العنف الأسري: نساء تخشى الأعياد أكثر من أي وقت آخر
February 26, 2020
من المجتمع
قبل عامين تعرضت راشيل للتهديد بسكين وجه إلى عنقها، ولم يكن هذا هو التهديد الأول، فكثيرا ما اعتقدت أن حياتها على وشك الانتهاء. وبدلا من أن يكون عيد الميلاد وقتا للبهجة، كانت تخشى العيد أكثر من أي وقت آخر خلال العام - وما ينطبق على راشيل ينطبق على كثيرات يتعرضن لاعتداءات داخل بيوتهن.
بالنسبة لها كانت فترة الأعياد هي الأكثر رعبا، إذ يكثُر احتساء المشروبات الكحولية أو المواد المخدرة، الأمر الذي يجعل من الصعب التكهن بالسلوك الذي سيقدم عليه الشخص المسيء.
تقول راشيل عن زوجها: "كان يتهمني بأنني أغازل أبيه أو أخيه أو أي شخص تحدث معي أو التقت عينه بعيني".
وجاء عيد الميلاد وكانت راشيل حبلي في شهرها السابع وتذكر ما حدث حينها، فبعد أن أمضت اليوم في بيت أسرتها تغير مزاج زوجها كالعادة.
تقول: "أخذ سكينا ضخما وبدأ يطعن به الهواء باتجاه بطني، قائلا إنه لا يعلم إن كان يريد أن يربطنا طفل أم لا. ارتعبت خوفا على طفلي ولم يعد خوفي على نفسي".وجاء اليوم الذي حاولت راشيل فيه إخراج زوجها المعتدي من المنزل، فما كان منه إلا أن أشعل النار في باب البيت، وحينها لجأت إلى جمعية خيرية باسم "ريفيودج" توفر ملاذا للنساء. وتقول راشيل هي وأسرتها إنه لولا تركها المنزل لما ظلت على قيد الحياة.
مضت بضعة أشهر وكانت راشيل تتابع ابنتها وهي تفتح من الهدايا أكثر مما تخيلت. فبعد أن أفلتت الأم من العلاقة المسيئة، باتت وصغيرتها بمأمن من الخطر.وفي العام الماضي عانى ما يقدر بـ 1.7 مليون شخص في إنجلترا وويلز من اعتداءات منزلية، وكثيرا ما تزداد احتمالات التعرض لتلك الاعتداءات خلال فترة الأعياد بسبب تعاطي الكحوليات بشكل أكبر، والضغوط المادية على الأسر.يقول العاملون بجمعية "ريفيودج" إن الأطفال في دار الإيواء كثيرا ما يسألون: "هل يأتي بابا نويل إلى الملجأ؟" وكثيرا ما تصدر عنهم عبارات مثل: "بابا نويل لا يأتي لأن أبي قال إن سلوكي سيء".
لكن العاملين بتلك الدور يقولون إن العيد يكون أكثر بهجة في ظل الملاذ الآمن المتوفر للنساء والأطفال.
تقول راشيل إن كل المقيمين في دار الإيواء التي لاذت بها شاركوا في حفل لعيد الميلاد، واكتظت شقة بالأطفال الذين لعبوا بمختلف الألعاب وغنوا حتى كادت تنسى ما هربت منه.
وفي كل عام يتحول دار إيواء النساء بمنطقة رايغيت وبانستيد خارج لندن إلى كوخ لاستقبال بابا نويل، إذ تتزين الجدران وتعم موسيقى الميلاد المكان ويصطف الأطفال للقاء بابا نويل.وتقول إيما، مديرة بدار رايغيت وبانستيد، لبي بي سي إن "الكثير من أسرنا لم تحظ قط بميلاد سعيد، بل لديها تجارب أليمة، لكننا هنا لنغير هذا الأمر".
وتضيف: "كثير من الأمهات لدينا يعتمدن على الإعانات الغذائية، لذا نمنحهن ما يُمكنهن من شراء الهدايا التي يبغيها الأطفال". وتقول إن أمهات كثيرات يبكين من شدة التأثر لأنهن لم يستطعن من قبل شراء الهدايا لأطفالهن.
وتنقل بي بي سي عن جمعية "ريفيودج" القول إن قرابة 300 طفل وطفلة سيمكثون في الدور التابعة لها خلال فترة أعياد الميلاد هذا العام. وكما هو الحال مع راشيل، هربت إيلي من الإساءات التي كانت تتعرض لها في البيت، ومعها طفلها، وهو في الثالثة من عمره الآن.
تتذكر إيلي كيف جمعها أول عيد ميلاد (كريسماس) بطليقها الآن ووليدهما، إذ خاصمها الزوج أسبوعا كاملا. كما كان يخاصمها لمدد أطول بلغت في إحدى المرات شهرا كاملا.
لم تكن إيلي تقوى على العمل خلال أغلب مدة حملها بسبب مضاعفات طبية، وبالتالي اعتمدت بالكامل في الدخل على زوجها، وتقول عن ذلك: "كنت أتوسل إليه لكي يعطيني المال لشراء الطعام".
