• Tuesday, 30 April 2024
logo

نحو سلطة مستقلة للانتخابات

نحو سلطة مستقلة للانتخابات
د‏.‏ عبدالفتاح ماضي
أستاذ العلوم السياسية المساعد‏-‏ جامعة الإسكندرية


تستخدم الانتخابات في بعض دول العالم الثالث‏,‏ ومنها بطبيعة الحال دول عربية‏,‏ لإعادة‏,‏ انتاج نفس النخب والسياسات منذ عقود‏,‏ لكن بواجهات ديمقراطية شكلية‏.‏ فالانتخابات أضحت آلية من آليات بقاء أنظمة الحكم بدلا من أن تكون وسيلة لاختيار الحكام والتنافس السلمي علي السلطة‏,‏ وأداة للتثقيف والتجنيد السياسيين‏.‏

لكن ليست الانتخابات في حد ذاتها المشكلة الأساسية في كثير من تلك الدول‏.‏ فالممارسات السياسية‏-‏ منذ الأخذ بنظام التعددية الحزبية في معظم دول العالم الثالث‏-‏ راكمت الكثير من السلبيات علي العملية الانتخابية علي وضع أدي إلي أن فقد المواطنون الثقة في العملية الانتخابية وفي الحياة السياسية برمتها‏.‏ ومن هنا فإن أي جهد يساهم في بناء ثقة المواطن العربي في الانتخابات‏,‏ وفي ممارسة السياسة لابد أن يرحب به وأن يخضع لنقاش جدي من الأكاديميين والنشطاء السياسيين‏.‏

تحاول هذه المقالة طرح بعض الأفكار للمناقشة عبر تناول تجارب بعض الدول خاصة في أمريكا اللاتينية والهند في إدارة الانتخابات‏,‏ وتقدم مقترحا لإنشاء سلطة جديدة مستقلة للانتخابات‏.‏ والهدف هنا هو إظهار أن هناك بدائل ممكنة لتدخل السلطات التنفيذية في الانتخابات‏,‏ وأنه من الممكن تنظيم وإدارة الانتخابات بشكل شفاف وعلي وضع يحقق مقاصدها الأصلية‏.‏ وعلي القوي الوطنية الهادفة إلي تعزيز مساعي الديمقراطية تعميق الحوار في شأن تلك البدائل وطرحها ضمن برامج الإصلاح السياسي‏,‏ واستخدامها في بناء ثقة المواطن بالسياسة‏.‏

الانتخابات أحد أركان الديمقراطية‏:‏

لا تعني الديمقراطية الانتخابات فقط‏,‏ ولايجب أن تبدأ الديمقراطية بالانتخابات‏.‏ فالانتخابات‏-‏ كما قال أستاذ العلوم السياسية روبرت دال‏-‏ ذروة الديمقراطية وليست بدايتها‏.‏ وهي أحد أركان العملية الديمقراطية التي تحتاج أولا إلي دستور ديمقراطي حقيقي يرسي قاعدة حكم القانون والمساواة أمامه‏,‏ واستقلال القضاء بدلا من الارتجالية والعشوائية في الحكم والتحكم بالقانون لتقييد الحريات‏,‏ وتتطلب ثانيا ضمانات لتحقيق التنافس والتداول علي السلطة‏,‏ والفصل بين هيئاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية بدلا من احتكار فئة واحدة للسلطة‏,‏ والتداخل الضار بين هيئاتها‏,‏ وتستلزم ثالثا ترسيخ مبدأ المواطنة بدلا من التمييز بين الناس وحرمان الكثير منهم من أبسط الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية‏,‏ وإقصاء فئات بعينها عن العملية السياسية‏.‏ والانتخابات الديمقراطية تمثل آلية من أبرز الآليات التي تعمل علي إقامة أركان الديمقراطية تلك‏,‏ وليست هدفا في حد ذاتها‏.‏ ولهذا فالانتخابات الفعالة هي التي تقوم بعدد من الوظائف المحددة‏,‏ منها تطبيق مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطة في الواقع الفعلي عن طريق إتاحة الفرصة لجمهور الناخبين لاختيار حكامهم وممثليهم في مؤسسات الحكم‏,‏ كما تعد الانتخابات أداة سلمية لتسوية الصراعات السياسية‏,‏ وللتنافس والتداول السلمي علي السلطة‏,‏ وهي أداة لتجديد شرعية الحكام ومحاسبتهم‏,‏ وهي إحدي وسائل تجنيد الكوادر والقيادات وتثقيف الجماهير‏.‏

