• Sunday, 22 December 2024
logo

لماذا تثير كلمة "نسوية" الخوف وسوء الفهم؟

لماذا تثير كلمة
في شهر مايو/أيار الماضي حصلت سارة قدورة على كومبيوتر محمول جديد (لابتوب) في عيد ميلاها الخامس والعشرين، فصار بإمكانها تحقيق حلم بقي يشغلها طيلة سنوات.

درست سارة، وهي لاجئة فلسطينية في لبنان، العمل الاجتماعي والتحقت ببرنامج ماجستير للدراسات الجندرية في الجامعة الأمريكية في بيروت. كانت قد بدأت التدوين حول مواضيع نسويّة منذ عام 2015، لكنها شعرت حينها ببعض الصعوبات عند محاولتها إيصال أفكارها؛ فمثلا لاحظت قلّة المصادر المكتوبة باللغة العربية، كما أنها لم تعثر على فيديوهات توضيحية تسهّل فهم مبادئ الحراك النسوي. فقررت أن تنتج بنفسها يوما ما فيديوهات باللغة العربية حول النسوية.

لذا بدأت بتعليم نفسها التصوير وإنتاج الفيديوهات، مستخدمة اللابتوب الجديد؛ أرادت أن تتيح للفتيات الأصغر سنا، وللفضوليين عموما، محتوى كالذي كانت تتمنى هي وجوده عندما كانت في مثل عمرهم.

أنتجت حتى الآن 15 حلقة، لكن واحدا من تلك الفيديوهات تم تداوله في الآونة الأخيرة بشكل لافت. كانت تلك الحلقة ردا على فيديو للمغنية اللبنانية، نينا عبد الملك، وزوجها، يستهزئان فيه بالمطالب النسوية ويستخفان بأفكارها.تقول سارة لبي بي سي إن رد الفعل على الفيديو الذي نشرته "كان خرافيا"."لمَ أضحّي بكل هذا؟":جح فيديو نينا وزوجها في إيقاد النقاش حول موضوع غير محبب الحديث عنه بالنسبة لكثيرين - هو مفهوم النسوية. وتفاعل آلاف مع ما قاله الزوجان، سواء أكان بشكل داعم أو معارض للآراء التي طرحاها، واستمر ذلك لأيام عديدة.

وقبل أن تخفت حدة التفاعل، ظهرت الفنانة المصرية المعروفة، ليلى علوي، في مقابلة تلفزيونية لتقول في مهرجان الجونة السينمائي إنها لا تعتقد أن المجتمع ذكوري لأن "عدد الإناث أكبر من عدد الذكور".

بدا الأمر محرجا وتسبب بموجة سخرية، فهذان التعليقان اللذان كشفا جهل ليلى علوي بمعنى الذكورية (كممارسة مجتمعية تختلف عن تعريف الذكورة البيولوجية)، وإصرار نينا على أن سرّ تحقق المرأة هو "التكاثر"، جاءا عام 2020، وجاءا على لسان امرأتين معروفتين (كلّ بين أبناء وبنات جيلها)، وجاءا في وقت كثر فيه الحديث عن غياب أبسط حقوق المرأة في المجتمعات العربية خاصة كلما كُشف عن جريمة جديدة بحق فتيات صغيرات أو نساء.

ومباشرة، اغتنم عدد من الصحفيات والمدوّنات والناشطات الفرصة لتوضيح كثير من المعلومات المغلوطة التي وردت في الفيديو بخصوص مطالب النسويات - ومن بينهن سارة.

أخذت سارة ما جاء في الفيديو فكرة فكرة، فنّدتها بشكل هادئ ومفهوم ومنطقي. لم تبد غاضبة، رغم أنها تقول إنه "لديها كل الحق" لتغضب بسبب مضمون فيديو الزوجين، الذي كان أكثر ما أزعجها فيه طريقة تعامل زوج نينا معها.

"يمكن أن تنظري إلى المشهد بطريقة رمزية؛ فنينا هي النساء اللواتي يمررن أفكار النظام الأبوي إلى أولادهن والآخرين ويؤكدن عليها وكأنها الحقيقة. كانت هي تتكلم وهو يربت على كتفها كلما أعجبه كلامها رغم أن ما تقوله يضرها هي بالدرجة الأولى"، توضّح سارة.