وتقول إن زوجها كان يتحكم فيها لأنه هو من يتكفل بنفقات المعيشة، وأحيانا كانت لا تجد الطعام ولا ما ترتديه بعد تغير وزنها بسبب الحمل والوضع. وجاء الشهر الذي لم تجد فيه نفعا من استجداء المال من زوجها لأنه قامر بما لديه وبدده.
وتقول: "لم يكن لدينا أي شيء ننفقه على احتياجاتنا خلال فترة العيد، لا شجرة عيد ميلاد ولا مشتريات. كان العيد الأول لصغيري، ونظرت إليه ولم يكن معه أي شيء ولم يشعر بالعيد".حصلت إيلي على 20 جنيها من إحدى صديقاتها وأخفتها لكي تشتري شيئا لعيد الميلاد. وذهبت للتسوق ووجدت شجرة ميلاد أكبر قليلا من حجم اليد تباع بجنيه واحد، وحين رأى صاحب المحل ضيقها وحرصها على شراء أصغر الأشياء وأرخصها، أهداها شجرة كبيرة بالمجان.
أنفقت إيلي ما تبقى على زينة بسيطة وقميص لزوجها وملابس داخلية لصغيرها.
وتقول: "عدت للبيت وأنا سعيدة لأن شخصا لا أعرفه ولا يمت لي بصلة فعل معروفا بي وبصغيري".
لكن سرعان ما استشاط زوجها غضبا ورفض الحديث إليها لأسبوع كامل، ولم يصدق روايتها ولاحقا قال إنها جعلته يشعر بأنه "ليس رجلا يسد حاجة أسرته".
وتقول إيلي إن عيد الميلاد التالي معا كان أسوأ، ولا تستطيع حتى التحدث عما جرى، وحين تتذكر تغالبها الدموع وتتوقف لبرهة لتهدئ روعها.
وتصل النسوة مثل إيلي لدار الإيواء وقد تركن كل شيء ولا يملكن إلا الملابس التي عليهن. ويستقبلهن الدار بالشاي والقهوة ويوفر لهن كل طلباتهن من فراش وطعام ولعب أطفال، حتى لا يشعرن بصعوبة الانتقال لبيئة جديدة.
ويطلب الدار من متخصص مساعدة المرأة في ملء استمارات الإعانة الحكومية والحصول على الدعم القانوني والدعم النفسي للأم والطفل.
وتقول الجمعية الوطنية البريطانية لحماية الطفل إن طفلا من كل خمسة يتعرض للاعتداءات المنزلية في مرحلة ما من طفولته.
وأمضى آندرو، وهو الآن في الثامنة والعشرين من عمره، سبعة أسابيع بدار إيواء، وكان ذلك في الفترة قبل الكريسماس.
وكان آندرو في الحادية عشرة حين انتقل برفقة أمه وأختين أصغر منه إلى دار لإيواء النساء والأطفال.
يقول آندرو: "أتذكر كيف قوبلنا بالترحاب، وكان هناك أشخاص كثيرون ولم نشعر أننا وحدنا. أذكر بوضوح جميع من شاركوني غرفة اللعب والجوائز. كان الأمر أشبه بعيد مستمر".
ويتذكر آندرو شعوره بالأمان أكثر من أي شيء آخر، ويقول: "لم أعبأ بالهدايا أو بأي شيء خلال الكريسماس. قبل ذلك كنت أطلب الألعاب مثل البلايستيشن وغيره، أما هذا العيد فكل ما كان يعنيني هو أننا معا كأسرة بأمان".
كما صادق آخرين ووجد أنهم مروا بتجارب شبيهة ووجد من يفهمه دون أن ينطق بشيء.
لكن هناك من الأسر الكثير ممن لا يتوافر لهم الأمان هذا العيد، إذ تقول إيما، من دار رايغيت وبانستيد، إن الطلب مرتفع جدا على هذا النوع من دور الإيواء بمختلف أنحاء بريطانيا طوال العام، وحاليا الدار مشغول بالكامل ولم يتمكن من استقبال كل الأسر فقد اضطر لعدم استقبال خمس أسر هذا الشهر.
وتقول: "كم يصعب أن تقول لا لأسرة تعلم أنها تواجه إساءة، وذلك لأن المكان لا يتسع للجميع!"
وكانت إيلي أفضل حالا من غيرها، إذ توفر لها المأوى وساعدها على أن تروي قصتها وما تعرضت له من إساءة، وهي الآن تشعر بالراحة في شقتها الجديدة التابعة لدار "ريفيودج".
وبينما تتحدث إيلي يقاطعها ابنها بالدخول والخروج وهو يلتقط الحلوى واللعب والبالون، وقد زينت منضدتها بشجرة ميلاد مضيئة يعلوها ملاك - وهو ما تمنته دائما. وعلى أحد أفرع الشجرة تدلت دمية لفأر صغير يلبس قميصا أحمر وقد اختاره ابنها بنفسه - وهي لا تتمنى أكثر من ذلك.
وتضيف: "أسودّت الدنيا في عيني قبل المجيء للدار، لم أر بارقة أمل، لم أظن أنني سأشعر بسعادة في حياتي فالإساءة تجعلك تتوقع المزيد منها. لكني الآن أعرف أن من حقنا جميعا أن نجد السعادة التي أتمتع بها الآن".
بي بي سي