• Sunday, 16 March 2025
logo

وزيرة محمد: قصة نجاة من قصف حلبجة الكيميائي

وزيرة محمد: قصة نجاة من قصف حلبجة الكيميائي

 رزقت وزيرة محمد بثلاث بنات قبل أن تُنجب ولداً أسمته "سنكر". وعندما تعرضت مدينة حلبجة للقصف الكيميائي، كانت أماً لسبعة أطفال: خمس بنات وولدان.

في يوم 16 مارس، وبعد الهجوم الكيميائي الذي استهدف المدينة، بدأت تظهر عليها أولى أعراض التسمم بالمواد السامة. وبينما فقدت بعض أطفالها، فقد كانت فاقدة للوعي. وعندما استعادت وعيها، أُبلغت باستشهادهم.

"هورين، أرجين، سنكر، نكين، ورنج"، هؤلاء هم أطفالها الذين فقدتهم جميعًا خلال أقل من 24 ساعة. وكان أرجين الابن البكر في العائلة ويبلغ من العمر 11 عامًا، بينما كان رنج لا يتجاوز السبعة أشهر.

وزيرة محمد، الناجية من القصف الكيميائي، تتذكر تلك اللحظات وتقول لموقع كوردستان24: "والدهم أخذ أحد أثوابي المنزلية وصنع منها كفنًا لابنيّ، سنكر وأرجين، ثم دفعهما بشكل مؤقت إلى جانب أحد الجدران. استغرق الأمر حتى المساء ليتم دفنهما بهذا الشكل، حتى لا تنهش أجسادهما الكلاب السائبة.

وكان لدينا ضيفة، ابنة عدلي، التي توفيت هي الأخرى في القصف. أثناء عودتهم إلى مكان تواجدي، كان زوجي برفقة ابنتي تارا، التي كانت في الصف السادس، وكانت تتمتع بذكاء كبير في دراستها. فقال لها والدها: "عندما نعود إلى المنزل، لا تخبري والدتك بوفاة سنكر وأخيها أرجين، لأن حالتها سيئة. أخبريها أنهما مصابان وأنهما قد نُقلا إلى السليمانية لتلقي العلاج."

بعد جريمة قصف حلبجة بالأسلحة الكيميائية من قبل نظام البعث، حاول زوج وزيرة توثيق المشاهد المروعة التي شهدها عبر نحتها على الخشب وأشجار حلبجة، كوسيلة لتضميد جراحهم والتخفيف من آلامهم.

وتضيف وزيرة محمد لموقع كوردستان24: "حزننا كان لا يوصف. كل عام، منذ الشهر الثاني من القصف، كان زوجي يبدأ بنحت ورسم اللوحات. وكان دائمًا يقول إنه لا يشعر بما يجري في العالم خلال الشهر الثالث، بينما كنت أكتفي بالبكاء وأنا أتصفح ألبوم صور الأطفال. هكذا كان حالنا كل عام، حيث ينحت زوجي صورة وينتهي منها في نهاية الشهر الثالث."

عقب القصف الكيميائي، الذي سمَّم تربة حلبجة ومياهها، سعى شباب المدينة لإعادة إحيائها. من بينهم حسنة محمود، الناشطة البيئية التي عملت لسنوات طويلة عبر منظمة بيئية على إعادة تدوير المواد القديمة والمهملة إلى قطع فنية، كرسالة تحث على الحفاظ على البيئة.

وتقول حسنة محمود لموقع كوردستان24: "نقوم يوميًا بعقد ندوات توعوية للنساء في أطراف حلبجة وأيضًا في مراكز التدريس والأحياء السكنية في المدينة. نركز في هذه الندوات على كيفية إعادة بناء بيئة حلبجة، لأن هناك العديد من الضحايا الذين تأثروا جراء الأسلحة الكيميائية، ونعمل على توعية الناس بطرق التعامل السليم مع مخلفات هذه الأسلحة لتجنب الإضرار بهم مستقبلاً."

ورغم مرور 37 عامًا، لا تزال جراح حلبجة نازفة في قلوب أهالي المدينة. لكن كل عائلة وجدت في قصتها حافزًا للاستمرار والنهوض بالحياة.

في 16 مارس 1988، تعرضت مدينة حلبجة في إقليم كوردستان العراق لقصف كيميائي من قبل النظام العراقي بقيادة الدكتاتور صدام حسين. وكان هذا الهجوم جزءًا من حملة "الأنفال" العسكرية ضد الكورد في العراق.

أسفر الهجوم عن استشهاد ما يقارب 5000 شخص، معظمهم من المدنيين، وأصيب آلاف آخرون بتسمم شديد. شمل القصف استخدام غازات سامة مثل الغاز السارين والخردل.

هذا الهجوم يُعد من أبشع الهجمات الكيميائية ضد المدنيين في العصر الحديث. حيث خلف تأثيرات صحية طويلة الأمد على الناجين، بما في ذلك مشاكل في التنفس، تشوهات خلقية، أمراض جلدية وأمراض سرطانية. بالإضافة إلى ذلك، أدى القصف إلى تسمم التربة والمياه في المنطقة، مما أثر على الزراعة والموارد الطبيعية لأجيال عديدة بعد الهجوم.

تعرضت الحكومة العراقية لانتقادات شديدة من المجتمع الدولي بسبب هذا الهجوم، لكنه لم يتم تقديم المسؤولين للعدالة في ذلك الوقت. ولم يبدأ التحقيق في الهجوم إلا بعد سنوات، مع اعترافات من بعض المسؤولين في النظام العراقي. كانت محكمة الجنايات العراقية قد أصدرت حكمًا في 2007 بإعدام علي حسن المجيد، أحد أقرباء صدام حسين، الذي كان مسؤولاً عن الهجوم الكيميائي.

الهجوم على حلبجة ترك جرحًا عميقًا في المجتمع الكوردي والعراقي بشكل عام. لا يزال الناجون وعائلات الضحايا يعيشون مع تبعات هذا الهجوم. وتُنظم في كل عام ذكرى قصف حلبجة في 16 مارس لتخليد ذكرى الضحايا وللتأكيد على أهمية العدالة والتوثيق التاريخي للجرائم ضد الإنسانية.

بعد القصف، انطلقت جهود محلية وعالمية لإعادة بناء حلبجة من جديد، وخاصة في الجوانب البيئية والصحية. قامت منظمات بيئية بنشاطات لتطهير الأراضي من المواد السامة وتقديم العلاج للمتضررين.

 

 

 

كوردستان24

Top