كما تقول: "لم أتفاجأ أبدا بما جاء في الفيديو فأنا معتادة على الأمر وأناقش هذه الأفكار حتى مع أشخاص أحبهم مثل أمي وبنات أعمامي. لكني ألوم نينا فهي تنتج بودكاست ولديها متابعين، وهي من جيلنا (28 عاما) ولديها قدرة على البحث أكثر. أما في مصر، مثلا، هناك حراك رائع، لكن هناك تضييق عليهم وهناك وصم لمن يتحدث بهذه الأمور ويقال إنهم ينفذون أجندات أجنبية".

وتضيف سارة: "أما نينا فتتمتع بامتيازات كثيرة؛ فمثلا كانت قد شاركت في برنامج ستار أكاديمي واستطاعت اختيار شريك حياتها. لذا قد تقول لنفسها لمَ أضحي بكل هذا طالما أن النظام الحالي مناسب لي؟ دون أن تفكر بنساء أخريات".

"أنا أنثى ولست نسويّة"
في فيديو الزوجين، تدفع نينا عبد الملك عنها "وصمة" نسوية وتقول بشكل قاطع "أنا أنثى ولست نسويّة Female not a Feminist".

وقالت أيضا "ليش بدكون تكونوا غاضبات من الحياة والرجال. الله أعطانا أسمى الأدوار. ليش بدكون تسترجلوا وتتحملوا هالمسؤوليات الصعبة؟".ومعروفٌ أنه منذ عقود طويلة وكلمة "نسوية" أو "الناشطة النسوية" أو "المؤمنة بالفكر النسوي" موضع كره من قبل كثيرين في مجتمعات عربية وغيرها، بغض النظر عن الخطاب أو المدرسة التي تنتمي لها المرأة.

كما ترسَّخَ تصوّر مغلوط بأن النسوية هي المرأة العاملة المستقلة التي تعيش وحيدة متروكة بلا حب، مقابل صورة الأم اللطيفة التي يحبها زوجها ويحميها ولديها عائلة تنشغل بها ومحاطة بأولاد يقدسونها، كما توضّح الكاتبة النسوية الشهيرة، بيتي فريدان، في كتابها "اللغز الأنثوي" الذي صدر عام 1963 وترجم إلى العربية عام 2014.

كثير مما جاء في هذا الكتاب يشرح الظروف التي دفعت النساء في خمسينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة للتخلي طوعا عن كثير من الحقوق والهوية الجديدة التي حصّلتها نساء مجتمعهنّ في الثلاثينيات والأربعينيات في ظل ظروف الحرب العالمية، ولتفضيل الركون إلى المنزل وممارسة مهمة الإنجاب وقبول تقاليد اجتماعية مريحة والتنازل بلباقة عن المهن الصعبة للرجال.

هذه الثنائية (المرأة النسوية مقابل المرأة الأنثوية) لا تزال مستمرة ومنتشرة في كثير من المجتمعات حتى اليوم.

أتذكر كلام صديقة تحضّر لأطروحة الدكتوراه وتعيش في بريطانيا، عن أن كثيرات من معارفها في لندن مقتنعات أنه على المرأة أن "تكون ذكية بما فيه الكفاية لتخفي أفكارها النسوية عن الرجل الذي تراه مناسبا لها إن أرادت الارتباط به"، ولا تقصد بذلك الرجال العرب فقط، بل كثيرا من البريطانيين التقليديين أيضا، كما تقول. لكنها هي نفسها لم تستطع فعل ذلك.

ورغم كل الخوف من الأفكار النسوية، لا يزال يبدو غريبا عدم دراية شخصيات تعمل في مجال ثقافي فني بتعريفات بعض المصطلحات والمفاهيم التي زاد استخدامها في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية - مجرد معرفة معاني هذه المصطلحات، لا اعتناقها.

تستغرب قليلا الكاتبة والطبيبة السورية، مية الرحبي، صدور مثل هذه التعليقات على لسان شخصيات عامة فهي تتوقع "حدا أدنى من الثقافة العامة" من قبلهن، خاصة وأنهن لا يعشن حياة بؤس أو فقر أو صعوبات تمنعهن من الاطلاع والاحتكاك بما يطرح من أفكار في المجتمع.

لكنها لا تعطي هذا الموضوع أهمية كبيرة؛ فهي تركز على أهمية استمرار جهود توعية المرأة بحقوقها وهو أمر آخذ في تزايد طوال السنوات الماضية، سواء من خلال نشر التوعية بخصوص العنف المبني على النوع الاجتماعي في مخيمات اللجوء والنزوح، أو من خلال زيادة عدد الجمعيات المعنية بحقوق المرأة، أو من خلال العمل السياسي من أجل تغييرات في القوانين.

