• Sunday, 22 December 2024
logo

فيروس كورونا: كيف توازن الأمهات بين رعاية الأطفال والعمل؟

فيروس كورونا: كيف توازن الأمهات بين رعاية الأطفال والعمل؟
بعد ستة أشهر من ولادة ابنتي، عدت إلى العمل. ورغم الإجهاد الواضح على عينيّ، كنت حريصة على إثبات نفسي في منصب جديد. لكن، بعد عدة أسابيع، حين احتجت إلى إجازة لبضعة أيام بسبب ظهور إصابات بالجدري المائي في دار حضانة طفلتي، كنت أخشى أن أضطر إلى إخبار فريق العمل. وبرغم الدعم الذي تلقيته من زملائي، شعرت بضغط شديد كي أتصرف وكأن شئياً لم يتغير.

سابقاً، كان للعمل دائماً موقع الصدارة على قائمة أولوياتي، وهذا ما ضمن لي المضي قدماً في السلم الوظيفي، لكن عودتي إلى العمل بعد دخولي عالم الأمومة، جعلتني أشعر بالتوتر لأنني لم أعد أستطع التحكم في وقتي، وأصابني قلق من أبدو أقل كفاءة وجدارة بالثقة، خصوصاً في ما لو تكرر اضطراري للغياب من أجل ابنتي. ولم أكن أتحدث إلا نادرا عن طفلتي في المكتب، ولم أكن أبدا لأشير إلى أي حادثة تتعلق بها في كتاباتي في ذلك الوقت.

والآن، وقد مرت ثلاث سنوات، أدركت أهمية الأمر، فالمعاناة من التوتر لم تكن حكراً عليّ، فكثير من الناس يرزحون تحت نفس الضغوط لأن تحقيق شروط النموذج المثالي المطلوب في العمل لا يتناسب غالباً مع واجبات الرعاية، سواء رعاية الأطفال أو غيرهم.

وهذا يتسبب بضرر كبير للذين تقع على عاتقهم مهمات الرعاية، وهم غالباً نساء كما تشير الأرقام الاحصائية.ويتعامل معظمنا مع ذلك بمحاولة تهميش هذه المسؤوليات، أو إقناع الزملاء بأنه قادر على العمل لأوقات إضافية كما في السابق، لأننا على ثقة بأن عدم قيامنا بذلك، يعرضنا لخطر الوقوع ضحايا لتحيزات سلبية كثيرة لطالما كانت تعيق تقدم الأمهات في المجالات الوظيفية.أهلاً بكم في عالم "الأبوة والأمومة السريتين". كتبت هذه العبارة الخبيرة الاقتصادية إميلي أوستر في مقال نُشر عام 2019 حثت فيه الآباء والأمهات على "الظهور للعلن" بشأن طبيعة مسؤولياتهم. وبينما أرغم وباء كورونا وما نتج عنه من تحول مفاجئ إلى العمل من المنزل، كثيرين منا على كشف مسؤولياتهم فيما يتعلق برعاية الأطفال، فليس من الواضح ما إذا كان الإعلان عن ثقل مهماتنا الخارجة عن نطاق العمل سيحدث تغيّراً حقيقياً.

ويمكن لحالة "الأمومة السرية" أن تبدأ في الظهور اعتباراً من فترة الحمل. وبحسب أبحاث، فإن بعض النساء يخفين حملهن، خاصة في وظائف يشعرن أن عليهن فيها التنافس مع الرجال، ولا يرغبن في كشف أي شيء قد "يعيق" العمل.

كما أظهرت نتائج دراسة أخرى أن النساء العاملات خلال فترة الحمل يكون لديهن إحساس بضرورة "تجاوز" معايير الأداء العادية، وإخفاء أي أعراض مرافقة للحمل أو مرض خشية الظهور كشخص لا يعتمد عليه.

ويستمر الأمر بعد الولادة. وقد تحدثت نساء عن محاولتهن إخفاء كونهن مرضعات في أجواء العمل باعتبار أن الرضاعة تعتبر "محظورا" يحرم ذكره، وهي كذلك دليل واضح على الفرق بين الجنسين، وتبرز حقيقة وضعهن الجديد كأمهات. وهناك أمثلة كثيرة عن نساء يشعرن بأنهن مجبرات على إثبات أنهن ما زلن قادرات على العمل لساعات إضافية، بل ويعرضن القيام بذلك حتى عندما يكون أطفالهن مرضى، كما توجد أمثلة أخرى عن نساء لا يعرضن صور أطفالهن على أحد أبداً ضمن أجواء العمل، ولا يتحدثن عنهم على الإطلاق.ولا يعد شعور النساء بأنهن مضطرات للتصرف بهذه الطريقة غريباً ولا جديداً، فلطالما كان يُنظر إلى الأمهات في بيئة العمل على أنهن أقل التزاماً وكفاءة. وغالباً ما يتم تخطيهن في الترقيات وبنسبة أعلى بكثير مما يحدث مع الآباء، كما أن احتمال توظيفهن أقل من احتمال توظيف غير الأمهات.