وتكتسب إدارة الانتخابات‏,‏ علي وجه الخصوص‏,‏ أهمية قصوي لعدد من الاعتبارات‏.‏ فهناك أولا أهمية الوظائف التي تقوم بها الانتخابات بالنسبة للعملية الديمقراطية ككل‏.‏ هذا بجانب تدخل الكثير من حكام العالم الثالث في إدارة الانتخابات واستخدامهم لها كواجهة شكلية لأنظمتهم السياسية الشمولية أو التسلطية إما لكسب الشرعية أو لدفع ضغوط داخلية أو خارجية أو للإثنين معا‏.‏ ومن هنا كان الاهتمام الدائم بتطوير إدارة الانتخابات وظيفيا وهيكليا‏,‏ وفي جميع مراحلها‏.‏ ومن أهم التطورات التي شهدتها إدارة الانتخابات أمران رئيسيان‏,‏ هما‏:‏ وجود سلطة مستقلة للانتخابات‏,‏ والإستفادة من تكنولوجيا الإتصال والإنترنت في التصويت‏.‏

إدارة الانتخابات‏:‏

يعد حياد الجهة التي تشرف علي الانتخابات أحد أهم معايير نزاهة الانتخابات الديمقراطية‏,‏ من الناحيتين الوظيفية والهيكلية‏.‏ فمن الناحية الوظيفية‏,‏ تعمل الإدارة المشرفة في إطار النظام القانوني السائد‏.‏ ولذا فإن التأكد من معاملة كل الناخبين‏,‏ وكل المرشحين‏,‏ وفقا للقانون ودون أدني تمييز علي أساس اللغة أو العرق أو الأصل أو المكانة الاجتماعية أو الوضع الاقتصادي أو الدين أو النوع‏,‏ يعد من أبرز مهام تلك الإدارة‏.‏ وتكتسب الإدارة المشرفة ثقة المواطنين من خلال الالتزام بالحياد السياسي والحزبي‏,‏ والبعد عن أي تصرفات قد يفهم منها تغليب مصالح فئة ما أو حزب سياسي معين‏,‏ مثل قبول هدايا‏,‏ أو الإعلان عن مواقف سياسية محددة‏,‏ أو الخوض في نشاطات ذات صلة بأحد الجهات المتنافسة‏,‏ وغير ذلك‏.‏

وتعمل اللجان المشرفة في الديمقراطيات المعاصرة بشكل يتسم بالدقة والشفافية من خلال التأكد من صحة البيانات والمعلومات التي تحصل عليها‏,‏ ومن صواب القرارات التي تصدرها‏,‏ كما تكون تلك اللجان قادرة علي تبرير قراراتها المختلفة‏,‏ وإتاحة ما قد يحتاجه الناخبون والمرشحون من معلومات وبيانات‏.‏ ومن المهام التي تقوم بها اللجان المشرفة علي الانتخابات أيضا تنظيم يوم الانتخابات في جميع مراحله من خلال تسهيل عملية الإدلاء بالأصوات‏,‏ والتأكد من فهم الناخبين التعليمات المتصلة بحق التصويت‏,‏ والعمل علي مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة مثل كبار السن والمعاقين والأميين‏.‏

