• Sunday, 06 October 2024
logo

بزيشكيان واختراق الجدار الشيعي للدولة الإيرانية

بزيشكيان واختراق الجدار الشيعي للدولة الإيرانية

شيروان الشميراني

من أجل فهم الحقائق أو التغيرات المنتظرة والتي كانت متوقعة في إيران بعد الانتخابات الأخيرة التي جاءت بـ"مسعود بزيشكيان" رئيساً محسوباً على التيار الإصلاحي للبلاد، لا بد من ذكر حقيقتين متعلقتين بالانفتاح المؤسسي على المكونات العرقية والدينية الآخرى من غير الشيعة:

أولاً: - لم تر الدولة الإيرانية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية سنة 1979 بعد حكومة شهبور بختيار [قتل بالطعنات في الصدر داخل شقته في باريس عام 1991] مسؤولاً كبيراً سيادياً أو غير سيادي من الشعب الكوردي ومن أهل السنة عموماً، حيث ليس السنة كلهم محصورون في القومية الكوردية وإنما للقومية الفارسية في المناطق الشرقية كثيرون ممن ينتمون الى المذاهب السنية، لكن الشعب الكوردي هو من يشكل الغالبية الساحقة لأهل السنة في إيران بنسبة تدور حول 10% وأكثر.

ثانياً:- نظراً للإنغلاق المذهبي الحاصل في إيران بعد النص على إسلامية الجمهورية، وحصر ذلك في المذهب الجعفري الإمامي الإثني العشري، فقد كان الحرمان هو نصيب السنة كورداً وفرساً، فهم محرومون بنص الدستور من الترشح لرئاسة الدولة، كما ان السيطرة الشيعية غير المحايدة فكرياً، والمحطات التي مرت بها الجمهورية الجديدة أقفلت الأبواب بوجه السنة عموماً والكورد خصوصاً، بمعنى أن الحكومات الثلاث عشرة التي أدارت البلاد من طيلة أربعة عقود ونصف لم تتضمن وزيراً كوردياً أو سنياً، ولا سفيراً أو من ينوب عنه، وهم عددهم يدور حوالي خمسة عشر مليون شخص يعيشون حالهم حال الفرس أو الترك الآذريين الشيعة، يؤدون كامل الواجبات التي يلقيها الدستور على عاتقهم، لكنهم لا يتمتعون بكامل الحقوق التي ينبغي لهم، لأن الدستور حرمهم منها، بمعنى أن الدستور هو الذي ضيق عليهم حقوق المواطنة الكاملة، ولا تأتي الحقوق بمستوى الواجبات التي يؤدونها، أهم هذه الواجبات هو أداء الخدمة العسكرية والانخراط في الجيش النظامي.

خلال الشهور الماضية حيث كانت الجمهورية الإسلامية تخوض حملة الانتخابات بعد وفاة المرحوم إبراهيم رئيسي، كنت من المتابعين الجادين لإعتبارات عديدة، كان النقاش صريحاً لحد الاعجاب بين المرشحين "سعيد جليلي" الذي كان يمثل النظام الحاكم أو جناح المحافظ المتشدد داخل الشعب الإيراني، و"مسعود بزيشكيان" مرشح التيار الإصلاحي، التيار الذي تشكل منذ عقود، لكنه اتخذ في الآونة الأخيرة هيكلية من الوجوه البارزة والتخطيط الجماعي لمن يرون نقاط خلل كثيرة في طبيعة الحكم، كانت إحدى النقاط التي وجهها بزيشكيان دون تردد وبوضوح وتكرار مستمر هي غياب ممثلي الأقوام والمكونات الدينية الأخرى للشعب في إيران داخل الدولة والحكومة، وكان يضرب المثل بغياب ممثل كوردي في الدولة وهم ملايين من الناس، وإذا وجدوا فإنهم موالون للنظام ومن المنتمين للمذهب الشيعي وليسوا من أهل السنة، هنا وعد بكسر هذا الحصار وإختراق هذا الجدار للدولة، لأنه هظم للحقوق، وكذلك قضية المرأة وحرياتها.

وكان وزير الخارجية الأسبق، مهندس الإتفاقية النووية مع الغرب محمد جواد ظريف، ممن يرون ويشجعون المضي في هذه الفكرة الإصلاحية والحقوقية، وتحمل عبأً كبيراً في الترويج لبرناج بزيشكيان، إلا أنّ المفاجأة التي أذهلت الشعوب الإيرانية التي صوتت لصالحه من غير الشيعة، فقد قدم الرئيس الإصلاحي أعضاء حكومته للبرلمان لكن لم يكن وفياً لوعوده التي أطلقها وتميز بها في خطاب الحملة الانتخابية.

ربما الحكم الأولي عليه وهو حق، أن الرجل تخلف عن وعوده التقدمية، وتراجع عن وعوده الإصلاحية، ولهذا كان تقديم محمد ظريف الإستقالة من منصب نائب الرئيس للشؤون الستراتيجية سريعاً وتقديم الاعتذار للشعب الإيراني، ظريف كان يريد حضوراً نسائياً في الحكومة وشبابياً وكوردياً سنياً، لكن هناك من يؤول، والمحلل يمكنه رؤية بعض الأعذار، أول هذه الاعذار أن البرلمان مسيطر عليه من التيار التقليدي المناوئ والمنافس الذي قليل التفاهم والتفهم بطبعه، وربما لو فعل ذلك لما كان للحكومة الحصول على الثقة، وهذا أمر حدث في السابق، لكن يمكن إبطال هذا العذر بأن الحذر ليس لحد التراجع الى مستوى الصفر من الوعود، ربما يمكن تفهم عدم الاستزادة تجنباً للإستفزاز، أما الخضوع الكامل، فهو مما لا يليق بجرأة رئيس جاء إصلاحياً وليس محافظاً.

بعد النقد الشديد الذي وجه الى الرئيس الجديد، وخلو الحكومة من عنصر غير شيعي، كما هو الحال مع الدولة كلها في مؤسساتها الرسمية السيادية والحاكمة، دفع به الى تعيين نائب له لشؤون التنمية الريفية والمناطق المحرومة، وهو "عبد الكريم حسين زاده" كوردي سني يمثل (نغدة - شنو) في البرلمان، شاب طالما كان يندد ويذكر بابتلاع الحقوق السنية الكوردية من قبل النظام الحاكم، هناك من يرى في هذا التعيين بادرة جيدة يمكن القبول بها، لكن المنصب ليس له دخل كبير في إدارة الدولة، مع احتمال تقديم والتخطيط للخدمات في المناطق المظلومة ولشعبه بالطبع، في كل الأحوال هو إختراق للجدار الشيعي للدولة الإيرانية التي وضعت في وجه الآخرين، خطوة لا يمكن التسرع برفضها أو القول بكفايتها، ينبغي الترقب لما يجب ان يأتي، وإن كان الإصلاح الكامل الذي يعطي حقوق المواطنة لجميع الإيرانيين يحتاج الى التعديل في الدستور في مواد نص الدستور نفسه على أنها غير قابلة للتعديل.

والتحدي الأكبر هو في التصاعد الكمي والنوعي في هذا الإنفتاح نحو التعدد المكوناتي وكذلك الحفاظ على الخطوة الأولى المخترقة للجدار في السنوات أو الحكومات المقبلة في حال فوز الطرف الممثل للنظام التقليدي الحاكم.

 

 

 

روداو

Top