وعندما تتوفر في بيئة العمل مرونة وتسهيلات خاصة بالأمهات، فإن اللواتي يستخدمنها يواجهن تحيزاً ضدهن، ويزداد احتمال حصرهن في أدوار ذات مسؤوليات أقل.

ونحن نعلم أن الفجوة في الأجور بين الجنسين تتسع بعد الولادة، وتنخفض أجور الأمهات العاملات مع إنجابهن لكل طفل جديد.

وتقول شيرين كانجي، أستاذة العمل والتنظيم في جامعة بروناي التابعة لجامعة لندن: "الأدلة تؤكد لنا أن الأمومة هي أحد الأسباب الرئيسية لتراجع المسيرة المهنية".

وتغير نساء وظائفهن، أو ينسحبن بالكامل من سوق العمل بسبب هذه الضغوط. وعندما أجرت كانجي مقابلات مع عدد من النساء اللواتي تركن وظائف رفيعة المستوى، قدم العديد منهن أمثلة على ممارسة "الأمومة السرية"، من بينها لجوئهن إلى طلب إجازة مرضية لتجنب إخبار الزملاء بأن أطفالهن مرضى.

وأظهرت دراسة أجرتها كانجي عام 2013 أن النساء اللواتي يحتجن إلى إجازات لرعاية أطفالهن يعتبر تصرفهن بمثابة "تذكير غير مرحب به على الإطلاق بأن المرأة الموظفة عليها أن تهتم بأطفالها، وهي بالتالي ليست متفرغة بما يكفي للقيام بأعباء العمل".

وذكرت إحدى المشاركات في الدراسة أنها حين احتاجت إلى إجازة كان الرد بأن عليها أن تطلب من أحد أفراد عائلتها الاهتمام بطفلها بدل أخذ يوم إجازة. في حين قالت أخرى، وهي تعمل بالقطعة في قناة تلفزيونية، إنه قد طُلب منها ألا تذكر أطفالها أبداً، وشعرت أن مجرد قيامها بذلك من شأنه التأثير على مقدار ما تنجزه من عمل.

ويعود هذا في المقام الأول، وكما سبق لعلماء الاجتماع أن أشاروا منذ زمن طويل، إلى أن أماكن العمل أنشأت في الأساس بحيث تتمركز حول الرجال، وليس النساء، ولا تزال الصورة النمطية السائدة عن "العامل المثالي"، على أنه موظف يضع العمل دائماً في المقام الأول.

ويقول دانيال كارلسون، من جامعة يوتا: "أي إشارة إلى أن لديك وضعاً خاصاً أو مختلفاً، تقلل من قيمتك في نظر أصحاب العمل"، ويضيف: "الفكرة التي تفترض أن المرأة سيكون انتباهها مشتتاً، لا تزال مسيطرة، وفكرة الأبوة والأمومة السرية كلها تأتي أساساً من الرغبة في إخفاء هذا الوضع الخاص لإنقاذ الحياة المهنية للمرء".

وتعد هذه القضية نتيجة لمعتقدات لا تزال سائدة في بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، بأن الآباء الجيدين هم الذين يعملون ليعيلون أسرهم، في حين أن الأمهات الصالحات هن اللواتي يبقين في المنزل لرعاية الأطفال.

وتظهر استطلاعات للرأي أن هذا الاعتقاد لا يزال موجوداً، وقد ذكر رجال ونساء أن العمل يصعب عليهم مهمة أن يكونوا آباء أو أمهات صالحين. ورأى ثلث المشاركين في استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث أن العمل بدوام كامل هو الأفضل للأمهات، بينما اعتبر 21 في المئة أن النساء اللواتي لديهن أطفال صغار ينبغي ألا يزاولن عملاً بأجر على الإطلاق.

وهناك أيضاً الاعتقاد النمطي السائد بأن النساء هنّ الأكفأ في مجال الأعمال المنزلية، والرجال هم الأكفأ في المكتب. ورغم أن الدراسات أثبتت عدم صحة هذا الاعتقاد، لا يزال تأثيره واضحاً في الإطار الذي ننظر عبره إلى الوظائف مدفوعة الأجر والحياة العائلية.

وتقول كاثلين كولينز، عالمة اجتماع في جامعة واشنطن في سانت لويس: "من السهل فهم شعور النساء في الصراع المستمر بين العمل والأسرة، لأننا ببساطة نطلب منهن المستحيل. لقد دخلت المرأة سوق العمل، لكننا في المقابل لم نلحظ تغييراً في سلوك الرجال في المنزل في ما يتعلق بتوليهم القيام بمزيد من الأعباء المنزلية".

ولا تزال هذه المفاهيم التي تميز بين الجنسين تؤثر بشكل كبير على ثقافة بيئة العمل. وفي تحليل أُجرى عام 2020 لقضايا التمييز الذي مورس ضد موظفين مسؤولين عن رعاية أطفالهم في كندا خلال 30 عاماً، وجدت الباحثة إليزابيث هيرش، من جامعة كولومبيا البريطانية، أن هناك ارتفاعاً في هذه الحالات بشكل عام، إلا أن التعامل معها ونتائجها كانت مختلفة ما بين الرجال والنساء.

