• Friday, 31 January 2025
logo

ما الذي أغضب إدريس بارزاني على المعارضة العراقية في مؤتمر طهران 1986؟

ما الذي أغضب إدريس بارزاني على المعارضة العراقية في مؤتمر طهران 1986؟


في ذكرى رحيل إدريس بارزاني، ألقى سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستان كلمة قال في جانب منها: "قدم الأخ إدريس الكثير، لكنه نال القليل عند الانتصار".

تمر اليوم 38 سنة على رحيل الزعيم الكوردي إدريس ملا مصطفى بارزاني، وفي مراسم لإحياء هذه الذكرى، تحدث سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني، فاضل ميراني، في خطاب، عن محطات من الحياة السياسية والاجتماعية والشخصية لإدريس بارزاني.

فقال فاض ميراني: "الحديث عن رجل عظيم كالأخ إدريس، ليس بالأمر اليسير الذي يمكن أن يوفى حقه في خطاب أو ندوة، وربما لسنا مؤهلين، أو لا طاقة لنا بالحديث عن كل صفحات حياته".

وفي مقدمة خطابه، قال فاضل ميراني: "كنا قريبين منه (من إدريس بارزاني)، فأنا عرفته في 1986 وكنت معه حتى وفاته، وفي الأيام التي يمكن أن نقول عنها أنها أيام راحة، أيام الراحة والفرح للمناضلين هي تلك التي يشعرون فيها بالانتصار وبتحسن في أحوال شعبه في مجال حماية بلدهم".

وأضاف: "الذين تسموا باسم البيشمركة، وضعوا الموت نصب أعينهم، في سبيل الأهداف المباركة التي اتخذها قائدنا الأعلى إدريس بارزاني، ومن قبله الرئيس بارزاني، ومن قبلهم آخرون في ثورات الكورد، سواء في كوردستان العراق أو في الأجزاء الأخرى من كوردستان".

"ستستمر هذه الثورة طالما بقي هذا الشعب محروماً من حقوقه الإنسانية. لو جرى التفكير من منطلق إنساني، فإن الحق في دولة يدخل في إطار حقوق الإنسان. نحن الكوردستانيون عامة، من الشعوب التي لا تعد من بني البشر في تلك الدول، وهذا أمر يجب أن نتوقف عنده، وفي هذا السياق نشعر جميعاً بالنقص"، هذا جانب آخر مما قاله فاضل ميراني في خطابه.

وأشار سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى أن "هذا كان نهجاً رسمه لنا كبارنا، وينبغي أن يكون فلسفتنا في الحياة والنضال وفي نشاطاتنا، كل حسب ما أوتي من قدرات".

"قدم إدريس بارزاني الكثير، لكنه نال القليل عند الانتصار"

وتحدث فاضل ميراني عن إدريس بارزاني قائلاً: "أود أن تكونوا دقيقين عند الحديث عن قادتنا، أولاً: لكي لا تعرضوا للإحجاف، وثانياً: لنوفيهم حقهم. أنا، سأقول بعبارة كوردية بسيطة إن الأخ إدريس عاش ورحل، ولكن مظلوماً، يقول الثوار الإيرانيون في وصف أبطال جمهورية إيران الإسلامية: المرحوم شهيد مظلوم، قدم الكثير ولكنه عايش الانتصار قليلاً. أنا أرى أن الشهيد إدريس بارزاني كان هذا الشهيد المظلوم، قدم الكثير، لكنه نال القليل عند الانتصار".

فاضل ميراني الذي كان في نفس خندق إدريس بارزاني في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تمنى، وقال: "تمنيت لو أن البارزاني الخالد والأخ إدريس المأسوف على شبابه، وشهداءنا شاركونا اليوم في هذا الانتصار الذي هو في أدنى حدوده يتمثل في أن شعبنا ينعم بحالة نسبية من الاستقرار والسلام والعمران. لا أقول هذا بالمطلق، لأن المطلق عندنا أكثر من هذا الذي نجده الآن، لكننا اليوم هنا، وعلينا أن نعمل من أجل غد أفضل".

"إدريس بارزاني ومام جلال وقعا أول اتفاق مصالحة"

ومضى فاضل ميراني إلى القول إن إدريس بارزاني كان "رجلاً بسيطاً بحكم قربي منه، وبرغم كل ما قيل أو يقال. كان إنساناً زاهداً. زاهداً في السياسة وزاهداً في الدنيا. لم يكن ينام الليل بل يشغله بالتعبد، وكان يضم الليل إلى النهار من أجل البيشمركة واللاجئين ومصير هذا الحزب وهذا الشعب".

