• Monday, 23 December 2024
logo

ما مصيرنا عندما نهرم ونصبح عالة؟

ما مصيرنا عندما نهرم ونصبح عالة؟
"غالباً كنت أقتل النساء المسنّات، قتلتهن كلهن، هناك على ضفاف النهر الكبير، لم أكن أنتظرهن حتى يمتن تماماً قبل أن أدفنهن، كانت النساء خائفات مني".

لا عجب.. هذه قصة رجل من قبيلة "آتشي"، وهي قبيلة من السكان الأصليين في شرق باراغواي ، كما روى لعالميّ الأنثروبولوجيا، كيم هيل ومجدالينا هورتادو.

وأوضح أن الجدات ساعدن في الأعمال المنزلية ومجالسة الأطفال، لكن عندما يكبرن في السن، وعندما يصبحن لا فائدة منهن، لا يمكن أن تكون رقيق المشاعر.

وبوحشية قتلهن، كانت الطريقة المعتادة هي ضرب فأس في الرأس.

أما بالنسبة إلى كبار السن من الرجال، فقد فرضت عادات القبيلة مصيراً مختلفاً، وهو إرسالهم بعيداً مع الطلب منهم عدم العودة ثانية.ما هي الالتزامات التي ندين بها لكبارنا؟ إنه سؤال قديم قدم وجود البشر؟

وقد تباينت الإجابات كثيراً، على الأقل إذا كانت المجتمعات التقليدية الباقية حتى الآن دليلنا في معرفة الإجابة.ما يشير جاريد دياموند، وهوعالم أنثروبولوجيا آخر،فإن قبيلة آتشي ليست الوحيدة التي تتجاوز التقاليد. ففي كوالونغ في بابوا غينيا، يتعين على الشاب قتل والدته خنقاً بعد وفاة زوجها.

وفي القطب الشمالي، يشجع سكان تشوكشي (وهم من السكان الأصليين الذين يعيشون في شبه جزيرة تشوكشي وشواطئ بحر تشوكشي ومنطقة بحر بيرنغ في المحيط المتجمد الشمالي داخل الاتحاد الروسي، ولغتهم هي تشوكشي) كبار السن على قتل أنفسهم، بعد تلقيهم وعوداً بنيل المكافآت في الحياة الآخرة.

لكن العديد من القبائل الأخرى اتبعت أسلوباً مختلفاً تماماً،والتي تخضع لحكم كبار السن، حيث يقوم الشباب بما يأمر به الكبار. حتى أن البعض لم يكونوا ليمانعوا بالقيام بمضغ الطعام لآبائهم المسنين الذين لا أسنان لهم.

ما كان شائعاً بالأمس كان الاستمرار بالعمل حتى يتوقف جسمك عن القيام بذلك.

ويتطلع الكثير منا عند بلوغ سن معين، أن يحصل على معاش تقاعدي (أموال من الدولة أو أرباب العمل السابقين ، ليس مقابل عمل حالي، بل تقديراً لعملنا في الماضي).

وتعود فكرة المعاشات التقاعدية إلى روما القديمة، حيث كانت تمنح للجنود. معاش تقاعدي "بينشن" هي لاتينية الأصل تعني "الدفع".

انتشر بعد ذلك بين الفئات الأخرى في القرن التاسع عشر فقط . وظهر لأول مرة على مستوى عالمي في ألمانيا عام 1890، وذلك بفضل جهود المستشار الألماني أوتو فون بسمارك.

لكن الحق في تلقي المسنين للدعم، لا يزال غير منتشر على نطاق عالمي.إذ هناك ما يقرب من ثلث كبار السن في العالم محرومون من أي راتب تقاعدي، وحتى الذين يتلقون معاشاً تقاعدياً، فإن الراتب الذي يتقاضونه لا يكفي للعيش به.في العديد من البلدان ، نشأت الأجيال وهم يظنون أنه ستتم العناية بهم جيدا في مرحلة الشيخوخة. لكن أصبح هذا تحدياً يتطلب مواجهته.

وعلى مدى سنوات، بدأ خبراء السياسة الاقتصادية يدقون ناقوس الخطر حول أزمة متوقعة في نظام التقاعد.

المشكلة هي ديموغرافية، فقبل نصف قرن من الزمن، في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ، وهي بمثابة نادي للدول الغنية، كان من الممكن أن تتوقع المراة البالغة من العمر 65 عاماً، أن تعيش 15 عاماً آخر.

أما اليوم، فيمكن لها أن تعيش ما لا يقل عن عشرين عاماً بعد ذلك السن. وفي الوقت نفسه، تقلصت الأسرة المتوسطة من 2.7 طفل إلى 1.7 طفل، وهذا يعني أن خط تأمين العمال في المستقبل يتقلص وينضب.

ولذلك العديد من الآثار، بعضها إيجابية وأخرى سلبية.ولكن وضع المعاشات التقاعدية قاتم، إذ سيكون هناك الكثير من المتقاعدين الذين يتلقون الدعم، وعدد أقل من دافعي الضرائب لدعمهم.

