• Wednesday, 25 December 2024
logo

طفل عادل ،طفل رحيم ،طفل قاتل

طفل عادل ،طفل رحيم ،طفل قاتل
هل يمكن ان تصدق انه يوجد أطفال صغار في السن قادرون على ارتكاب جريمة قتل متعمدة؟ ان كنت لا تصدق فسأخبرك انه واقع ويحدث.

قد تتساءل ما الذي يجعل طفل في السابعة او التاسعة من عمره مثلا يحاول قتل والديه او اخوته او جيرانه؟ متى قد يصبح الطفل قاتل؟

هذا مثال :من القصص المعروفة في هذا الامر قصة الطفلة الأمريكية بيث 1989 خمسة سنوات ونصف حيث تحولت قصتها لفلم، تعرضت تلك الطفلة للإهمال الشديد وعدم العناية وعدم الاهتمام منذ الصغر هي وأخيها الأصغر من والدها الحقيقي ولان القانون الأمريكي ينص على أن الأباء الذين لا يصلحون لرعاية الأبناء يجب اخذ الأبناء منهم، فقد أخذتهم المؤسسة وأعطتهم لزوجين يرغبون بتبني اطفال، تم تبنيها عندما كانت بعمر18 شهر هي وأخيها الأصغر سنا وكانوا بحالة جيدة إلى كبروا قليلا وبدأت تظهر المشاكل النفسية العميقة التي يعاني منها الطفلين.

بيث التي تعرضت لسوء معاملة شديدة من والدها في عامها الاول حيث توفيت والدتها وبقيت هي وأخيها معه حيث كان يضربها ولا يطعمها ويتحرش بها ولا يقدم أدنى رعاية لها أو لأخيها الرضيع.

وبسبب هذه التجارب المبكرة في مرحلة الطفولة لم يتكون لديها ضمير ولم ينمو لديها الشعور بالحب أو الندم أو الثقة بأي شخص وعندما أصبحت أكبر قليلا وصار لديها القدر على الفعل طورت سلوكا غير لائقا وعنيفا تجاه شقيقها الأصغر حيث حاولت قتله وإيذائه عدة مرات وأرادت قتل والديها وسبق ان قتلت صغار الطيور بالحديقة عبر كسر اعناقهم وكانت تغرس الدبابيس في الحيوانات وفى اخيها وذات مرة استيقظ والداها ليلا وأمسكها والداها وأمها تضرب رأس أخيها بالأرض بعنف حتى نزف دما وهو يصرخ، دون ندم، دون تأثر، دون اكتراث.

نتائج سوء معاملة طفولتها أدت الى غضب لا يمكن السيطرة عليه بالرغم من حب ورعاية والديها بالتبني لقد أخرجت بيث هذا الغضب على نفسها وأخيها ووالديها، قامت بيث بالعنف والوحشية المخيفة. في محاولات عديدة وهي لم تتجاوز السادسة

عرضت على دكتور في علم النفس وبعد تقييم مدى المشاكل النفسية لها، قرر الدكتور أن يفصل بيث مؤقتا عن الاسرة حتى لا تؤذى العائلة.

حيث تم ارسال بيث من قبل والديها والدكتور إلى منزل متخصص مع خبيرة تتعامل مع الأطفال الذين يعانون من اضطرابات التعلق المبكر خاصة الأطفال الذين يشكلون خطرا على أنفسهم والأخرين. حيث قالت المتخصصة ان لديها أطفال هنا قاموا بقتل أفراد من الأسرة والجيران مرات عديدة ويمكن أن يفعلوا ذلك مجددا، أعمارهم صغيرة مثل 9 سنوات والناس لا يعتقدون أن طفل عمره 9 سنوات قادر أن يقتل ولكنهم قادرون على ذلك، إن كسر الارتباط يلحق ضررا شديدا على القلب، فهم ليسوا قادرون على الشعور بالرعاية والحب لا يشعرون بالندم، قادرون على فعل أي شيء مضر.

