• Tuesday, 11 February 2025
logo

نجاح «ديب سيك» يتحدث عن قدرة الصين على رعاية المواهب

نجاح «ديب سيك» يتحدث عن قدرة الصين على رعاية المواهب

بالنسبة للعديد من الصينيين، فإن نجاح «ديب سيك» DeepSeek هو انتصار لنظام التعليم في الصين، ودليل على أنه يساوي نظام الولايات المتحدة أو حتى يتفوق عليه.

 
وتنتج الصين عدداً كبيراً من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، لكنها لم تكن معروفة بالابتكار. قد تساعد العوامل الثقافية والسياسية في تفسير السبب.

خريجو الجامعات الصينية يتصدرون الأبحاث
ووفقاً لمؤسس الشركة الناشئة الصينية التي هزت عالم الذكاء الاصطناعي، فإن الفريق الأساسي من المطورين والعلماء وراء «ديب سيك»، التحقوا جميعاً بالجامعة في الصين. وهذا يتناقض مع العديد من شركات التكنولوجيا الصينية، التي غالباً ما سعت إلى استقطاب المواهب المتعلمة في الخارج.

في حين كان المعلقون الصينيون على الإنترنت يتلذذون بردود الفعل الأميركية الصادمة، أشار البعض إلى العدد المرتفع من حاملي الدكتوراه في العلوم الذين تنتجهم الصين سنويا... «يثبت نجاح ديب سيك أن تعليمنا رائع»، هذا ما جاء في عنوان إحدى المدونات.

وتدفقت الإشادات أيضا من الخارج، إذ قال بافيل دوروف، مؤسس منصة الرسائل «تلغرام»، الشهر الماضي إن المنافسة الشرسة في المدارس الصينية غذت نجاحات البلاد في مجال الذكاء الاصطناعي. وكتب على الإنترنت: «إذا لم تقم الولايات المتحدة بإصلاح نظامها التعليمي، فإنها تخاطر بالتنازل عن قيادة التكنولوجيا للصين».

تعقيدات الواقع الصيني
الواقع أكثر تعقيدا. نعم، استثمرت الصين بكثافة في التعليم، وخاصة في العلوم والتكنولوجيا، ما ساعد في رعاية مجموعة كبيرة من المواهب، وهو أمر أساسي لطموحها في أن تصبح رائدة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025.

ولكن خارج الفصول الدراسية، يجب على هؤلاء الخريجين أيضا أن يواجهوا عقبات تشمل ثقافة الشركات الطاحنة والأهواء السياسية للحزب الشيوعي الحاكم... الذي يؤكد على السيطرة، بدلاً من النمو الاقتصادي، وهو على استعداد لاتخاذ إجراءات صارمة ضد شركات التكنولوجيا التي يعتبرها مؤثرة للغاية.

الاستكشاف الفكري بدلاً من الأرباح
تمكنت شركة «ديب سيك» من التهرب من العديد من هذه الضغوط، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها حافظت على مستوى منخفض وأعلن مؤسسها التزامه بالاستكشاف الفكري، بدلاً من الأرباح السريعة. ومع ذلك، يبقى أن نرى إلى متى يمكنها الاستمرار في القيام بذلك.

قال ييران تشين، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية في جامعة ديوك: «هناك العديد من الباحثين والمهندسين الشباب الحيويين والموهوبين داخل الصين. لا أعتقد أن هناك فجوة كبيرة من حيث التعليم بين الصين والولايات المتحدة من هذا المنظور، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي. لكن القيد يأتي حقاً من أجزاء أخرى».

قوة النظام التعليمي
بالنسبة للعديد من الناس في الصين، ترتبط قوة نظامها التعليمي ارتباطاً وثيقاً بالمكانة العالمية للبلاد. لقد استثمرت الحكومة بكثافة في التعليم العالي، ونما عدد خريجي الجامعات كل عام، الذي كان ضئيلاً في السابق، بأكثر من 14 ضعفاً في العقدين الماضيين. والآن، تحتل العديد من الجامعات الصينية مرتبة بين الأفضل في العالم. ومع ذلك، على مدى عقود من الزمان، ذهب أفضل وألمع طلاب الصين إلى الخارج، وبقي الكثير منهم هناك. وبحسب بعض المقاييس، بدأ هذا يتغير.

وقد خرجت الصين أكثر من أربعة أضعاف عدد طلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في عام 2020 مقارنة بالولايات المتحدة. وتحديداً في مجال الذكاء الاصطناعي، أضافت أكثر من 2300 برنامج جامعي منذ عام 2018، وفقاً لبحث أجرته شركة «ماكرو بولو»، وهي مجموعة بحثية مقرها شيكاغو تدرس الصين.

