“التعلق” بوصفه إرهاباً
May 19, 2019
من المجتمع
حسنا ً , بما أنك أتيت فعليك مشاركتنا بهذا العنوان , ولما لا ؟ وأنت من عاش و يعيش التعلق بكل أشكاله منذ أن علمتك أمك أول أنواع التعلق ثم جاءت ألعابك اللعينة تلك التي عمقت شدة تعلقك بها وأنت تلاعبها صغيراً , ثم جاء والدك وعلمك التعلق بمشترياته المغرية ودلاله اللطيف لك , أنت الذي تعلقت بكل تفصيل من تفاصيل حياتك التي مرت سواءً أنك اعتقدت أنك نسيتها أم لا , بسلبياتها و إيجابياتها , بحزنها وفرحها , بخيرها وبشرها .
إنه التعلق الذي قال فيه فيودور دوستويفسكي : (ستصل إلى النضج الذي يجعلك ترفض التورط بعلاقة مؤقتة أو صداقة باردة أو جدال أحمق أو التعلق بالزائفين )
فهل نحن حقاً تعلقنا بالأناس الزائفين ؟ هل حقا كان الفطام كذبة التعلق الأولى ! والذي فصلنا عن أول درجات التعلق بأمهاتنا ؟ وهل كانت المدرسة متورطة بتخلينا عن الدرجة الثانية من التعلق بأسرتنا حين انتزعتنا منهم ؟ والأصدقاء؟ والحبيب ! ..ذلك الأجمل , هل كان حقاً متواطئاً معهم ليحجب عنا الكون بأسره ويجمع أشتاتنا كلها في دائرته , دائرته وحدها , ولا دوائر أخرى شريكة له !؟
عليك أن تجيب الآن معي يامن تقرأ قرارة نفسك والتي تبكيك بحسرة , أيها الكائن الذي قضى حياته بين أحضان التعلق من الإنسان إلى الجماد إلى الحيوان , دون أن تجد حلاً أو تفسيراً لأوجاع تعلقك أو حتى جماليتها على السواء , هل كان ارهاباً حقاً ,أم أنني أبالغ ؟ بالله عليك أيها القارئ أسعفني بجوابك .
التعلق المخلوق أساساً مما يسمى في علم النفس “الحاجة والدافع” , الحاجة لشيء ما يخلق الدافع للتحرك نحوه مباشرة سلوكياً أو فكرياً أو عاطفياً . وهذه عملية نفسية كاملة تتشكل خلال مسيرة حياتنا منذ ولادتنا وحتى الفناء ؛ ففي كل مرحلة من مراحل حياتنا تخلق الحاجة لمتطلباتها أنواع التعلق المختلفة , حيث أن فترة الطفولة لها متطلبات الحاجة للغرائز والحنان والعاطفة والرعاية من الأم والأب ؛ فبتكرار هذه الحاجات يخلق التعود والتعود أول درجات التعلق , فالعادة هي القيام بعمل متكرر سواء أكان إيجابي أم سلبي نرغب له أو نحتاجه أو نميل إليه , وبهذا نتعود منذ طفولتنا التعلق بمحيطنا ونعتاد عليه فقد يكون هذا التعلق إيجابياً كالتعلق بعادات أسرتنا التي تنظم وقتنا وتمنحنا الحنان والتوازن النفسي , وقد يكون التعلق سلبياً كالتعلق المرضي بأحد أفراد الأسرة لدرجة خنقه من كثرة التعلق به وكالتعلق بالعدوانية التي تحقق لنا شكل من أشكال تلبية رغباتنا من قبل محيطنا أو التعلق بالأصدقاء أو الأشخاص العابرين في حياتنا دون أن نعرف ماهي حقيقة تعلقنا بهم .. وهنا يحدث إرهاب التعلق .
وردتني حالات كثيرة يُصنف بعضها بالرهاب وبعضها الآخر بفوبيا التعلق , حيث أن هؤلاء الأشخاص قد وصلوا لدرجة من التعلق بأشخاص إلى حد الرهاب ( وهو الخوف المرضي من التعرف والتعلق بالأشخاص الذي يؤدي إلى الفقدان , فتصبح حياتهم كطاحونة هواء تمشي في فراغ )
التعلق هو طبيعة العلاقة طويلة المدى بين البشر , من خلال حاجة الطفل تكوين علاقة مع شخص واحد على الأقل من مقدمي الرعاية لكي يحصل على النمو العاطفي والاجتماعي بطريقة طبيعية وبالنسبة للبالغين تكون العلاقة ذات تأثير متبادل بين الطرفين أو قد تكون تجاه طرف واحد دون الآخر .في جعبتنا أربع أنماط للتعلق :
الأول (التعلق الأمن ) : حيث يستخدم الشخص الأخر كقاعدة آمنة لحياته وينزعج عند مغادرته ويسعى للبقاء بقربه ويشعر بالارتياح عند عودته ويعود لحياته بشكل طبيعي .