ومن الناحية الهيكلية‏,‏ يرتبط الحياد السياسي بأمور ثلاثة‏,‏ هي‏:‏ الشكل التنظيمي للإدارة المنوط بها إدارة الانتخابات‏,‏ وحجم السلطة الممنوحة لها‏,‏ وعلاقتها بالسلطتين التنفيذية والقضائية‏.‏ وتقدم التجارب الديمقراطية المعاصرة العديد من الصور‏.‏ فبينما تدار الانتخابات محليا في الولايات المتحدة مع وجود بعض القيود المفروضة من الدستور الفيدرالي‏,‏ وتتبع الإدارات المحلية في كل من إنجلترا وفرنسا‏,‏ فإن بعض الدول الديمقراطية تقيم لجانا أو إدارات دائمة للانتخابات‏,‏ ومستقلة تماما عن السلطة التنفيذية‏.‏ ففي كندا هناك لجنة دائمة للانتخابات منذ عام‏1920‏ تخصص الدولة جزءا من ميزانيتها لعمل هذه اللجنة‏,‏ برغم أن الحكومة تقوم بتعيين موظفي هذه اللجنة وقت الانتخابات فقط‏.‏ أما في الهند فثمة لجنة مستقلة بموجب دستور عام‏1950,‏ وفي استراليا هناك لجنة عليا مستقلة منذ عام‏.1984‏

ولاشك أن النماذج الأمريكية والإنجليزية والفرنسية في إدارة الانتخابات قد لا تصلح للدول حديثة العهد بالانتخابات أو التي تعاني من أزمة فقدان الثقة في الحكومات القائمة‏.‏ ومن هنا‏,‏ ففي الكثير من دول العالم الثالث التي شهدت عمليات انتقال ديمقراطي ظهرت الحاجة إلي وجود هيئة مستقلة‏(‏ أو سلطة مستقلة‏)‏ للانتخابات كما حدث في عدد من الدول اللاتينية‏.‏

ومن ناحية أخري‏,‏ تختلف الأشكال القائمة في الديمقراطيات المعاصرة من حيث خضوع قرارات اللجان والإدارات المشرفة علي الانتخابات للقضاء‏.‏ ففي دول مثل الهند واستراليا يخضع عمل تلك اللجان لنطاق عمل المراجعة القضائية‏(‏ أو ما يناظر عندنا المحكمة الدستورية العليا‏),‏ حيث تستطيع المحاكم نقض نتيجة أي انتخابات‏.‏ وكبديل لهذا‏,‏ فإن لجنة الانتخابات في دول أخري لابد أن تضم قضاة‏,‏ ففي استراليا لابد أن يكون رئيس لجنة الانتخابات أحد قضاة المحكمة الفيدرالية سواء كان من العاملين أو المتقاعدين‏.‏

التصويت الإلكتروني‏:‏

للتصويت الإلكتروني الكثير من الصور والوسائل‏,‏ أبرزها استخدام آلات خاصة للتصويت بها ذاكرة تخزن الأصوات وتحولها إلي ذاكرة مركزية ليتم عدها وإعلان النتائج‏.‏ كما أن هناك التصويت عبر الانترنت الذي يمكن من خلاله التصويت في أي مكان في العالم الأمر الذي يساعد الجاليات في الخارج‏.‏

ولاشك أن تكنولوجيا الإتصال وفرت إمكانات أكبر في مجال إدارة الانتخابات والتأكد من نزاهتها‏,‏ وذلك علي الرغم من وجود عدد من المشكلات‏.‏ فمن جهة‏,‏ يحقق التصويت الإلكتروني أكثر من فائدة‏,‏ فهو يقضي علي ظاهرة الإفساد المتعمد للصوت الانتخابي‏,‏ كما أنه يعالج ظاهرة التصويت أكثر من مرة‏,‏ ففي معظم الحالات لا تقبل آلة التصويت الإلكتروني إلا الصوت الصحيح ولمرة واحدة فقط‏.‏ كما أن التصويت الإلكتروني يوفر نفقات طباعة الأوراق وعقد اللجان‏,‏ ومن الممكن استخدام أكثر من لغة‏,‏ وهذا أمر مهم في الدول ذات التعددية العرقية واللغوية كالعراق والسودان‏.‏ وبشكل عام يسهل التصويت الإلكتروني عملية العد ويضمن سرعة إعلان النتائج‏,‏ كما أنه يساعد أصحاب الاحتياجات الخاصة وكبار السن‏,‏ ويساعد في عمليات التوثيق واسترجاع المعلومات لأغراض المتابعة والتطوير أو البحث والتحليل‏.‏ ولا شك أن هذه المزايا تنعكس بالإيجاب علي بناء ثقة الناخب في العملية الانتخابية‏,‏ وتعزز فرص المشاركة السياسية‏.‏