وفي جانب آخر من خطابه، قال: "في بدايات انطلاقة ثورة كولان والتعامل مع نكسة 1975 وشؤون اللاجئين وتمويل قيادتنا الموقتة، سهر الأخ إدريس الليالي ليوفد أحدهم إلى كوردستان ويعثر على طريق للقيادة الموقتة، ليعالج شؤون اللاجئين مع الإيرانيين، ثم يتعامل مع شؤون الحزب والعلاقات مع الأحزاب السياسية وصولاً إلى جبهة المصالحة، وخاصة بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني التي كان الأخ إدريس مهندسها ومنفذها، كنت بين يديه في العام 1986 في طهران عندما وقع مع المرحوم مام جلال مذكرة التفاهم الأولى بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد الحرب المشؤومة بين الحزبين".

"لو كان إدريس حياً لكن ضعف ما نحن عليه"

يقول فاضل ميراني: "ببساطة وباختصار، أذكر مرة أخرى حيث عقدت ندوة في شقلاوة في 1998 بمكتب تنظيم البيشمركة، وقلت: لو أن الأخ إدريس كان حياً لكنا ضعف ما نحن عليه اليوم. أكرر قولي هذا اليوم، مسأة كوننا ضعف ما نحن عليه معنوية، لكني أقول إن الأخ إدريس كان دائماً جامعاً للشمل في مجال العلاقات الداخلية الكوردستانية، حتى عندما كنا في الثورة واحتجنا لأمر في الداخل، كان عنده كراس صغير، وكان عنده من يحمل رسائلنا إلى داخل العراق، وكنا نتلقى الردود عليها منه".

"في مجال العلاقات الاجتماعية، كان صدر الأخ إدريس رحباً، كان واسع الفكر، كانت لنا نظرة للمسلحين التابعين للحكومة وكنا نطلق عليهم تسمية معينة، بينما كانت لكاك إدريس علاقات سرية من نوع آخر ولمصالح أخر، وكانت الأيام تثبت أنه كان محقاً أكثر منا"، قال فاضل ميراني.

"يستطيع الأخ نيجيرفان أن يواصل نهجه"

واصل فاضل ميراني خطابه قائلاً: "إن حكمة المرحوم إدريس تتجلى في تربيته لأبنائه تربية حسنة، ونرى ثمارها اليوم في أبنائه، فمثلاً يستطيع الأخ نيجيرفان اليوم أن يواصل نفس النهج كالابن والأب".

وأضاف: "نحن جميعاً أبناء هذا الحزب وأبناء ملا مصطفى. أبناء ملا مصطفى هم أبناؤه بالنسب والدم، لكننا أبناؤه بإرادتنا ونحن معه منذ زمن طويل. لا نمنّ عليهم بذلك، هذه هي التربية التي تربينا عليها في مدرسته".

"نصيحة إدريس بارزاني لأعضاء القيادة"

وعن نهج البارزاني، يقول فاضل ميراني: "تعلمنا ألا نتخلى عن رفاقنا وسنظل كذلك. كان له (إدريس بارزاني) دور عظيم في التربية داخل عائلة البارزاني المحترمة. عندما أصبحنا أعضاء في القيادة في العام 1979، جلس معنا ومع مجموعة منا وقال: أصبحتم مسؤولين، وإليكم هذه النصائح: أولاً: التقوا الناس ما استطعتم، عندما يأتي شخص لزيارتكم، لا تملوا من لقاء الناس. أنتم تستفيدون؛ إنهم يعرفونكم كأعضاء قيادة؛ لكنكم لا تعرفونهم. إذا لم تنفذوا طلباتهم تخسرون صديقاً وتخلقون مشكلة. ثم أضاف: كل إنسان له صفحتان في حياته، صفحة الحسنات وصفحة السيئات. إذا أسندتم مسؤولية لشخص ما فلا تفعلوا ذلك على أساس صفحة حسناته فقط، حتى لا تثقلوا عليه ويعجز عن حملها. لكن إذا حاسبتم أحداً فلا تحاسبوه على صفحة سيئاته فقط حتى لا تكون عقوبتكم قاسية".

"إدريس بارزاني يصبح المتحدث الرسمي للوفد الكوردي"

وأشار فاضل ميراني إلى مؤتمر طهران 1986، يقول: "في مؤتمر نصرة الشعب العراقي في كانون الأول 1986 في طهران، كنت معه مرة أخرى. كان المرحوم علي عبدالله سكرتيراً للحزب، وكانت الأحزاب الكوردستانية والعراقية (المعارضة) حاضرة. عندما وصل الأمر إلى حل القضية الكوردية، في البيان الختامي، اختارت المجموعة الكوردية (جميع الأحزاب) المرحوم الأخ إدريس متحدثاً رسمياً باسم الوفد الكوردي".