الثاني ( التعلق غير الآمن ) : اعتراضه على مغادرة أو عودة الشخص المتعلق به ويظهر تجاهلاً وقد يصبح متمرداً وتنخفض لديه الصورة الذاتية واحترام الذات .
الثالث ( تعلق قلق مضطرب ) : غير قادر على استخدام الشخص كقاعدة آمنة, يسعى للتقرب قبل حدوث الانفصال ,يحزن عند الانفصال مع تناقض وغضب .
الرابع ( التعلق المشوش غير المنتظم ) : له سلوكيات معينة عند عودة الشخص مثل التصلب أو التجمد , يظهر لديه فقدان استراتيجية التعلق المترابط عن طريق التناقض مثل العودة إلى الوراء عند الاقتراب من الشخص المتعلق به .هكذا تتشكل علاقاتنا الاجتماعية التي تعتمد على فكرة التعلق بالجماعات وتنحصر في أشخاص عندما يتعلق الأمر بخصوصياتنا العاطفية, فكثر هم الذين رفضوا مجتمعهم بسبب تعلقهم بأشخاص وخذلوهم فأصبحوا ناقمين من الاشخاص وكردة فعل من مجتمعهم أيضاً ليصلوا بعد مرحلة النكسة و الاكتئاب المصاحبة للتعلق إلى الرهاب والرعب من أي علاقة جديدة مما يسببه لهم العزلة الابتعاد عن الجميع وترك أعمالهم والكثير من المشكلات التي يخلقها التعلق والذي كان سببه أساساً هو وضع الشخص نفسه ضمن خيارات وتكهنات عاطفية نفسية نابعة من حاجة الشخص للآخر دون إدراكه إن كان الآخر أصلاً يبادله نفس التعلق والاهتمام .
ولهذا لابد من أساليب للوقاية والعلاج من التعلق السلبي:
على صعيد الوقاية ننطلق من الأسرة التي يجب أن يكون لها وعي بالتعلق السلبي والتنبه الى مستقبل علاقة الطفل مع محيطه, ففي حال كان الطفل متعلق بأشخاص نعرف أنه سيخسرهم قريباً يجب أن نعود الطفل على تركهم بشكل تدريجي ليكون غيابهم مقبولاً وليس سلبياً وهذا ينطبق على الفطام , والمدرسة وغيرها , بالإضافة الى إدراك الوالدين لنوعية تعلق أولادهم بهم فقد يكون تعلق سلبي تحت شعار الحب ليصبح سلبياً فيما بعد ويلغي شخصية الطفل بتقمص سلوكيات والديه.
من ناحية العلاج
فهي مرتبطة بدراسة حالة كل شخص على حدا لأن لكل تجربة تعلق أسبابها الخاصة التي تحتاج لعلاج مناسب لها , لكن هناك خطوط عامة للعلاج الذاتي من التعلق وذلك :
ببناء كيان مستقل لذاتنا من خلال تشكيل دائرة حماية لذاتنا بصنع أهدافنا الخاصة ونجاحنا الخاص الذي يمنحنا الرضا عن الذات
حين نتعرف على أي شخص معجبين به أن نتمهل قليلاً ونترك مسافة أمان لنسأل أنفسنا ما هو نوع مشاعرنا تجاهه والابتعاد عن فكرة تملك الشخص والبقاء معه طوال الوقت فليس ما نريده يحصل بأي وقت .
التفريق بين العادة والتعلق فالعادة هي التي تسبب التعلق ولكنها أقل منه بدرجة فحين نصل لمرحلة التعود علينا الانتباه على ما تعودنا عليه ومراجعته باستمرار كي لا نقع في فخ العماء عن أخطاء ما يحدث في علاقتنا مع الآخر .
أخيراً أقول: إذا كان لابد لنا أن نتعلق فلنتعلق بذاتنا بالدرجة الأولى فهي الأكثر قدرة على إيصالنا لنجاحنا الشخصي فالأشخاص هم متغيرون بحكم تغير ظروفهم وحياتهم وهنا لا يجب أن نضع أنفسنا في مأزق اتهامهم بالإرهاب النفسي لذاتنا , فهم أيضاً كما أنت ربما ضحية التعلق بعادات وأشخاص ويعيشون صراعهم الخاص.
ارحم نفسك ..سيرحمونك