ومن جهة أخري‏,‏ لا تزال هناك بعض الأمور التي تحتاج إلي معالجة في التصويت الإلكتروني كالأمور المتصلة بالأمن وضمان عدم التلاعب بآلات التصويت أو اختراقها‏,‏ هذا فضلا عن أن هذا النوع من التصويت لا يقضي تماما علي ظاهرة شراء الأصوات‏,‏ وذلك علي الرغم من تطوير وسائل لإخفاء هوية الناخب وتفضيلاته بمجرد التصويت‏.‏ وتستخدم الكثير من الدول التصويت الإلكتروني عبر الآلات الخاصة أو عبر الإنترنت‏,‏ منها دول مثل كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والإتحاد الأوروبي والنرويج وسويسرا وانجلترا وبلجيكا واستراليا وأيرلندا والهند وفنزويلا واستونيا ورومانيا والبارجواي والإكوادور‏.‏ وفي البرازيل بدأ اللجوء إلي التصويت الإلكتروني بشكل جزئي مبكرا‏(1996)‏ ثم كان الاعتماد عليه كليا منذ عام‏.2000‏

مقترح بإنشاء سلطة رابعة مستقلة للانتخابات‏:‏

وفي السطور التالية نقترح بعض الأفكار الأولية لإنشاء سلطة مستقلة للانتخابات في الدول العربية تعمل جنبا إلي جنب مع السلطات الأخري التنفيذية والتشريعية والقضائية‏,‏ وتتمتع بالحصانة والمكانة التي تتمتع بها هذه السلطات‏.‏ بالطبع نحن لا ندعو إلي تقليد تجارب الدول الأخري‏,‏ فما ندعو إليه هو الاستفادة منها في تطوير نظام إدارة للانتخابات يساعد في تأدية وظائف الانتخابات المتعارف عليها في الديمقراطيات المعاصرة‏,‏ وكذا المساعدة في القضاء علي المشكلات المصاحبة للانتخابات عندنا‏.‏ فمن ضمن أهداف السلطة المستقلة للانتخابات‏:‏

‏1-‏ تأدية الانتخابات لوظائفها الحقيقية المشار لها سابقا بدلا من أن تستخدم كواجهة شكلية‏.‏

‏2-‏ إسناد مهمة الترخيص للأحزاب وتسجيلها للسلطة الجديدة‏,‏ وكذا مهمة التأكد من ديمقراطية هذه الأحزاب من الداخل‏.‏

‏3-‏ وضع آداب وضوابط ومبادئ عامة للتأكد من نزاهة الانتخابات وعدم اختراق الفاعلين السياسيين للدستور والقانون والآداب العامة للمجتمع‏.‏ وهذا يساعد علي إعادة بناء ثقة المواطنين في السياسة بشكل عام باعتبارها عملا إنسانيا يستهدف المصلحة العامة‏,‏ ويعمل علي تنحية المعاني السلبية لكلمة السياسة التي جاءت لنا من الغرب‏,‏ والتي تعني التنافس والصراع من أجل الحصول علي مصادر القوة المختلفة من سلطة وثروة ومكانة وغيرها‏,‏ بغض النظر عن الوسائل‏.‏ وأتصور هنا أن أي سلطة أو لجنة عربية للانتخابات لابد أن تجتهد في إعادة المضامين الإيجابية لكلمة‏'‏ سياسة‏'‏ في اللغة العربية‏,‏ وفي الثقافة العربية الأصيلة والتي تعني‏'‏ القيام علي الشيء بما يصلحه‏',‏ والتي تتضمن معان نبيلة مثل الإصلاح والتسهيل والتذليل والرعاية‏.‏

والسلطة الانتخابية المقترحة سلطة دائمة‏,‏ ومستقلة هيكليا ووظيفيا وماليا عن السلطة التنفيذية‏,‏ وتتمتع بمكانة تشبه مكانة السلطة القضائية إلي حد كبير‏,‏ ويمكن اقتراح الملامح العامة لها علي النحو التالي‏:‏

