• Friday, 10 May 2024
logo

حرية المرأة: هل تعاقب المجتمعات النساء؟

حرية المرأة: هل تعاقب المجتمعات النساء؟
لم أحمل أوهاماً كثيرة بأن "الربيع العربي"، قبل سبعة أعوام، قام من أجل حقوق النساء وتحريرهن، لكني، وكثيرين غيري، توقعنا أن أي تغيير سياسي جذري تقوده مطالب الشعوب، من المفترض أن يؤثر بشكل ايجابي على حقوق الإنسان ووضع المرأة.
حين ننظر اليوم، مع نهاية عام 2018، إلى تلك اللحظة في 2011، نرى كثباناً من خيبات الأمل. فما حدث من ثورات مضادة قلبت الحرية والعدالة الاجتماعية إلى حالة من الفوضى والصراعات، لم تسلم منها المرأة العربية، فتوجهت إليها سهام الانتقاد والانتقاص.
أشعر أن مجتمعاتنا تبنت توجهاً لمعاقبة المرأة؛ فإذا ما قالت رأيها في العلاقات الإنسانية، كما حدث مع المذيعة المصرية رضوى الشربيني حين شجعت على الطلاق في أغسطس/آب الماضي، تعرضت لتقريع وسخرية قاسيين والاتهام بأنها "معقدة وكارهة للرجال"، أما إذا ما حصلت على حقوقها، تفجرت موجة تكفير عارمة كالتي ضربت تونس حين طرحت مسودة قانون المساواة في الميراث.وإذا ارتدت فستاناً جريئاً، فالتهديد بالقضاء يغدو خطوة واقعية اتخذها كثرٌ ضد الممثلة المصرية رانيا يوسف بسبب فستانها في حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي. وإن شاركت المرأة في الانتخابات السياسية، وانتقدت الوضع القائم، فإما أن يسرّب فيديو جنسي بهدف ابتزازها، كما حدث مع المرشحة السابقة للبرلمان العراقي انتظار الشمري، أو يتم تصفيتها بالرصاص كابنة بلدها الحقوقية سعاد العلي، أو تُقتل علناً كما فعل شاب سوري حين أطلق الرصاص على شقيقته بكل فخر أمام الكاميرا.
من السهل ملاحظة العلاقة بين تدهور أحوال المرأة العربية وأفول الأمل بالتغيير. ولم تكن هيئتها وجسدها خارج المعادلة، أو كما تقول سيمون دي بوفوار "المرأة كما الرجل هي جسمها. بيد أن جسمها هو شيء آخر غيرها"، أي أنه لا يمكن النظر إلى جسد المرأة بمعزل عن مفهوم الجسد السياسي، وارتباطه بالبيئة الثقافية والاجتماعية.وعلى الرغم من الهزة التي أحدثتها فكرة كون الجسد أداة للتعبير السياسي، حين أحرق البوعزيزي جسمه ردا على ظلم حكومي في ديسمبر/ كانون الأول عام 2010، وتبعه مئات ألوف المواطنين الذين باتوا في ميادين العالم العربي يتظاهرون ويعتصمون بكيانهم الجسدي، لم تتغير النظرة إلى جسد المرأة، بل بقي من المحرمات.
وصلت اليوم هذه النظرة لتترجم إلى احتقار أية امرأة لا ترتدي ما يناسب الشريعة والتقاليد الاجتماعية، حيث تنالها أشد الشتائم والأوصاف رداً على صورها في وسائل التواصل الاجتماعي، أو تعليقاً على أخبارها في المواقع الفنية أو خلال الحياة اليومية.
هذا التدهور لم يحدث فجأة، بل تدرج منذ حوادث التحرش الجماعي في مصر، وحالات الاغتصاب التي حدثت في ليبيا لنساء محليات وأجنبيات. ولا يمكن نسيان الصورة الفارقة في ديسمبر/كانون الأول عام 2011 لعساكر من الجيش المصري يسحلون فتاة انكشف نصفها العلوي إلا من صدرية زرقاء، في صدمة للمجتمع بنسائه ورجاله، وكأن المرأة تتم معاقبتها على مشاركتها في ثورات الربيع العربي.
ووقع كل ذلك في سياق ترهيب استمر سبعة أعوام كي تعود المرأة إلى البيت، وترسخت معه معايير حول النساء وملابسهن. ولم يعد أحد يتذكر أنها بقيت 18 يوماً في ميدان التحرير حين اختفت فروقات الأجساد الفردية والجنسانية بين الذكور والإناث، وأصبح الهدف واحدا؛ البقاء في الشارع حتى إسقاط النظام.



بي بي سي
Top