ونظراً لأن الحمل يجعل من الصعب على النساء إخفاء أمومتهن، فإن النزاعات التي واجهنها في مكان العمل، والمتعلقة بالمهمات الوظيفية أو الترقية، أو بإنهاء عقودهن، كانت غالباً تستند إلى افتراض عدم التزامهن."تقليل الفجوات"

في الوقت الحالي، وبما أن كثيرين منا أصبحوا يعملون من المنزل بسبب جائحة كورونا، فإن الأبوة والأمومة اليوم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. لقد أدى الوباء إلى إزالة الحدود بين الأسرة والعمل، ما تسبب في ضغوط غير مسبوقة على الآباء والأمهات الذين أجبروا على الجمع بين تأدية واجباتهم الوظيفية ورعاية الأطفال.

وكانت نتائج ذلك واضحة جداً، إذ تكرر ظهور أطفال خلال مكالمات فيديو خاصة بالعمل، وجرى إعادة جدولة اجتماعات مهمة بسبب الأطفال أيضاً، وبات من المعتاد أن يعد الأب أو الأم بأداء أفضل وأسرع في العمل حالما ينام الأطفال.

وعلى الرغم من أن الوباء قد قطع شوطاً طويلاً في ما يتعلق بقبول أشياء كان يجري إخفاؤها سابقاً، فإن التحيز ضد الأمهات في عالم العمل ما زال موجوداً.

لكن قيام الموظفين برعاية أطفالهم بشكل أكثر وضوحا اليوم قد يعزز المواقف السلبية تجاه رعاية الأطفال. فالإجهاد الناتج عن الجمع بين العمل ومهام الأبوة والأمومة، يمكن أن يزيد من سوء الحكم المسبق والتمييز ضد هؤلاء الموظفين. وفي الولايات المتحدة، وجد مركز قوانين العمل أن التمييز ضد الموظفين الذين يقومون بمهمة رعاية للأطفال آخذ في الازدياد. كما كانت هناك تقارير عن وجود استياء لدى موظفين ليس لديهم أطفال بسبب المزايا الخاصة بالآباء والأمهات.

وبينما تشير التقارير إلى أن الآباء في بعض الدول زادوا من مشاركتهم في رعاية الأطفال، فإن أعدادا أكبر من الأمهات العاملات تركن وظائفهن أو قللن ساعات عملهن مقارنة بعدد الآباء. ويخشى خبراء من انعكاسات سلبية طويلة لأزمة انتشار الوباء على النساء، يمكن أن تذهب بمكاسب سنوات من العمل والتقدم في مجال المساواة بين الجنسين.

ويوجد بصيص من الأمل وسط هذه العتمة، فالضغوط التي كانت تجبر الوالدين على التقليل من أهمية مسؤوليات رعاية الأطفال لم تعد سائدة في كل مكان. ففي السويد، على سبيل المثال، يمكن لكلا الوالدين الآن الاستفادة من سياسات صديقة للأسرة من دون أي وصمة سلبية مرافقة.

وقد جدت كولينز، التي تحدثت إلى العديد من الأمهات السويديات أثناء إجراء بحثها، أن الإشادة بأهمية الحياة الأسرية واعتبارها أولوية أصبحت أمراً علنيا، وهو ما خلق "ثقافة دعم" يمكن من خلالها لكل من الرجال والنساء أن يكونوا صريحين بشأن محاولتهم الموازنة بين العمل ورعاية الأطفال.

وقد وجد كارلسون في بحثه أن هناك عاملين اثنين يمكنهما إحداث تغيير حقيقي: جعل مسؤوليات الرعاية أكثر علنية، وتحميل الآباء المزيد من العبء. ويقول عن ذلك: "كلما رفعنا مستوى التوفيق بين أعمال رعاية الأطفال والالتزامات الأخرى، كلما تقلصت الغرامة التي تُدفع جراء تولي هذه المسؤوليات، وبالتأكيد ذلك يقلل الفجوات والتمييز على أساس الجنس".

ويضيف: "في دوائر معينة أظهر العمل من المنزل أن الكثير منا لديه التزامات عائلية، وأصبح الناس أكثر تفهماً لهذا الأمر".

ربما يعني هذا أنني في يوم من الأيام سأتوقف عن إخفاء حقيقة أنني أجري مكالمة فيديو من الخارج تحت المطر لأنني آمل أن ابنتي ستظل نائمة بدلاً من مقاطعة الاجتماع. وربما يتوقف لدي الشعور بالإحباط في كل مرة تذكر فيه شركة ما أن الإجازة المدفوعة ستكون مفيدة للآباء والأمهات على نحو خاص في إشارة غير مقصودة إلى أنهم لا يستطيعون أن يخصصوا للعمل الوقت الذي يخصصه الآخرون.










بي بي سي
Top