أولا‏:‏ المهام والوظائف‏:‏

‏1-‏ إدارة كل الانتخابات التي تشهدها البلاد بدءا من انتخابات رؤساء وعمد القري والمجالس المحلية‏,‏ مرورا بانتخابات النقابات والاتحادات والأحزاب والأندية الاجتماعية والاتحادات الطلابية والغرف التجارية‏,‏ وانتهاء بالانتخابات البرلمانية وانتخاب رئيس الدولة‏.‏ وربما يمكن إضافة مواقع أخري ليست بالانتخاب الآن كعمداء الكليات والمحافظين ومجالس إدارة الشركات المساهمة العامة وغير ذلك‏..‏

‏2-‏ تتولي السلطة الانتخابية إنجاز كافة مهام كل عملية انتخابية في كافة مراحلها قبل وأثناء وبعد يوم الانتخاب‏,‏ ومن أبرز هذه المهام‏:‏ تسجيل الناخبين وإعداد قوائم بأسمائهم‏,‏ وتلقي طلبات الترشيح للمناصب المختلفة‏,‏ الإعداد الفني ليوم الانتخابات‏,‏ والإشراف علي إجراء الانتخابات‏,‏ وإعلان نتائجها تلقي الطعون والنظر والفصل فيها‏..‏

‏3-‏ المساهمة في إعداد وتطوير القوانين المتصلة بالانتخابات‏,‏ وذلك بمواكبة التجارب الحديثة والاستفادة منها‏..‏

‏4-‏ تلقي إخطارات إنشاء الأحزاب السياسية والتكتلات والقوائم التي ترغب في خوض العمل السياسي والانتخابات‏,‏ وكذا النقابات‏,‏ وإعداد قواعد بيانات خاصة بها في مركز معلومات مركزي‏..‏

‏5-‏ الإشراف علي مدي إلتزام الأحزاب بالدستور والقانون‏,‏ وعلي ديمقراطية هذه الأحزاب في تنظيماتها الداخلية‏,‏ وعلي مصادر تمويل الأحزاب وجمع التبرعات لأنشطتها‏..‏

‏6-‏ إصدار الإجراءات والضوابط والآداب المتصلة بالانتخابات في كافة جوانبها‏,‏ خاصة تلك المتصلة بالإعلانات الانتخابية وتمويل الدعاية الانتخابية‏,‏ وتحديد العقوبات الواجبة علي المخالفين‏..‏

‏7-‏ تنظيم تمويل الحملات الانتخابية والإشراف عليها ومراقبتها‏,‏ وذلك حسب قانون محدد لتمويل الانتخابات يتم سنه بالبرلمان لضمان أكبر قدر من نزاهة الصوت الانتخابي‏,‏ وتحييد المال الانتخابي‏.‏

‏8-‏ سلطة الإعلان عن إلغاء نتيجة الانتخابات جزئيا أو كليا‏..‏

‏9-‏ تقوم سلطة الانتخابات في الفترات التي لا تشهد انتخابات بأعمال ذات صلة مثل الاستمرار في تسجيل الناخبين الجدد وتجديد القوائم وتنقيتها‏,‏ وإعداد الوثائق والمستندات الإرشادية‏,‏ وتقديم الاستشارات للمواطنين والمرشحين‏,‏ وإجراء استطلاعات للرأي‏..‏

‏10-‏ تنظيم حملات توعية منظمة للمواطنين في شكل دورات تثقيفية وتدريبية وباستخدام كافة الوسائل من طباعة ونشر وتوزيع الكتب والمجلات وعقد المحاضرات وورش العمل في المناطق المختلفة وتجاه كافة فئات المجتمع‏,‏ وإتاحة المادة العلمية ورقيا وإلكترونيا بالمجان‏..‏ هذا بجانب تقديم دورات بناء القدرات السياسية للكوادر والقيادات السياسية والحزبية والنقابية والعمالية الطلابية‏..‏ ويجب التعاون هنا مع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والهيئات الدولية‏..‏

ثانيا‏:‏ الهيكل التنظيمي‏:‏

‏1-‏ تتشكل سلطة الانتخابات من مجلس تنفيذي وعدد من اللجان الفرعية الفنية ووحدات إقليمية وسكرتارية‏.‏

