• Friday, 17 May 2024
logo

معكم مرة أخرى

معكم مرة أخرى
تعرفتُ عليها أثناء تصوير الإعلان الترويجي (البرومو) الخاص ببرنامج بتوقيت مصر، كانت إحدى بطلات هذا الإعلان، فتاة في العشرينات من عمرها، تجلس على كرسي متحرك، ومعها فتاة تصغرها بأعوام هي أختها الصغرى جاءت معها لتساعدها وتحضر معها التصوير .

في أوقات الاستراحة تحدثتُ معها عن حالتها، وهل هي مولودة بشلل أم ماذا؟

أطلقتْ فاطمة تنهيده وسرحت بخاطرها لتتذكر كيف فاقت بعد أربعة أيام من الحادثة وكانت وقتـَها طالبة في الثانوية العامة، لتجد نفسها على سرير إحدى المستشفيات ولا تستطيع التحرك. سألت فاطمة والدتـَها: لماذا لا تتحرك قدماي؟! وأردفت قائلة: لماذا أشعر أن رجلي ثقيلة وأفتقد القدرة على الإحساس بها؟ وتقول فاطمة: "ثم غبتُ عن الوعي مرة أخرى."

فاطمة تعيش في الأرياف، وكعادة معظم هذه المناطق، فإن المدارس تكون بعيدة عن السكن بعدة كيلومترات ما يُجبر الطلاب على ركوب سيارات متهالكة وأيضاً السائق يكون صغيراً جداً في السن مع الطرق غير الممهدة. وكثيراً ما وقعت الحوادث في مثل هذه المناطق. إلا أن ما حدث مع فاطمة فاق خيالها، إذ استيقظت فاطمة من الغيبوبة مرة أخرى بعد عدة أيام وهي لا تتذكر كم مر عليها في هذا الوضع، ولكن صدمتها الحقيقة المُرّة كانت بأنها باتت عاجزة عن تحريك رجليها. وأصبح المشي بالنسبة لها هو والمستحيل سواء! لم تكن تصدق ما حدث، وتمنت لو أن الأطباء جانبَهم الصواب في التشخيص. وعاشت لفترة مقتنعة أن إصابتها مؤقته، حتى صدَمَها الواقع الأشدّ مراراً من الحقيقة السابقة.

فاطمة تنتمي لأسرة فقيرة، والأم لم تنل نصيباً من التعليم. فاستسلم الجميع للأمر الواقع وتركوها طريحة الفراش لسنوات، وخصوصاً أن العلاج الخاص مُكلِف، والحكومي لم تحظَ فيه فاطمة بالإهتمام وخصوصاً بعدما تغيّر الطبيب المعالج لها بعد أن ترقى طبيبها إلى منصب أكبر. وظلت هكذا لسنوات.فاطمة أثبتت لي، وأتمنى أن تثبت لكم، أن الإنسان لديه من الطاقات والرغبة في الحياة أكثر مما يتخيل هو نفسه أو يظن. إذ ظلت تبحث إلى أن وجدت إحدى الجمعيات الخيرية التي تساهم في تدريب مثل حالاتها على التكيّف والحركة، واعتبرت ذلك بصيص أمل. وبالفعل كادت فاطمة أن تصل بمنتهى البساطة إلى مرحلة ضمور العضلات لأنها لا تُستخدم. لكن فاطمة كافحت، وأقنعت الأهلَ وسافرت إلى القاهرة، وتعلمت كيف تتحرك بمفردها وكيف تحضر لنفسِها الأشياءَ البسيطة بل كيف تحضّر طعاماً لنفسها. وقالت وهي مبتسمة إن الطبيب المعالج طلب منها أن تُعد له محشي ففعلتْ بفرحٍ شديد كنوعٍ من الامتنان لهذا الطبيب الذي أعادها للحياة مرةً أخرى.

استمتعُ كثيراً بقصص نجاح ذوي الهمم، وأعتبرُها ملهمة لي ولغيري. ولو كان الأمر بيدي لجعلتُها مقررات يدرسها كل طالب علم، فهم مصدر إلهام ويستحقون الكثير. وما أسعدني هو أن حلقة هذا الأسبوع من بتوقيت مصر هي للاستماع لحوار باقي ضيوفي من ذوي القدرات الخاصة في حوار تلك الأمسية الذي سجلناه وبُثَّ جزءٌ منه قبل شهرين في حلقة خُصصت لهذه الفئة من مجتمعي في نهاية عام خُصص في مصر لها. سنسمع مشاكل ونداءات جديدة، وأيضاً ستلتقون بفاطمه وهي تحكي باقتضاب عما أصابها.

بتوقيت مصر يأتيكم كل خميس في تمام الساعة السابعة وخمس دقائق مساءاً بتوقيت غرينتش، التاسعة وخمس دقائق بتوقيت القاهرة على شاشة بي بي سي عربي.







سكاي نيوز عربية
Top