الكورد في غربي كوردستان وسذاجة الرقص على حافة المتغيّرات السياسية
عزالدين ملا
يبدو أن النخب الكوردية في غربي كوردستان إن كانت سياسية أو ثقافية أو علمية أو اقتصادية - بالرغم من تعرضها إلى لفحات سعير نار الأزمات المتتالية التي مرّت بها الأزمة السورية خلال سنواتها الماضية- مازالت تعتمد على انفعالاتها العاطفية في تحليلها لمجريات أحداث الأزمة في منطقة الشرق الأوسط عامة وفي سوريا على وجه الخصوص، ولإقناع مكنوناته الداخلية من خلال الميل إلى صغائر الأمور، وتقنع نفسها ببعض الانتصار دون الإدراك أن كل تلك الصغائر لا تشكل شيئاً ولا أجزاء من الجزء في سياسة الدول ولا يعيرون لها أي اهتمام، بل على العكس قد تكون ذلك في خدمة اجنداتها، مثلاً عند قيام مباراة لكرة القدم بين منتخب تركيا مع منتخب دولة ما أو منتخب إيران ومنتخب دولة ما، فيعلن منفعل عاطفي انتصاره عند هزيمة منتخب تركيا أو إيران، ويبدأ معه لعبة سياسة العاطفة لديه، وكأنه حرّر ما كان مقيداً.
وهكذا، تبقى العاطفة الكوردية هي المسيطرة على فهم الأمور في جوانب تخندقات السياسة، ولم يتمكن حتى الآن الخروج من ذاك الانفعال الذي كان السبب الرئيسي في بقائه أسير رغبات وإملاءات الآخر دون وعيه، فيتحكم الآخر بكل تفاصيله، إن كانت ثقافية أو اجتماعية أو سياسية.
إن التحديات الكبيرة التي تُلقي بظلالها على كافة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب الكوردي في غربي كوردستان (كوردستان سوريا)، تدفع بالمجتمع الكوردي إلى فرض انفعالاته العاطفية في تحليل الأمور وتفسير مجريات التحركات الآنية بين الدول الإقليمية والكبرى، فيؤدي بتحليلاته إلى التخبط وعدم القدرة في فرز المصالح السياسية فيختلط لديه بين ما هو لصالح قضيته والسير فيه وبين ما هو ضده ليتجنبه، وهكذا يظهر على المناخ العام لديه الإرباك وعدم السيطرة على عواطفه، فتتحول هذه إلى اتهامات داخلية بين الكورد أنفسهم وتوجيه فشل رؤيتهم السياسية بين بعضهم البعض بالعمالة والارتزاق والخيانة، وهذا كله يأتي من ضعف مآلات السياسة لدى القيادات السياسية في غرب كوردستان حتى الآن.
إن تحليل الكوردي حول ما يتم تداوله في الأوساط الإعلامية عن التقارب بين النظامين التركي والسوري، بأن هذا التقارب مستحيل أو لا يمكن أن يحدث مثل هكذا تقارب ، فيبدأ بترويج تحليلاته دون البحث عن أن لا مستحيل في السياسة، وإن حدث هذا التقارب أين معادلة الكورد في سوريا منها؟! وكيف السبيل لتجنب أي سيناريو معاكس يقلب المعادلات السياسية الآنية؟! وهل نسيَ الكورد السوريون المتغيرات في المعادلات الدولية إبان الحرب العالمية الأولى، والتي كانت حصة الكورد قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حق تقرير مصير في دولة كوردستان المستقلة ، ألم يقرؤوا التاريخ كيف أن ما كان مستحيلا أصبح حقيقة؟! وكيف أن ما كان حقيقة أصبح مستحيلاً؟! في السياسة لا يوجد مبدأ أو قانون ثابت، بل متغير وقابل للتبديل في أي لحظة، والسياسة وحسب ما اعتقد أساس المفاجآت، قد تنام وتستيقظ على حدث مفاجئ كُنت تعتبره مستحيلاً.
رغم أن الكورد باتوا يدركون أن السياسة هي سعي لتحقيق المصالح، وأن المصلحة هي الهدف الأول الذي تسعى إليه الدول والأنظمة في سلوكها السياسي الداخلي والخارجي. وباتوا على قناعة تحقيق المصلحة الداخلية لدولة ما يتم بإحدى الطريقتين إما بالسلم وحسب قواعد القانون والأعراف الدولية أو بالحرب والصراع وما يصاحبهما من خداع ومناورة وتآمر، ومع ذلك مازال الانفعال العاطفي هو المسيطر على مدارات مدارك الكورد في كوردستان سوريا.
كما أن المثقف والسياسي الكوردي في كوردستان سوريا، يقتنون كتاب مكيافيلي "الأمير"، ويقرؤون سطوره، وما تحتويه صفحاته من مفاهيم عن السياسة وكيف جردت من الأخلاق أو فلنقل أصبحت للسياسة أخلاقياتها الخاصة بها، وكيف أن أخلاقياتها هي الحرب والخداع أو التآمر والإرهاب، وكيف تتحقق المصالح أو الأهداف في عالم تتناقض فيه المصالح، كما ويبرر للدول نهج ما تراه ضرورياً من وسائل وهذا هو توصيف نظرية (السياسة الواقعية) للسياسة، والسياسة التي تقوم على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وإن السلم والحرب وجهان لعملة واحدة، وما لا يمكن تحقيقه بالقانون وبالسلم يجوز تحقيقه بالحرب والخداع والتآمر، ومع ذلك لا يمكن للكوردي الخروج من قوقعته العاطفية.
عليه، أن مَن أدرك هذه المدارات والمدركات السياسية هم قيادات إقليم كوردستان وخاصة الرئيس مسعود بارزاني الذي يعمل بما تُمليه السياسة وفق المصلحة الكوردية بالتوازي مع مصالح أصحاب القرار والدول المتنفذة على الساحة الإقليمية والدولية ، وهذا ما يُسمّى بالسياسة الذكية، التي تأخذ بكل الاحتمالات، فتعمل علنا ضمن القانون والشريعة والمبادئ الإنسانية ، ولكنها لا تسقط من حساباتها التآمر والخديعة لأن مواقف وسلوكيات الطرف الآخر في العلاقة السياسية ليست مضمونة دائما، ولأن المصالح غالبا في حالة تضارب، وكما عرَّف جوليان فروند وهو أحد علماء السياسة، بالقول، إنها تشبه كيس سفر به ما شئت من الأشياء، القانون، الحرب، الأخلاق، الخداع، المناورة، الإرهاب الخ، لذا ما يقوم به رؤساء إقليم كوردستان من سياسة ذكية تدخل بمجملها في خدمة القضية الكوردية دون أن يتناسوا الوجه الآخر للسياسة، بل يناورن على مبدأ مصلحة مقابل مصلحة ليتحقق توازن المصالح لصالح المصلحة الكوردية بالتوافق مع مصالح الدول الإقليمية والكبرى.
من هنا، يجب على الكورد في غربي كوردستان أن يدركوا إن التآمر هو قلب السياسة، ونقصد به أن ما لا تستطيع السياسة تحقيقه بالمكشوف وعن طريق القانون والاتفاقيات، تسعى لتحقيقه عن طريق الخداع والمناورة، وكل دولة من دول العالم لها سياستان: سياسة معلنة مزيّنة بشعارات ومبادئ أخلاقية وقانونية، وسياسة سرية أو خفية يرسمها استراتيجيون وأجهزة المخابرات يطبقونها بالخفاء، أو يلجؤون إليها وقت الحاجة.
باسنيوز