• Friday, 21 February 2025
logo

الهرش.. حليف قوي في مقاومة العدوى

الهرش.. حليف قوي في مقاومة العدوى

توضح دراسة أجراها باحثون من جامعة «بيتسبرغ» في الولايات المتحدة أن الهرش يؤدي إلى تنشيط الخلايا البدينة العصبية، ما قد يؤدي إلى تفاقم الالتهاب التحسسي، وكذلك إلى تعزيز دفاع الجسم ضد العدوى.

 
تأثيرات متناقضة

وقدّمت هذه الدراسة رؤى جديدة حول التأثيرات المتناقضة للحكة. فمن ناحية يعزز الحك الالتهاب التحسسي، ويزيد من سوء حالات مثل الإكزيما، ومن ناحية أخرى يعزز دفاع الجسم ضد العدوى البكتيرية. وقد يمهد فهم هذه الآليات الطريق أمام مناهج علاجية جديدة تستهدف التفاعلات العصبية المناعية للتخفيف من الالتهاب التحسسي مع الحفاظ على الاستجابات المناعية المفيدة.

يؤدي الهرش أو الخدش scratching إلى تنشيط استجابة مناعية تساعد في حماية الجلد من العدوى الضارة ما قد يفسر بدوره أيضاً سرَّ شعور البشر بالراحة التي تعقب هرش مكان الحكة جيداً. فعندما تهرش أماكن الحكة المتهيجة تتورم الأنسجة، وتطلق الخلايا العصبية المستشعرة للألم جزيئاً لتجتذب الخلايا المناعية المعروفة بخلايا العَدِلات Neutrophils. وفي حين أن من المعروف على نطاق واسع أن الهرش يؤدي إلى تفاقم حالات الجلد، مثل التهاب الجلد، فقد كشفت الأبحاث الحديثة عن دور أكثر تعقيداً.

الخلايا البدينة والحساسية

الخلايا البدينة mast cells هي خلايا مناعية في الجلد تعمل مثل «أجهزة الإنذار» أثناء ردود الفعل التحسسية، فعند تحفيزها تسبب الحكة والشرى hives (عبارة عن بثور مرتفعة مثيرة للحكة تظهر على الجلد) ما يجعل الشخص يحك الجلد. كما أنها تستدعي خلايا مناعية أخرى للمساعدة في مكافحة العدوى ضد المكورات العنقودية الذهبية Staphylococcus aureus

ما الذي ينشط الخلايا البدينة؟ ترتبط المواد المسببة للحساسية بأجسام مضادة للغلوبولين المناعي IgE (بروتينات يصنعها الجسم أثناء الحساسية) على الخلايا البدينة ما يؤدي إلى حدوث رد فعل تحسسي. وتقوم الأعصاب بتنشيط الحك حين الشعور الألم وتطلق المادة P (SP) وهي ببتيد عصبي تفرزه الخلايا العصبية المستشعرة للألم، وتعمل هذه المادة أيضاً على إيقاظ الخلايا البدينة.

وقد يؤدي الحك إلى زيادة تنشيط الخلايا البدينة من خلال الببتيد العصبي ما يؤدي إلى تفاقم الالتهاب، ويجعل الأمر يزداد سوءاً. وفي حين أن الحك يغذي الحساسية، إلا أنه قد يساعد في مكافحة التهابات الجلد عن طريق حشد الخلايا المناعية.

كما تتمتع الخلايا البدينة بحياة مزدوجة، فهي تسبب الحساسية المزعجة ولكنها تدافع أيضاً ضد الجراثيم. والهرش هو مزيج من الاثنين فهو يهدئ الحكة، ولكنه قد يسبب التهاب الجلد. ومع ذلك قد يساعد في علاج العدوى. ولا يزال العلماء يحاولون فك تشابك كيفية عمل هذه المحفزات معاً.

وتظل العواقب الوظيفية لتنشيط الخلايا البدينة من خلال المستقبلات، وكيف يعزز الهرش الالتهاب الجلدي، وما إذا كان الهرش يوفر فائدة، وكلها أمور لا تزال غير مستكشفة بشكل جيد.