ووجدت شركة «ماكرو بولو» أنه بحلول عام 2022، جاء ما يقرب من نصف أفضل الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم من مؤسسات جامعية صينية، مقابل حوالي 18 في المائة من المؤسسات الأمريكية. وبينما لا يزال أغلب هؤلاء الباحثين البارزين يعملون في الولايات المتحدة، فإن عددا متزايدا منهم يعمل في الصين.

وقال داميان ما، مؤسس شركة «ماكرو بولو»: «لقد أنتجت كل هذه المواهب على مدى السنوات القليلة الماضية. يجب أن يذهبوا إلى مكان ما». كما جعلت واشنطن من الصعب على الطلاب الصينيين في مجالات معينة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، الحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، مستشهدة بمخاوف الأمن القومي.

وقال ما: «إذا لم يذهبوا إلى الخارج، فسوف يبدأون بعض الشركات» أو يعملون لصالح شركة صينية.

تعاون المؤسسات الأكاديمية مع الشركات
وقالت مارينا تشانج، أستاذة في جامعة سيدني للتكنولوجيا والتي تدرس الابتكار الصيني، إن الحكومة الصينية ساعدت أيضاً في تعزيز العلاقات الأكثر قوة بين الأوساط الأكاديمية والشركات مقارنة بالغرب. لقد ضخت الأموال في مشاريع البحث وشجعت الأكاديميين على المساهمة في مبادرات الذكاء الاصطناعي الوطنية.

ومع ذلك، فإن مشاركة الحكومة هي أيضاً من أكبر التهديدات المحتملة للابتكار الصيني.

وتبارك بكين قطاع الذكاء الاصطناعي -في الوقت الحالي. ولكن في عام 2020، بعد أن قررت أنها لا تملك سيطرة كبيرة على الشركات الكبرى مثل «علي بابا»، أطلقت حملة صارمة استمرت لسنوات على صناعة التكنولوجيا الصينية. وهنا تحول مؤسس «ديب سيك»، ليانغ وينفينغ، إلى الذكاء الاصطناعي.

الشباب يقودون الذكاء الاصطناعي

قال يانبو وانغ، الأستاذ في جامعة هونغ كونغ والذي يدرس ريادة الأعمال التكنولوجية في الصين، إن الذكاء الاصطناعي كان محمياً إلى حد ما من هجرة الأدمغة حتى الآن، ويرجع ذلك جزئياً إلى بصمته السياسية. وأضاف أنه يتوقع ظهور المزيد من الشركات الناشئة الصينية الناجحة في مجال الذكاء الاصطناعي قريباً، بقيادة الشباب. لكنه أضاف أن من المستحيل أن نقول كيف كان سيبدو مشهد الذكاء الاصطناعي في الصين لو كانت بكين أكثر تسامحاً تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى في السنوات الأخيرة. ويتابع: «إن القدرة التنافسية لا تعتمد فقط على نظام التعليم في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بل تعتمد أيضاً على تعاملها مع المستثمرين من القطاع الخاص ورجال الأعمال والشركات الهادفة إلى الربح».

توظيف العلوم الإنسانية مع علوم الكومبيوتر
قد يعتمد نجاح «ديب سيك» على كيفية اختلافها عن شركات التكنولوجيا الصينية الأخرى بقدر ما يعتمد على كيفية مشاركتها لقوتها. إذ تم تمويلها من الأرباح من صندوق التحوط الأصلي. ولقد وصف ليانغ توظيف خريجي العلوم الإنسانية بالإضافة إلى علماء الكومبيوتر، بروح تعزيز أجواء فكرية حرة.

ومنذ النجاح الباهر الذي حققته شركة «ديب سيك»، حثت بعض الأصوات المزيد من الشركات الصينية على محاكاة نموذجها. وأعلن تعليق عبر الإنترنت من لجنة الحزب الشيوعي في مقاطعة تشجيانغ، حيث يقع مقر شركة «ديب سيك»، عن الحاجة إلى «الثقة في المواهب الشابة» ومنح الشركات الرائدة «سيطرة أكبر على موارد الابتكار».

الابتكار يتفتح من دون تدخل
ولكن أفضل طريقة للصين للاستفادة من قوتها العاملة الطموحة والمتعلمة جيداً في مجال الذكاء الاصطناعي قد تكون أن تتنحى الحكومة جانباً (عن التدخل).

وقال ليانغ في مقابلة أخرى: «يتطلب الابتكار أقل قدر ممكن من التدخل والإدارة. وغالباً ما يأتي الابتكار من تلقاء نفسه، وليس كشيء مخطط له عمداً، ناهيك عن تدريسه».

 

 

 

الشرق الاوسط

Top