وأضاف: "أقولها للتاريخ، قالوا جميعاً: كاك إدريس، كل ما تقوله بخصوص القضية الكوردية سنتبعه وأنت الأخ الأكبر لنا جميعاً".

لماذا لم يقبل مام جلال أن يتقدم على إدريس بارزاني؟

يقول فاضل ميراني: "بنفس المناسبة عندما ذهبنا إلى فندق الاستقلال للتفاوض، كانت تلك المرة الأولى التي ألتقي فيها مام جلال، رحمه الله. عندما دخلنا القاعة، أمسك الأخ إدريس بيد مام جلال وجعله يتقدم عليه. فقال: لا سيدي! أنا ما زلت المريد القديم، لا أستطيع أن أتقدم عليك، أنت ابن ملا مصطفى".

ما الذي أغضب إدريس بارزاني على المعارضة العراقية آنذاك؟

يقول ميراني: "قلنا: حل القضية الكوردية يجب أن يكون على أساس اتفاقية 11 آذار، أي الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، لكن الأحزاب الإسلامية الشيعية العراقية رفضت وقالت: سنبت في هذا بالتصويت. نظر الأخ إدريس إلى باقر الحكيم وقال: 'أتحيلون القضية الكوردية للتصويت؟' وأشار إلى شخص وقال: 'جاء هذا باسم أحد الأحزاب، كان هذا هارباً وأنا من أرسله من حاجي عمران إلى أستراليا، والآن يأتي ليصوت على القضية الكوردية؟ عار عليكم'، ورد عليهم بشدة وقال: 'اسمع يا سيد!' وهز إصبعه وقال بالعربية: 'إذا لم يقر حق الكورد في اتفاقية آذار، سنكون في حل من التزاماتنا أمام هذا المؤتمر من الألف إلى الياء'. وقال: 'نحن الكورد سنخرج من المؤتمر ببيان'".

وقال ميراني: "في ذلك الوقت لمست الأخ إدريس وقلت له: تمهل قليلاً. فقال: هؤلاء يفهمون هذه اللغة، وأنا أتحدث إليهم بلغتهم".

كان رئيس المجلس الأعلى الشيعي في لبنان آنذاك محمد مهدي شمس الدين، حاضراً في المؤتمر. يقول سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني: "توجه إلى الإخوة الشيعة العراقيين وقال: رأيت أموراً غريبة خلال هذين اليومين أو الثلاثة أيام في المؤتمر. سألوه: ما هي؟ قال: أنتم تقولون للشعب الكوردي إخواننا الأكراد، حسناً، تمنعكم عروبتكم من أن تقولوا الأمة الكوردية، فعلى الأقل قولوا الشعب الكوردي، وأضاف: أستغرب أنكم في طهران، وصدام هناك يقول: الشعب الكوردي والحكم الذاتي لكوردستان العراق، ولديه مجلس تنفيذي ومجلس تشريعي وإدارات، أتعجزون أن تكونوا مثل صدام؟ لا أرى هذا لائقاً ولا صحيحاً، يجب إقرار حق الشعب الكوردي في الحكم الذاتي وإذا لم تعطوهم أكثر فلا يجب علينا نحن الشيعة أن نعطيهم أقل".

"أقنع جمهورنا واتفق بجرأة مع مام جلال"

وأضاف سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني: "اتفاقنا مع الاتحاد الوطني الكوردستاني في العام 1986 لم يكن سهلاً، تعلمون أنه جاء بعد حرب 1983، لكن إدريس وحده بجرأته وحكمته، أقنع من معه وتقدم بجرأة ووقع الاتفاق مع مام جلال".

"المعاصرو للأخ إدريس كثيرون جداً، لا يمكن الحديث عنه كفاية في ندوة أو مقال أو كتاب، لكن الذين يتحدثون عنه، الذين يكتبون له أو عنه، يجب أن يعودوا إلى المصادر الصحيحة وألا يكون هناك اجتهاد،" هذا جزء آخر من خطاب ميراني.

وفي ختام خطابه قال فاضل ميراني: "يجب علينا جميعاً أن نكون مؤهلين بما يكفي عندما نتحدث عن إدريس لكي نوفيه حقه، لأننا إذا قلنا شيئاً لم يكن في تاريخه، نكون قد ظلمناه، وإذا فعل شيئاً ولم نعرف عنه لنذكره فهذه مشكلة، لكن إذا عرفنا ولم نقل، فهذا إجحاف نرتكبه في حقه".


 

 

نقلاً عن روداو

Top