‏2-‏ يتشكل المجلس التنفيذي من عدد محدد من الأعضاء‏(‏ سبعة أعضاء مثلا‏):‏ ثلاثة قضاة من القضاة الحاليين والمتقاعدين‏,‏ واثنان ترشحهم مؤسسات المجتمع المدني‏,‏ واثنان من الأكاديميين المتخصصين في القانون والعلوم السياسية‏.‏ ويتفرغ هؤلاء للعمل في السلطة لمدة العضوية‏(‏ سبع سنوات مثلا أو حتي الوصول إلي سن التقاعد‏).‏ ويمكن اختيار هؤلاء الأعضاء بترشيحهم من قبل الهيئات المختلفة‏,‏ ثم تصويت البرلمان المنتخب أو بأسلوب المسابقة‏..‏ ويتناوب هؤلاء الأعضاء السبعة علي رئاسة المجلس بشكل دوري كل عام‏,‏ وتؤخذ القرارات بأغلبية أعضاء المجلس‏,‏ ويتمتع هؤلاء بذات الحصانة التي يتمتع بها القضاة‏,‏ ويعاملون ماليا معاملة أعلي فئة في السلك القضائي‏.‏

‏3-‏ يكون للسلطة سكرتارية خاصة ويتبعها عدد من وحدات العمل الإقليمية التي توزع علي المحافظات أو البلديات المختلفة‏,‏ كما يتبع السلطة عدد من اللجان الفنية والتي تعني بقطاعات مختلفة‏,‏ مثل الشؤون القانونية‏,‏ والشؤون المالية والتمويل‏,‏ والإعلام والتوعية‏,‏ والشؤون الفنية والإجرائية والإدارية‏,‏ والمعلومات واستطلاعات الرأي والبحوث‏,‏ والتعاون الدولي‏..‏

‏4-‏ يقوم المجلس التنفيذي واللجان النوعية بتعيين خبراء وموظفيين عموميين من خريجي التخصصات ذات الصلة كالسياسة والقانون والإعلام والاقتصاد والإدارة والإحصاء وتكنولوجيا المعلومات وغيرها‏,‏ وذلك للعمل بشكل دائم للبعض منهم‏,‏ وبشكل جزئي للبعض الآخر‏(‏ وقت الانتخابات العامة‏),‏ وذلك بالنظر إلي أن ثمة تقديرات تري أن كل مليون ناخب يحتاج إلي نحو عشرة آلاف موظف‏,‏ مع ضمان الاعتماد علي الشباب وتمثيل الفئات الضعيفة في المجتمع حتي تكتسب السلطة ثقة الجميع‏..‏

‏5-‏ تضم السلطة محكمة انتخابية من قضاتها الثلاثة‏,‏ تتولي مهام تلقي الطعون والشكاوي والنظر والفصل فيها‏.‏ ويمكن وضع نظام بديل لهذه المحكمة الانتخابية بإخضاع قرارات هذه السلطة إلي المحكمة الإدارية العليا أو المحكمة الدستورية العليا‏,‏ علي أن يتم استشارة السلطة من قبل هذه المحاكم عند النظر في القضايا والشكاوي‏,‏ بل ويمكن أن يكون رأي السلطة الانتخابية ملزما في الأمور المتصلة بعدم قبول ترشيح شخص ما لاختراقه اشتراطات الترشيح‏,‏ والأمور المتصلة بالطعون علي صحة انتخاب شخص ما‏,‏ كما في الحالة الهندية‏.‏

‏6-‏ يكون للسلطة مقرا رئيسي في العاصمة‏,‏ علي أن تفتتح لها مقارا فرعية بالمحافظات أو البلديات المختلفة‏..‏

‏7-‏ يكون للسلطة موقعا إلكتروني‏,‏ معلوماتي وتعليمي وتفاعلي‏..‏

‏8-‏ ضرورة التنسيق بين السلطة وأجهزة الإعلام العامة لتحديد فقرات محددة لأنشطة السلطة علي شاشات المحطات المسموعة والمرئية لممارسة المهام المتصلة بالتوعية والتثقيف‏,‏ ولا يوجد ما يمنع أن يكون للسلطة الانتخابية أجهزة إعلامية مستقلة في المستقبل‏.‏

