حتى لو كان عن طريق الخيال. أحلام اليقظة أيضاً، بتعريفٍ ثانٍ لها، هي إحدى الظواهر النفسية المميّزة لسلوك الشباب. فالشاب بطبعه مندفع عجول يريد تحقيق كمّ كبير من رغباته وأمانيه في وقت قصير. وعندما يأتي الواقع مخالفاً لكلّ هذا، مخيّباً ومحبِطاً، تأتي أحلام اليقظة كردّ فعل ذهنيّ وكوسيلة هروب من هذا العجز كلّه. لا تشبه أحلام اليقظة الحلم الليليّ، فهي متماسكة ضمن سياق منطقيّ وتأتي على شكل حكاية أو حادثة يخوضها صاحب هذه الأحلام. كما أنها تحصل أثناء الصحو وبالإرادة الواعية التي تسمح بإعمال الذهن بغية تحقيق رغبة معلَّقة وغير مشبعة على مستوى الواقع، فيتمّ إشباعها خيالياً. وهي ليست بالضبط الشرود الذهني الفوضوي، أو ضياع التركيز، بل هي الشطح في الخيال لغرض الإشباع، وإغراق في التصوُّر ضمن قصَّةٍ تشبع رغبة الحالم بها. لكنها، ومع مرور الوقت، ومع المبالغة في اعتمادها كاستجابة حصرية بديلة عن الاستجابة الواقعية تتبع كل إخفاق، وتصبح ذات وقوع انسيابي، فتغزو الذهن تلقائياً كلما خاب أمل صاحبها أو ارتطم بجدار يَصْعُب تخطّيه، وهذا أمر خطير يستوجب تداركه وعلاجه. إنَّ حلم اليقظة ببساطة هو ذلك الشبَّاك الصغير المفتوح على عالم افتراضي فسيح. وتكمن المشكلة الفعلية في حجم الوقت الذي سيُمضيه المرءُ في مقابل هذا الشبّاك إن صح التعبير. أما بالنسبة إلى اأسباب التي تقود إلى الإغراق في ممارسة أحلام اليقظة فهي كثيرة، ومن أبرزها: الإحباط بشكلَيْه، الواعي المدرك واللاواعي الخفي. وأيضاً عدم الثقة بالنفس وخوف المواجهة. وهناك سوء التكيُّف أو عدمه بشكلَيْه، الداخليّ والخارجيّ، المرتبطَيْن مع بعضهما البعض. فالشخص غير المتكيّف مع ذاته، أي العاجز عن تقبُّل ذاته كما هي، أو العاجز عن احتواء بعض رغباته، هو شخصٌ غير متكيّف خارجياً بالضرورة، فتأتي أحلامه النهارية هذه على شكل تعويض لهذه الشرخ الحاصل بينه وبين ذاته، وبالتالي بينه وبين محيطه. فيرى نفسه، مثلاً، في أحد هذه الأحلام شخصاً فذاً أو شخصية قيادية ومؤثّرة في المجتمع. وباختصار، فإنَّ أحلام اليقظة هي سلوك ٌسويٌّ ما دام أنه ضمن الحدّ الطبيعي له. وإلا أصبح عادةً دائمةً تتمثّل في تعويض الواقع بالخيال... وهنا يتوجَّب علاجه، تماماً كما يُعالَج المدمن على المخدّرات.
ايلاف