الكورد..حكماء الجبال وسادة النضال
د. محمد العرب
منذ بداية التاريخ، كانت هناك شعوب ونظم تأتي وتذهب، إلا أن الكورد ظلوا ثابتين، متمسكين بجذورهم، يحملون إرثاً من الشجاعة والصمود. الكورد يمتلكون تاريخاً طويلاً وغنياً، حيث كانت مملكة ميديا القديمة التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد واحدة من أولى الحضارات الكوردية التي حققت تأثيراً كبيراً في المنطقة. تحت قيادة زعيمهم الأسطوري، كيخسرو، استطاع الميديون توسيع نفوذهم وتأسيس إمبراطورية قوية، مما يعكس قدرتهم على القيادة والإدارة.
تعد الجغرافيا الكوردية عاملاً حاسماً في تشكيل الهوية الكوردية. تقع كردستان في قلب الجبال الشاهقة التي تمتد عبر تركيا وإيران والعراق وسوريا. هذه الجبال لم تكن فقط ملاذاً طبيعياً للكورد، لكنها كانت أيضاً مصدراً للقوة والصمود. العيش في هذه التضاريس الوعرة أكسب الكورد قدرة فائقة على التحمل والتكيف مع التحديات البيئية القاسية. هذا الصمود الجغرافي يُعدّ رمزاً لإصرارهم على البقاء والازدهار رغم الصعاب.
من الناحية النفسية، يمتلك الكورد شعوراً قوياً بالهوية والانتماء. هذه الروح الجماعية القوية تتجلى في الاحتفالات التقليدية مثل عيد النوروز، الذي يرمز إلى التجديد والأمل. الكورد يمتلكون قدرة فائقة على البقاء متحدين في وجه الصعاب، وهذا ما جعلهم قادرين على الحفاظ على ثقافتهم ولغتهم رغم محاولات الطمس والاندماج القسري. الروح الجماعية والتضامن بين الأفراد تعكس قدرتهم على التكيف والتعاون لمواجهة التحديات.
الكورد ليسوا فقط محاربين شجعان بل هم أيضاً شعراء وفنانون ومفكرون. الأدب الكوردي غني بالأعمال الأدبية التي تعبر عن الروح الإنسانية وتجارب الحياة. الشاعر الكوردي الشهير أحمد خاني، مؤلف "مم وزين"، أسهم بشكل كبير في الأدب الكوردي والعالمي بقصائده التي تعبر عن الحب والنضال والحرية. الفنون والثقافة الكوردية تعكس غنى التراث الكوردي وعمقه الثقافي.
الكورد ظلوا طوال التاريخ يكافحون من أجل حقوقهم وحريتهم. رغم التجاهل الدولي في بعض الأحيان، إلا أنهم لم يتخلوا أبداً عن حقهم في تقرير المصير. القادة الكورد مثل مصطفى البارزاني وجلال الطالباني ومسعود البارزاني كانوا رموزاً للنضال السياسي، حيث قادوا شعوبهم بحكمة وشجاعة نحو مستقبل أفضل. النضال المستمر يعكس إصرار الكورد على تحقيق العدالة والمساواة.
في العصر الحديث، تلعب المناطق الكوردية دوراً هاماً في الاقتصاد الإقليمي بفضل مواردها الطبيعية الغنية، وخاصة النفط. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت كردستان العراق نموذجاً ناجحاً للاستقرار والتنمية في منطقة مضطربة، مما يبرز القدرة الكوردية على القيادة والابتكار. الاقتصاد القوي والاستقرار السياسي يعكسان قدرة الكورد على التكيف والازدهار في ظل التحديات.
الكورد ليسوا مجرد مجموعة عرقية في منطقة الشرق الأوسط؛ هم رمز للصمود والإصرار والتضحية. تاريخهم الغني وجغرافيتهم الصعبة وروحهم النفسية القوية تجعلهم أحد أعظم الشعوب التي عرفها التاريخ. إنهم ليسوا فقط أبطالاً في ساحات المعارك، بل هم أيضاً بناة حضارة وحملة مشاعل ثقافية وإنسانية. تحية إعجاب واحترام للكورد، ملحمة الأجداد وصمود الجبال.
كمراقب متأمل في هذا التاريخ الغني، لا يسعني إلا أن أعبر عن انبهاري بروح الكورد التي تتجلى في كل جوانب حياتهم. إن قدرتهم على البقاء متماسكين ومتحدين في وجه الصعاب، وإصرارهم على الحفاظ على هويتهم وثقافتهم، هو مصدر إلهام حقيقي. الكورد ليسوا فقط جزءاً من التاريخ، بل هم جزء لا يتجزأ من مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً للإنسانية.
آراء أخرى للكاتب