‏9-‏ وفي ظل التطور التكنولوجي لوسائل الإتصال والإنترنت‏,‏ فإنني أعتقد أنه لابد أن يتم تبني نظام التصويت الإلكتروني بشكل تدريجي للاستفادة من المزايا التي سبقت الإشارة إليها‏.‏

ثالثا‏:‏ التمويل والإستقلال المالي والسياسي لسلطة الانتخابات‏:‏

‏1-‏ يعد المجلس التنفيذي ميزانية السلطة المقترحة وتتم مناقشتها واعتمادها من المجلس التشريعي المنتخب علي أن يكون لها بند محدد في الميزانية العامة للدولة‏,‏ كما في الحالة الأسترالية‏,‏ وتخضع ميزانيتها السنوية لرقابة البرلمان المنتخب‏,‏ وأجهزة الدولة الرقابية الأخري‏.‏

‏2-‏ يتلقي البرلمان المنتخب بصفة دورية تقارير مالية وإدارية عن أعمال السلطة‏,‏ وذلك علي عن كل انتخابات تشرف عليها‏,‏ ويراقب البرلمان أعمال سلطة الانتخابات بصفة دورية ويحاسب أعضاءها عن أعمالهم أمام البرلمان‏.‏

‏3-‏ يصرف علي الانتخابات العامة في الدولة من هذه الميزانية‏,‏ أما نفقات الانتخابات الأخري التي تشرف عليها السلطة في هيئات ومؤسسات أخري كالأندية والنقابات والأحزاب فتأتي من الميزانيات الخاصة بتلك الهيئات والمؤسسات‏.‏

‏4-‏ حظر تلقي أعضاء السلطة الهدايا والمنح التي لها علاقة بوظيفتهم‏.‏

‏5-‏ حظر قيامهم بأعمال تجارية أو مالية مع مؤسسات الدولة‏.‏

‏6-‏ حظر انتماء أي عضو أو موظف فيها إلي أحد الأحزاب أو التيارات القائمة في البلاد‏,‏ وحظر اشتراكهم في التصويت أو الترشح للمناصب التي يتم الاختيار فيها بالانتخاب‏,‏ وذلك طوال فترة توظيفهم في السلطة الانتخابية‏.‏

‏7-‏ عدم خضوع هذه السلطة لوزارة الداخلية وأجهزة الأمن الأخري‏,‏ ويمكن علي العكس تشكيل جهاز أمن خاص يتبع مباشرة السلطة ويأتمر بأوامرها‏.‏

‏8-‏ تشرف السلطة علي المهام الإعلامية المتصلة بالانتخابات‏,‏ مثل عقد مؤتمرات صحفية دورية‏,‏ وتوزيع البيانات الصحفية‏,‏ ووضع ضوابط لتغطية الصحافة والإعلام للانتخابات والحصول علي المعلومات من السلطة قبل وأثناء وبعد الانتخابات‏,‏ كما تقوم السلطة ببناء قاعدة بيانات لنشر الإحصاءات والبيانات والوثائق المتصلة بالانتخابات المختلفة بشكل دوري وإتاحتها مجانا لكل الباحثين ومراكز البحوث والرأي والصحافة والإعلام‏,‏ ولكل المهتمين في شكل ورقي في مكتبة السلطة‏,‏ وفي شكل إلكتروني علي موقع السلطة علي الإنترنت‏.‏

‏9-‏ لا يعني الاستقلال المالي والسياسي للسلطة عدم انفتاحها علي الخارج‏.‏ فهناك أوجه مختلفة لتبادل الخبرات مع المراكز البحثية والهيئات الدولية المحايدة العاملة في هذا المجال‏,‏ ولعل من أهم هذه الهيئات المؤسسة الدولية للديمقراطية ومساعدة الانتخابات‏IDEA))‏ ومقرها العاصمة السويدية استكهولم‏.‏

إن السياسة لا تعرف المستحيل أو الاستسلام إلي ما هو قائم‏,‏ وهي فن الممكن وفن الانفتاح علي الآخر والتفاعل معه‏.‏ والإصلاح السياسي يحتاج إلي تذكر الأولويات المشتركة‏,‏ وعلو الهمة‏,‏ وامتلاك إرادة التغيير‏,‏ ثم العمل المستمر من أجل إنجازه‏.‏
Top