ففي الستينيات، كان لدى العالم ما يقرب من 12 عاملاً مقابل كل شخص كبير السن. أما اليوم ، تراجع العدد إلى أقل من ثمانية، وبحلول عام 2050، سيكون العدد قد تراجع إلى أربعة فقط.

ويبدو أن نظام التقاعد في القطاعين العام والخاص باهظ الثمن. كان أصحاب العمل يتسابقون لجعل نظام اتقاعد لديهم أقل سخاءً.

وقبل أربعين عاماً، كان معظم العمال الأميركيين يتمتعون بما يسمى بـ "المنفعة المحددة"، والتي تحدد ما سيحصل عليه عند التقاعد. والآن ، هناك أقل من واحد من أصل كل 10 عمال يتمتعون بذلك.

أما الآن، يحدد نظام التقاعد الجديد، ما سيدفعه صاحب العمل للمساهمة في الراتب التقاعدي الخاص بك، بدلاً من الدخل الذي ستحصل عليه.

ومن السهل أن نفهم لماذا يتخلى أرباب العمل عن هذا النظام، لأن المعاشات التقاعدية يمكن أن تكون باهظة التكلفة.

تأمل في قضية جون جانواي، الذي حارب في الحرب الأهلية الأمريكية. إذ شمل معاشه التقاعدي العسكري إعانات للزوجة الباقية على قيد الحياة عندما توفي.

تزوج جانواي في عمر الـ 81 عاماً من امرأة كانت في الـ 18 من العمر.كان الجيش لا يزال يدفع إلى جانواي معاش أرملته حتى عام 2003 ، أي بعد حوالي 140 عاماً تقريباً من انتهاء الحرب.

ويمكن أن يرى الاقتصاديون مشكلة في المستقبل، إذ يقترب عدد كبير من العمال من التقاعد، وقد تكون معاشاتهم التقاعدية في مكان العمل أقل من المتوقع.

لهذا السبب تحاول الحكومات في جميع أنحاء العالم إقناع الأفراد بادخار أكبر من أجل شيخوختهم.

لكن ليس من السهل إقناع الناس على التركيز على مستقبلهم البعيد.

ويشير أحد الاستطلاعات إلى أن عدد من هم دون سن الخمسين، بالكاد يبلغون نصف من تجاوز الخمسين، يفكرون بمرحلة التقاعد.عندما تقوم بالتوفير لشراء منزل لك أو تربية أسرة فتية، فقد لا تشعر بالحاجة الملحة إلى توفير ما يكفي لسن الشيخوخة الذي ستبلغه يوما ما.

في الواقع، قد تجد صعوبة في تصور نفسك ذلك الشخص العجوز.

وتوصل الاقتصاديون السلوكيون إلى بعض الحلول الذكية، مثل تسجيل الأشخاص تلقائياً في برامج المعاشات التقاعدية في مكان العمل وجدولة المزيد من الادخار من زيادات الأجور في المستقبل.لن يغير أي مبلغ مما ندخره حقيقة أننا سنحتاج دائماً إلى العمال الحاليين لخلق الثروة لدعم المتقاعدين الحاليين ، سواء كان ذلك من خلال دفع الضرائب، أو تأجير العقارات المملوكة للمتقاعدين، أو العمل مع الشركات التي تمثل صناديق المعاشات التقاعدية المساهمين الرئيسيين فيها.

ويرى البعض أننا بحاجة إلى تحول أكثر جذرية في مواقفنا من الشيخوخة. وهناك حديث عن نظام التقاعد نفسه على أنه "متقاعد".

ربما، مثل أسلافنا، يُتوقع منا أن نعمل قدر المستطاع.

لكن العادات المختلفة للأجداد يجب أن تقف عليها تطورات لأنها تطورت استجابة لبعض المعضلات القاسية.

سواء كان كبار السن يتوقعون الطعام المعد مسبقاً أو العمل بالفأس على ضفاف النهر الكبير، فهذا يتوقف على ما إذا كانت الفوائد التي قدموها لقبائلهم تفوق تكاليف إعالتهم.

وفي قبائل مثل أتشي، كانت تلك التكاليف أعلى لأنها كانت تتنقل كثيراً والطعام كان نادراً.

إن مجتمعات اليوم غنية ومستقرة بالمقارنة مع سابقاتها، يمكننا تحمل كلفة المعاشات المتزايدة ، إذا رغبنا بذلك.

لكن هناك اختلافات أخرى أيضاً، كنا نعتمد في السابق على كبار السن لنقل المعرفة والخبرات للشباب، أما اليوم، فمن يحتاج أحاديث الجد والجدة بوجود المدارس وويكيبيديا؟

ومع ذلك، إذا كنا نعتقد أن الشيخوخة الكريمة حق ، فربما ينبغي أن نقول ذلك ، بشكل أكثر وضوحاً.









بي بي سي
Top