• Tuesday, 16 July 2024
logo

في الغرب .. آفة ومحارب أسمر

في الغرب .. آفة ومحارب أسمر

مصطفى عبدالوهاب العيسى

 

من المُعيب حقاً أن نكون على أعتاب الربع الثاني من القرن الواحد والعشرين ونكتب عن العنصرية وندعو إلى حلول جذرية لها .

هل يشكو الغربُ جهلاً في بنية المجتمع الثقافية أو ضعفاً في المؤسسات التعليمية أو عدم تطبيقٍ للقوانين حتى نُنظّر عليه في الشرق ، ونشرح له ألف باء العنصرية وأضرارها المجتمعية وأخطارها الكبيرة .

ملاعب الرياضة الأكثر شعبية حول العالم (كرة القدم) أزاحت الستار عن عنصرية مقيتة لا تزال نسبة من الغرب لا بأس بها تمارسها علناً دون خوف أو حياء .

قبل عدة أسابيع كسب نجم فريق نادي ريال مدريد الإسباني (فينيسيوس جونيور) إحدى دعواته لمحاربة العنصرية ، ولكن المشكلة أن هذه القضية أدانت ثلاثة أفراد فقط من بين عشرات الآلاف التي تهاجم هذه الجوهرة البرازيلية في ملاعب إسبانيا وأوروبا .

ربما تكون فقط قوانين الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أكثر صرامة من غيرها في التعاطي مع الإساءة العنصرية ، إلا ان باقي الاتحادات كالإيطالية والإسبانية وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي لا تزال تتعامل مع الإساءات العنصرية باعتبارها أحداثاً شبه طبيعية ، وما يُزعج حقاً هو بعض المُعلقين والمحللين والإعلاميين العرب وصُناع المحتوى في الشرق الذين أدانوا تصرفات الجماهير العنصرية ، ولكنهم باتوا يلقون اللوم على بيليه القرن الواحد والعشرين (فينيسيوس جونيور) باعتباره لاعباً محترفاً وأبرز المرشحين للفوز بالكرة الذهبية ، وأنه عليه أن يتلقى الإساءات العنصرية والسباب والشتائم دون أن يعير لها بالاً ، ويصب تركيزه على لعب كرة القدم فقط .

لا أعلم حقيقة كيف سمحت لهم أنفسهم بلوم شاب في مطلع العشرينيات و إنسان قبل كل شيء من لحم ودم يتعرض بسبب لون بشرته لكل هذا الهجوم العنصري منذ أكثر من خمس سنوات .

إن حضارة الغرب اليوم تواجه آفة حقيقية اسمها العنصرية وخطراً كبيراً يهددها ويهدد بقائها ويُنذر بكوارث مستقبلية إن لم يتم تدارك هذا التمييز الحاصل على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الأصول الإثنية ، ومشاعر الكراهية العلنية والعدوانية التي تزداد في ملاعب كرة القدم ليست مظاهر العنصرية الوحيدة ، وإنما هي التي أخذت حصة الأسد من تسليط الإعلام للضوء عليها بشكل اكبر من غيرها .

نعلم بأن كرة القدم لم تعد لعبة شعبية فحسب ، وإنما أصبحت صناعة جبارة ومؤثرة في الاقتصاد واسواق الأسهم والإعلام وحتى السياسة ، ولكنها برأيي ستبقى اللغة الأكثر انتشاراً التي تتحادث بها الشعوب وجسراً يتواصل به الإنسان مع أخيه الإنسان .

فجوة كبيرة بين ملاعب كرة القدم في الشرق والغرب من حيث الاحترافية والأداء واللاعبين والمستوى والأكاديميات وو .. الخ ، والكفة ترجح طبعاً للغرب ، ولكن عادات وتقاليد الشعوب والأديان في الشرق والحضارة الإنسانية والسماحة المتجذرة في نفوس شعوبه جعلته يتفوق على الغرب بوأد العنصرية واجتثاثها منذ زمن طويل رغم ما يطلق على بلدانه من أسماء  كبلدان العالم الثالث أو المتخلف .

رغم حداثة سن كرة القدم في الشرق إلّا أننا لم نشهد أحداثاً دامية في أكبر دوريات المنطقة (دوري روشن السعودي) ، ولم نلاحظ تمييزاً عنصرياً في ملاعبنا المتواضعة ، ولم يُثار الجدل على قضية بشعة في المباريات التي تضم عشرات الآلاف من الجماهير ، بل إنه رغم حداثة سن كرة القدم في المنطقة فإنها كانت فرصة لإظهار بعض ملامح الشرق الإنساني والأصيل ، فها هو مثلاً رئيس حكومة إقليم كردستان العراق السيد مسرور البارزاني يستقبل بنفسه بعض اللاعبين من جنسيات وألوان وأعراق مختلفة قبل أشهر في إطار إحدى المباريات التي أقيمت في دوري أبطال آسيا مُصرحاً حينها بأن أهمية كرة القدم لا تقتصر على إسعاد الجماهير ، بل لها دور مهم في التقريب وتعزيز المودة بين الشعوب .

العنصرية وباء وبركان كامن سيدمر الحضارة الغربية إذا لم يتم التعاطي مع هذا الوباء بمسؤولية وجدية ، وأخطار المشاكل الاجتماعية التي ستتفاقم في المجتمعات الغربية أكبر بكثير مما تتوقعه الدراسات والأبحاث ، والحروب الأهلية لن تكون إلا البداية ، وهذا فضلاً عن الأمراض النفسية التي ازدادت معدلاتها في السنوات الأخيرة مع زيادة ممارسة العنصرية بمختلف أشكالها في الحياة العامة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي .

لا بد اليوم من تعزيز دور التقنية الحديثة في مراقبة وملاحقة ممارسي العنصرية ، واعتمادها قضائياً في جميع الدساتير حول العالم ، ولا بد من سن قوانين جديدة اكثر صرامة في تجريم العنصريين ومحاسبتهم ، بل وأذهب أبعد من ذلك بأن تتم ملاحقة القائمين بأعمال عنصرية عن طريق الإنتربول الدولي .

من الضروري اليوم أن يكون هناك تعاون جاد بين جميع دول الاتحاد الأوروبي خاصة وباقي الاتحادات عامة في مكافحة العنصرية ورفع مستوى الوعي بأضرارها التي تتجاوز آثارها السلبية على الحضارات آثار أشد الأوبئة فتكاً بالمجتمعات ، أما واجبنا كأفراد وشعوب هو السعي الحثيث في تربية أبنائنا تربية سليمة نحاول بها خلق بيئة عادلة أكثر محبة وتسامحا ، وأن نعبر بكل قوة وغضب عن تضامننا الكامل ودعمنا الدائم لضحايا العنصرية بكافة السبل والإمكانيات المتاحة  والوسائل المشروعة .

فينيسيوس جونيور ليس بروفسوراً في الفلسفة مثل مارتن لوثر كينغ ، وربما لا يملك صلابة روزا باركس ، إلا أنه لا يقل شأنا عنهما ، وهو ليس مجرد لاعب كرة قدم ، بل ثائر قال : لا للعنصرية ، وحمل مشعل مكافحتها بعد روزا باركس ، ومحارب حر ورث عن مارتن لوثر كينغ خدمة القضية النبيلة .

 

 

 

كوردستان24

Top