ثم تحدثت المتخصصة عن النظام الذى يستخدمونه لعلاج هذا الخلل الشديد في الأطفال وقالت نحن صارمون جدا يتم رصد كل شيء ونحن نسيطر بالكامل لأن الطفل الغير مرتبط لا يثق بأحد ولأنهم لا يثقون بأحد فهم لا يسمحون لأحد أن يكن رب العمل ويأمرهم ، لذا في البداية نحن لا نسمح لهم بأخذ الإرادة الحرة إذ عليهم الاستئذان للحصول على أي شيء يجب الاستئذان حتى لشرب الماء أو لاستخدام الحمام أو لمغادرة الموقع ويساعدون في اعمال المنزل كنوع من الاعمال التي يكلفون بها بحزم ، وفى المساء تغلق أبواب الغرف بالمفاتيح ووضع أجهزة إنذار عليها حتى نضمن انهم لن يحاولوا التسلل وايذاء بعضهم أو الأطفال الاخرين دون علمنا، لأننا لا يمكن أن نثق بهم بسبب الأضرار التي فعلوها مسبقا، ثم عندما يلتزمون اكثر بالأوامر والنظام نجعلهم يتعاملوا مع طيور وحيوانات المزرعة ونجعلهم يقدمون لها الطعام والرعاية بأنفسهم حتى يتعلموا أن تلك الكائنات يجب ان تعامل بحب ورعاية وبهذا نبنى الضمير فيهم والاهتمام بالأخر شيئا فشيئا.

هم يعتقدون أنهم أشرار ومن الشيطان ولا قيمة لهم، ونحن يجب علينا أن نغير تفكيرهم عن أنفسهم ونبني لديهم أساس المبادئ والقيم ونقول لهم أنهم أطفال ذوي قيمة، ونبين لهم أنهم أطفال محبين ورحيمين، عندما يقومون بأي عمل بشكل جيد نشجعهم ونقول لهم “لقد قمت بعمل رائع “وهذا يبنى لديهم الثقة بالنفس وهكذا شيئا فشيئا حتى يغيروا الطريقة التي يرون بها أنفسهم.

بعد عدة أشهر من العلاج في هذه البيئة المسيطرة حققت بيث تقدما إيجابيا وقرر الطبيب النفسي تخفيف بعض الضوابط عليها مثل إزالة الاقفال وجهاز الإنذار على غرفتها وأصبحت موضع ثقة لدرجة أن المتخصصة أصبحت تتركها تنام مع ابنتها في نفس الغرفة، وأصبحت تتعامل بلطف ورحمة مع الحيوانات والطيور، حيث أظهرت علامات تحسن وبدأت تلاحظ الصواب من الخطأ وبدأت تستجيب للمودة التي تُعامل بها وبرزت ثقتها بنفسها وفيما بعد دخلت المدرسة وكونت صداقات في الكنيسة المحلية حتى أنها اشتركت في الفرقة الغنائية بالكنيسة.

وأخيرا بعد مدة طويلة من العلاج المكثف، أصبحت بيث محبة ولديها قلب كبير وتشعر بالذنب عند فعل أي شيء خاطئ ويمكن رؤية ذلك في وجهها، تمت معالجة بيث نفسيا وتم إعادتها لوالديها بالتبني المثقفين الأقوياء الرائعين كما وصفتهم المتخصصة حيث لم يتخلوا عنها رغم ما رأوه منها من قبل، وهي الأن في الوقت الحالي أصبحت ممرضة وتخصصت في العناية بالأطفال الذين تساء معاملتهم وتعرضوا لما تعرضت هي له من قبل. وانتهت قصتها بنهاية سعيدة. ليس جميع الأطفال الذين تساء معاملتهم مثل بيث ولكن جميع الأطفال الذين تساء معاملتهم يعانون من ألم عميق بقية حياتهم، طريق التعافي صعب وطويل وقد يستغرق سنوات للطفل المعتدى عليه.

ربما نحن لا نسمع عن قصص كهذه في عالمنا العربي لكننا نسمع الكثير عن أطفال أصبحوا عدوانين بسبب سوء المعاملة ونسمع ونرى أكثر عن العقد النفسية التي فينا وحولنا بسبب مشاكل في الحب اللا مشروط من الأباء مع أن الامر ليس معقدا فقط أحبه لن أقول بلا مقابل بل سأقول انتظر المقابل من الله الكريم وليس من طفلك ستجد ما يسرك.
Top