الالتهاب الناجم عن الهرش

تلعب الخلايا البدينة دوراً مركزياً في الاستجابات التحسسية، حيث تسهم في الالتهاب من خلال إطلاق الهيستامين والسيتوكينات. وقد توصلت الدراسة الجديدة إلى أن الهرش ينشط الخلايا العصبية التي تستشعر الألم مما يؤدي إلى إطلاق الببتيد العصبي P (SP) حيث يعمل هذا التفاعل على تضخيم تحلل الخلايا البدينة مما يزيد من إنتاج الوسطاء الالتهابيين. علاوة على ذلك يعزز الهرش استجابات الخلايا البدينة المعتمدة على المستضد مما يؤدي إلى تفاقم حالات الجلد التحسسية مثل الإكزيما.

كيف يُغذي الهرش الالتهاب؟ أجرى الباحثون في الدراسة المنشورة في مجلة «ساينس Science» في 31 يناير (كانون الثاني) 2025 برئاسة أندرو ليو بقسم الأمراض الجلدية وقسم المناعة جامعة «بيتسبرغ» في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركية دراسات على الفئران المعدلة وراثياً لاستكشاف العلاقة بين الحكة والالتهاب التحسسي. ووجدوا أن إزالة الخلايا العصبية التي تستشعر الحكة تقلل الالتهاب المرتبط بتنشيط الخلايا البدينة. وتحفز الحكة إطلاق الببتيد العصبي من الخلايا العصبية الحساسة للألم، التي تتعاون مع تنشيط المستضد لزيادة الالتهاب. يؤدي تثبيط إشارات الببتيد العصبي أو منع الحكة إلى انخفاض تنشيط الخلايا البدينة والالتهاب.

أما الفائدة المفاجئة، فهي أن الهرش يقاوم العدوى، ففي حين أن الهرش يعد عاملاً رئيساً في تفاقم الالتهاب التحسسي، تسلط الدراسة الضوء أيضاً على فوائده المحتملة في الدفاع المناعي. وفي نموذج لعدوى الجلد ببكتيريا المكورات العنقودية الذهبية، وُجد أن الهرش يقلل من الحمل البكتيري، مما يشير إلى أن الالتهاب الناجم عن الهرش قد تكون له وظيفة مضادة للميكروبات. ومن خلال تنشيط المسارات العصبية المناعية يسهم الهرش في الدفاع المناعي، بينما يؤدي في الوقت نفسه إلى تفاقم الحالة.

وتقول الدكتورة سارة روس في تعليق مصاحب إن «الهرش سيف ذو حدين، فهو محرك مرضي للحساسيات، لكنه رد فعل وقائي ضد العدوى». وتضيف كبيرة مؤلفي الدراسة أن الخلايا البدينة تعمل بوصفها محوراً يدمج إشارات الأعصاب ومسببات الحساسية لتشكيل الاستجابة المناعية.

تطويرات علاجية

تتحدى هذه النتائج الأساليب التقليدية لعلاج الأمراض الجلدية المصحوبة بحكة. فمضادات الهيستامين الحالية التي تستهدف الهيستامين في الخلايا البدينة قد لا تكون كافية، إذ إن هناك مسارات أخرى هي المفتاح. وقد تركز العلاجات المستقبلية على حجب هذه المحاور العصبية - المناعية. أما تطورياً، فإن الدراسة تفسر استمرار الهرش، وكذلك فوائده في مقاومة العدوى التي تفوق أضراره في الأمراض المزمنة.

ويعيد هذا البحث تعريف الهرش بوصفه سلوكاً تطورياً ذا دورين: فهو ضار لدوره في الحساسيات، لكنه حيوي في الدفاع عن الجسم. ويكشف أيضاً أن التفاعل بين الأعصاب والخلايا المناعية يفتح الباب لعلاجات جديدة للأمراض الجلدية، ويجيب على سؤال طال أمده لماذا نهرش حتى عندما يؤلمنا الحك؟

ويوفر هذا البحث أيضاً رؤى جديدة حول التأثيرات المتناقضة للهرش، حيث يمكن أن يفتح فهم هذه الآليات الباب أمام مناهج علاجية جديدة تستهدف التفاعلات العصبية المناعية لتخفيف الالتهاب التحسسي مع الحفاظ على الاستجابات المناعية المفيدة.

ولا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لاستكشاف العلاجات المحتملة التي يمكنها تعديل تنشيط الخلايا البدينة مما يوفر الراحة للمرضى الذين يعانون من أمراض جلدية تحسسية مزمنة دون التأثير سلباً على الدفاع المناعي.

 

 

 

الشرق الاوسط

Top