جيان الايزيدية كوردية
معد فياض
في شهر آب عام 2014 كنت في زيارة صحفية الى دهوك عندما بدأت اولى العوائل الايزيدية تصل الى المدينة هاربة من هجوم تنظيم داعش الارهابي على سنجار. وقتذاك سالتني طفلة اسمها جيان، ايزيدية عمرها 13 سنة باللغة الكوردية، وكان هناك من يترجم لي حديثها، قالت" عمو اريد اعرف لماذا هجموا علينا جيراننا المسلمين العرب وخطفوا ابنة عمي، هؤلاء الذين كانوا ياكلون من خبزنا. هل لاننا ايزيديين ام لاننا كورد؟".اجبتها ببساطة لانهم مجرمين.
لم تكن هذه الطفلة تفهم بالسياسة ولا تعرف الكثير عن الدين او القومية سوى انها متاكدة بانها كوردية أيزيدية، وكان سؤالها بريئا مثلها.
الانتماء القومي لا يشترى باموال ولا يتم باوامر رئاسية او وزارية ولا بتهديدات مسلحة، بل هو مثل شجرة تمد جذورها عميقا في الارض ولا يتم اقتلاعه الا باقتلاع الجذور، فكيف اذا كانت هذه الجذور قوية ومتجذرة في ارض صلبة، وقد تغذت كل اغصانها من مياه وتربة الارض المزروعة فيها منذ الاف السنين.
هكذا هم الكورد الايزيديون المزروعين في هذه الارض من ان وجدوا في التاريخ، كورد، آبائهم واجدادهم واجداد اجدادهم ينتمون للقومية الكوردية، وكل المصادر تؤكد كورديتهم، اتحدث عن المصادر التاريخية غير الكوردية، التي تبرهن بالدلائل العلمية والعملية ان الايزيديين كورد ولا علاقة لهم بالعرب والعربية.
العرب او العربية وصلت الى مناطق كوردستان منذ اقل من الف و200 عام تقريبا مع الغزوات العربية، غزوات القبائل التي جاءت من الجزيرة العربية بقصد الحصول على الغنائم وسبي النساء والقتل، وتسترت باسم الدين الاسلامي وسميت بـ (الفتوحات الاسلامية)، مثلما حدث للاسبان بعد غزو طارق بن زياد لاسبانيا، فهل لنا ان نقول ان الاسبان عرب لانهم استعمروا من قبل العرب المسلمين؟ وهل لاي مؤرخ منصف ان يقول ان الكورد عرب لانهم مسلمون او لانهم استعمروا من قبل العرب ونلغي خمسة الاف سنة من تاريخهم وانتمائهم وكورديتهم؟
هذا بالضبط ما حدث للايزيديين وللزارادشتية الديانة الاصلية للكورد والتي هي اقدم بكثير من الدين الاسلامي، او ما يحدث اليوم مع الكورد الايزيديين الذين لم تستطع الغزوات العربية ان تلغي ديانتهم ولا كورديتهم فتعرضوا لمئات السنين، او منذ بداية الغزوات او ما تسمى بالفتوحات الاسلامية، مرورا بالهجمات العثمانية المتكررة عليهم وتهديم معابدهم، وحتى هجوم تنظيم داعش الارهابي عليهم في آب 2014، الى القتل وسبي نسائهم وتدمير بلداتهم.
المعادلة هنا خطيرة، فاما ان يتنازل الايزيديين عن ديانتهم وقوميتهم او يتعرضون لمجازر جماعية وتداس معابدهم وتحرق كتبهم المقدسة، كما حصل على يد العثمانيين الذين اعتبروهم كفرة واحرقوا كتاب الجلوة وهو أحد الكتابين المقدسين للديانة الايزيدية مع مصحف رش.
كل المصادر التاريخية تؤكد بان كتابي (الجلوة) و(رش) والنصوص الايزيدية وادعيتهم المقدسة مكتوبة باللغة الكوردية وهم يتحدثون أساسًا بالكورديّة، وان صلواتهم وأدعيتهم وجميع طقوس دينهم باللغة الكوردية.
الحملة اليوم لتجريد الايزيديين من قوميتهم الكوردية تذكرنا بحملة النظام السابق، وتحت التهديد بالسلاح والمغريات المالية، الذي كان يصر على ان الايزيديين عرب، ففي لقاء لصدام حسين مع شيوخ من محافظة نينوى وكان بينهم رجل دين ايزيدي (بابا شيخ)، عندما جاء دوره للحديث اعتذر، لانه لا يجيد اللغة العربية.
اليوم ولاسباب سياسية يثار موضوع قومية الايزيديين، وهي محاولة تضاف لمحاولات سابقة، لسلب قوميتهم بعد ان عجزوا من سلب ديانتهم ولم ينجحوا، بل ذهبوا الى ابعد من ذلك لاعتبار الايزيدية قومية بحد ذاتها، وهذه المحاولات بحد ذاتها تُعد ممارسة عنصرية والقوانين في جميع انحاء العالم تعاقب عليها.
اذا يتحدث قسم من الايزيديين خاصة في سهل نينوى، في شيخان خاصة، باللغة العربية التي كانت قد فرضت عليهم، سواء في المدارس او بالتعامل التجاري واليومي من قبل جيرانهم العرب، فهذا لا يعني انهم تخلوا عن كورديتهم، بل هذا يعود الى شعورهم بالتعايش السلمي والآمن مع الاخرين وليس التنازل عن كورديتهم.
الاسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: ماذا تريدون من الايزيديين بعد ان رفض بعضكم دخولهم الى البرلمان العراقي وحاول الاسائة إليهم في دورته الاولى؟ وماذا فعلتم عندما هجم عليهم تنظيم داعش وقتل رجالهم وسبى نسائهم؟ وهل حاكمتم من تسبب بهجوم داعش عليهم واقترف الجرائم بحقهم؟ وهل دافعتم عنهم؟ او حررتم السبايا كما فعلت وما تزال تفعل حكومة اقليم كوردستان التي تقدم لهم العون الكبير لمساعدتهم ومساعدة الشابات منهم لدخول الجامعات وضمان مستقبلهن؟ وهل تقبلتوهم في مجتمعاتكم باعتبارهم عراقيين حالهم من حالكم، مثلما هم اليوم في المجتمع الكوردستاني؟ اسئلة بحاجة الى اجابات صريحة وواقعية قبل ان تتحدثوا عن القومية والدين.
روداو