في اطلاق الالقاب الفارغة من مضمونها ومعناها، حتى كاد الطاغية ان يصيح كما صاح فرعون(انا ربكم الاعلى)، صار التزلف ومسح اكتاف المسؤولين ثقافة سائدة تتوارثها الاجيال.
من يريد ان يستفيد من عبر وتجارب ومآسي الانظمة الشمولية، ويمنع ويسد الطريق امام عودة اي مستبد سواء اكان فردا او حزبا او كيانا سياسيا او جماعات، ان يعمل على دفع السياسة الى الخلف ويقدم عليها المجتمع المدني، ان يسعى لتحقيق (قليل من السياسة وكثير من المجتمع المدني)، سيكون للمجتمع المدني وفق هذه النظرة دور واسهام كبيران في صياغة السياسات العامة وسيادة المؤسسات الدستورية وحماية واحترام حقوق الانسان، وتحقيق اعلى مستوى من المحاسبة والشفافية.
لقد لخصت جميع مبادئ الحكم الصالح العادل تحت مسمى (الحكم الرشيد)، الذي تحدد الباحثة (بولا دوبريانسكي) خمسة مبادئ أساسية لتحقيقه : انتخابات حرة ونزيهة، وسلطة قضائية مستقلة وحكم القانون، وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي، وانعدام الفساد، واستثمار الحكومة المال في الخدمات الاجتماعية الأساسية.
وهذه جميعا مبادئ من صميم آلية الحكم الديمقراطي الحقيقي، الذي يجب ان يغادر الورق الى ارض الواقع والتطبيق، وتشترك جميع دول العالم الثالث الراغبة في تطبيق الديمقراطية كنظام للحكم، بأفتقادها الى وجود قوانين واجراءات واعراف وممارسات تحمي النظام الديمقراطي، اصبح من السذاجة تصديق مقولة تتراقص على ألسن العديد من قادة العالم الثالث : " الشعب هو منبع الحكم، وان السلطة السياسية تكمن في يد الشعب"، انهم يعملون على سرقة اموال الشعب ونهب ثرواته، وتعاني مؤسسات تلك الدول بشدة من جميع انواع الفساد، ان من المهم ايجاد آلية لاخضاع جميع مؤسسات الدولة السياسية الى مبادئ الحكم الرشيد، وان تطبق هذه المبادئ على الجميع بشكل شمولي وبلا استثاءات، وتختفي الحصانات والامتيازات الخاصة التي تمنح عادة لمن في السلطة واقاربهم واصدقائهم، لان الديمقراطية وبأبسط تطبيقاتها لن تعيش طويلا وسط هذه الاسثناءات والحصانات والخروقات، وسيفتح الطريق ثانية لعودة الحكم الشمولي كحل لاخراج هذه البلدان من فوضى الفساد المالي والاداري، وستقتل هذه العودة احلام وآمال شعوب العالم الثالث بمجتمعات مدنية حرة تتبنى الديمقراطية وتحترم حقوق الانسان، يستطيعون فيها من اسماع اصواتهم والتعبير عن ارائهم.
Top