وتعتقد أنه خلال السنوات العشر الأخيرة، التي شهدت ثورات في كثير من الدول العربية، تسارع انتشار الفكر النسوي على نحو كبير، إلى جانب بقاء كثيرين ممن لا يؤمن بهذا الفكر، أو ممن يحملون أفكارا متشددة.

وتقول الكاتبة، التي وضعت عددا من الكتب بالعربية من بينها "المرأة والإسلام" و"النسوية: مفاهيم وقضايا"، إن "الفرق يكمن في أن الأفكار النسوية المعتدلة تحولت إلى بهديهيات في أوروبا وثُبتت بالقانون. أصبح من الطبيعي في الدول الغربية، مثلا، ضمان حقوق الأم في حضانة أولادها وتقاسم الثروة. ولكن لا يزال هناك طبعا أشخاص ضد النسوية أو ضد بعض أفكارها المتطرفة".

"نسختان من شخص واحد":بالتوازي مع جهود التوعية بالحقوق من خلال العمل على الأرض، ظهرت على السوشال ميديا أيضا صفحات كثيرة مخصصة لمناقشة قضايا كثيرة من منظور النسوية وحقوق المرأة. قناة سارة على يوتيوب، حكي نسوي، تستهدف المهتمين بالمفاهيم والسياسات النسوية، في حين أن قنوات أخرى تخاطب جمهورا عاما.

شاركت ماريا عليان بتأليف وتقديم سلسلة فيديوهات بعنوان "سمعتوها مني" ذات محتوى نسوي حظيت أيضا بمتابعة خلال الفترة الماضية على منصة "خطيرة"، وتقول إن برنامجها يهدف إلى الوصول إلى الجمهور الواسع من الرجال والنساء، وليس فقط المهتمين.

هي أيضا أكثر ما أزعجها في فيديو نينا كان طريقة زوجها. "كانت نينا تقول إنه يدعمني ويشجعني.. في حين كان يقاطعها كثيرا ويصححلها. شعرت أن هناك نسختان من ذات الشخص".

تعمل ماريا مع فريق عمل يصل عدد أفراده إلى 12 شخصا، وتؤدي شخصية شابة مهتمة بالأرقام والإحصاءات والمعلومات والدراسات حول قضايا المرأة وتقدمها بطريقة ساخرة. تظهر في كل الحلقات مرتدية قبعة صوفية برتقالية وتضع نظارات دائرية بعدستين كبيرتين ذات إطارين مذهبين. كما تمثّل عددا من الأدوار كالعمة التقليدية والرجل العربي.

درست الإنتاج التلفزيوني وصناعة الأفلام لتصنع أفلاما وثائقية، لكنها وجدت في السوشال ميديا مجالا أوسع. تقول إن هدف مشروع المنصة التي تعمل معها هو جعل أفكار النسوية غير مقتصرة على النخبة فقط، بل أن تكون متاحة للجميع، وأيضا تركز على أهمية تقديمها باللغة العربية.

ويتراوح معدل مشاهدة حلقات برنامجها على موقع يوتيوب ما بين أكثر من 100 ألف وحتى أقل من 200 ألف، ووفقا لماريا فإن أعلى نسبة مشاهدات تأتي من السعودية. وتتناول كل حلقة موضوعا معينا مثل العنف الأسري والتحرش والأدوار الجندرية.صف ماريا ردة فعل المتابعين بالـ"إيجابية" والسبب برأيها يعود إلى "لغة البرنامج السهلة التي تبسط المواضيع وتقدمها بلغة قريبة من الناس، إلى جانب تقديم حقائق بطريقة ساخرة.. أو المضحك المبكي". وتقول إنه لفتها تفاعل الناس وتبادل الآراء والرد على بعض، تعليقا على ما جاء في الفيديوهات.

وتقول: "من الصعب تغيير المفاهيم بين عشية وضحاها. منذ زمن ونحن نحاول تغيير أفكار خاطئة مثل أن النسويات يكرهن الرجال أو أن النسوية فكر غربي مستورد ونحن نشرّق هذا الفكر. هناك حراك على الأرض وعلى السوشال ميديا من أجل هذا التغيير. لكن المشوار طويل في بلادنا".

تصف الكاتبة مية الرحبي هذا المشوار بأنه "مبشّر بالخير" وإن تفاوت بين بلد عربي وآخر. وتقول: "قد يكون هناك صعود ثم ثبات، ثم صعود، ثم سكون. لكن المهم أنه لا تراجع فيه".








بي بي سي
Top