• Sunday, 22 December 2024
logo

النرجسيّة: صورة السيلفي تخلّف وجداني!

النرجسيّة: صورة السيلفي تخلّف وجداني!
يرتبط مصطلح نرجسية بأسطورة "الإله نرسيس" الذي اشتُهر بعشقه لذاته وعبادته لصورته المنعكسة على الماء.
وقد اعتمد علماء النفس هذا المصطلح لدقّته في وصف هذه الحالة.
فالنرجسيّة بمعناها العام هي حب الأنا المبالغ فيه. لكنَّ للنرجسية معنىً علمياً يعود إلى إحدى مراحل النمو النفسي الجنسي لدى الفرد، حيث تتوسَّط المرحلة النرجسية مرحلتَي الرغبة الموجّهة نحو الذات والمرحلة التي تكون فيها الرغبات موجّهة نحو الموضوع الخارجي.
عن هذه المرحلة يقول فرويد: "يمكن تبيُّن تعبيرات الدوافع الجنسية منذ البداية، لكنها في البدء لا تكون منصبّة على موضوع خارجي، فالمكوّنات الدوافعية الإفرادية للنشاط الجنسي يعمل كل منها على انفراد لكسب اللذة ويجد إشباعه في جسم الشخص ذاته وهذا ما يسمى مرحلة الشهوانية الذاتية التي ستحلّ محلّها مرحلة اختيار الموضوع الجنسيّ".
إن هذه المرحلة هي التي أوجبت تقسيم الشهوانية الذاتية إلى مرحلتين، حيث يتم من خلالها تجميع الدوافع "الليبيدية" المتفرّقة في وحدة واحدة، وموضوعها هو الأنا الخاصة، أي الأنا المستجدَّة في التشكّل خلال هذه الأثناء.
إنَّ موقف الطفل الرضيع ككلٍّ يمثّل صورةً معبّرةً عن طبيعة الموقف النرجسيّ، فهو هنا يعيش حالةً من الاكتفاء مع الأم وهو غير مبالٍ بكلّ ما يحصل في هذا العالم الفسيح.
إنَّ تجلّيات هذه المرحلة تظلّ تلقي بظلالها على المراحل العمرية اللاحقة التي سوف يعيشها الفرد.
وما وقوف الفتيات والنساء لساعات أمام المرآة سوى دليل على امتداد تلك المرحلة. وأيضاً التقاط عدد هائل من الصور يومياً (السيلفي)، فالاهتمام الكبير الذي يوليه كلا الجنسين لها ليس سوى "تخلّف وجداني" لمرحلة النرجسية وعشق الذات.
يمتلك الإنسان مركزاً عصبياً يمنحه الشعور الصوري بالذات وهذا أمر يتميّز به البشر عن الكثير من المخلوقات.
فعلى سبيل المثال، تدرك الأسماك ذاتها، ولكنها لا تميّز هذه الذات من خلال الصورة.
وإذا ما تمَّ تخريب هذه المنطقة من الدماغ، فإن الإنسان سيظلّ يرى الصورة ولكنه لن يستطيع تمييز ذاته عن الآخرين صوَرياً. وإذا سبق له أن التقط صورةً مع أصدقائه فلن يعرف أيّ الأشخاص هو في تلك الصورة! فهو بذلك لم يفقد الذاكرة أو الإدراك بل فصل الذات صورياً.
ويبدو أن هذا المركز الدماغي هو أول ضحايا تضخُّم النرجسية، فهو أول "الملكات" العقلية التي يضع عليها النرجسيّ عدسته المكبّرة.
وبالطبع لا بدَّ أن ننوّه بأن النرجسية متفاوتة بين شخص وآخر، وهي أيضاً متعدّدة الوجوه. فبقايا المرحلة الجنسية النرجسية لا تطال فقط الصورة بل تتعدّاها إلى أي شيء يمكنه أن يمثّل الذات خارجياً: لوحة، قصيدة شعر، فكرة، أو حتى نوع معيّن من السلوك... فالاستمناء مثلاً هو راسب النرجسية والرغبة الموجهة نحو الذات، والانطوائية أيضاً هي شكل من أشكالها.

كاتب وباحث سوري في مجال علم النفس التحليلي




ايلاف
Top