• Wednesday, 24 July 2024
logo

(الدموع المستديمة) معرض فوتوغرافي يستعرض "أنين المؤنفلين"

(الدموع المستديمة) معرض فوتوغرافي يستعرض

طارق كاريزي - خاص - گولان العربي

 

أثناء محاكمة صدام حسين وعلي حسن المجيد وبقية الثلة المتهمة من أركان النظام العراقي السابق الذي تهاوى نحو السقوط بعد الضربة القاضية التي تلقاها من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، تكررت مفردة "المؤنفلين" من قبل محاميو الدفاع عن الضحايا، وطلب رئيس المحكمة توضيح المغزى من مصطلح "المؤنفلين"، وله في ذلك كل الحق، لأن قواميس اللغة العربية القديم منها والحديث، لم يرد فيها هذه الكلمة.

"المؤنفلين" على وزن "مفاعيلون"، كلمة أدخلها الكورد في قاموس اللغة العربية انطلاقا من بحر من العسف والظلم والقهر والابادة الجماعية التي ارتكبها نظام صدام ضد المدنيين الكورد خلال حملات الأنفال التي نفذت عام 1988 بثمانية مراحل في كوردستان العراق. المؤنفلون (في حالة الرفع) يقصد بها المدنيين الكورد من ضحايا حملات الأنفال التي قدرت بعض الجهات عددهم بحوالي 182 ألف ضحية من المدنيين العزل، فيما اعترض علي حسن المجيد ابن عم صدام على الرقم مع وفد تفاوضي كوردي وقدره بـ(100) الف ضحية. هذا العدد الضخم من الضحايا بكل تأكيد رهيب، خصوصا اذا علمنا تفاصيل العذابات الرهيبة التي لقيها الضحايا طوال أشهر قبل دفنهم احياء وسط رمال الصحراء العراقية الغربية.

الدولة العراقية خلال حقبها الثلاث، الملكية والجمهوريتين الأولى والثانية، لم تشهد الاستقرار التام طوال 103 أعوام من عمرها، وأحد الأسباب الرئيسة وراء حالة عدم استقرار البلد هو انعدام العدالة وحالة التقاطع بين مكوناتها الثلاثة الرئيسة (العرب الشيعة، الكورد، العرب السنة)، ودفع العراقيون باختلاف انتماءاتهم الأثنية باهضا ضريبة حالة عدم استقرار البلد، ويأتي الكورد في الطليعة من حيث جسامة الضحايا والخسائر المادية والبشرية التي لحقت بهم، والسبب عنجهية السلطات واستعلائها وما تربت عنه من سياسات رعناء وعنصرية مقيتة.

عمليات الأنفال التي أدت الى إبادة حوالي ربع مليون مواطن كوردي خلال سلسلة من حملات الاعتقال الجماعي والعشوائي خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، تلته حملات قتل وابادة جماعية للمعتقلين، تبقى كجرح دام لم يلتئم كون مصير الضحايا مازال مجهولا ولم يعثر على جثامين الا نسبة ضئيلة منهم، علاوة على الجهة المدانة، وهي السلطات العراقية بحسب قرار محكمة الجنايات العراقية العليا، التي لم تعوض ذوي الضحايا ولم تسهم في إعادة اعمار حوالي (5) آلاف قرية كوردستانية وعشرات المدن والقصبات التي تم تدميرها بالكامل من قبل نظام صدام حسين في حملات تدمير منظمة مقرونة بالاعتقالات ثم إبادة للبشر رافقه تدمير في منتهى القسوة للبيئة.

يستذكر الكورد دوما وبألم شديد وبمزيد من الدموع الجارية من الأعين مثلما من القلوب، ذكرى حملات الأنفال سيئة الصيت وهم بانتظار تحقيق العدالة فيما يتعلق بهذه الجريمة الكبرى ضد الإنسانية من خلال انصاف الضحايا من المدنيين الكورد. وبمبادرة من اتحاد نساء كوردستان افتتح المصور جوهر كاني هنجيري معرضا ضم أكثر من أربعين لقطة لذوي ضحايا الأنفال أو ضحايا المؤنفلين وذلك في مركز كركوك الثقافي وسط المدينة.

ضم المعرض صورا بورتريتية أو موديلات لنماذج من مختارة من ذوي المؤنفلين من الرجال والنساء المعمرين مع شروح توضيحية لهؤلاء الأشخاص المسنين باللغات الكوردية والعربية والإنكليزية، تقدم نبذة مختصرة عن حجم وجسامة الضحايا من ذوي هؤلاء المواطنين بسبب حملات الأنفال التي نفذت بمنتهى القسوة والعنف المفرط، شملت الحرث والنسل والعمران ومصادر الحياة، وكأن السلطات العراقية ابان عهد صدام وبقيادة علي حسن المجيد أرادت انهاء كل مظهر من مظاهر الحياة على أرض كوردستان، والدليل تدمير القرى والمدن بالكامل وضرب البيئة بالسلاح الكيمياوي الفتاك الذي نال بقسوة من بيئتيه البشرية والطبيعية.

ولتوضيح المشهد وفق المشاهد (اللقطات) التي قدمها المصور جوهر كاني هنجيري في معرضه الشخصي، نقف عند عدد من صور ذوي ضحايا الأنفال. نبدأ بالعم (كرم محمود علي) من قرية (سبي سرة) الذي فقد ثلاثة أبناء وشقيقين وأبني أشقاء وكنة وأربعة أولاد عمومة في الأنفال. أما الخال (محمود علي مصطفى) من أهالي قرية جلمورد شمال شرق كركوك فقد من جهته 162 فردا من اسرته وذويه واقرباءه في حملات الأنفال، بضمنهم زوجته وثمانية من أولاده.

نقلب صفحات دليل المعرض ونتحدث عن العمة (تمين حميد نوري) من قرية قيتول في ناحية قادر كرم في منطقة كرميان التابعة لقضاء جمجمال حيث قدم المصور لقطة في منتهى التعبير عن سنحات هذه السيدة المعمرة وهي توضح عمق المأساة التي تعاني منها. فقدت قرية قيتول التي تنتسب العمة (تمين) اليها 150 فردا من سكانها في حملات الأنفال، بضمنهم 20 شخصا من أقرباء العمة تمين بما فيهم زوجها وثلاثة من أشقاءها وشقيقة لها وثلاثة أولاد اشقائها وأربعة من أولاد أعمامها وآخرين.

نعود الى قرية جلمورد التي ذهب أكثر من 500 فرد من افرادها ضحية لحملات الأنفال من خلال العم (رضا حسن معروف) الذي فقد سبعة من أولاده وزوجته و50 فردا من أبناء اسرته، وعبرت صورته عن عمق ما يعاني من آلام. والعمة (معبوبة قادر عبدالرحمن) من نفس القرية فقدت زوجها و162 فردا من أبناء اسرتها وأقربائها في حملات الأنفال.

العم (شمزين علي رشيد) من أهالي قرية سرجنار التابعة لناحية أغجلر فقد زوجته وعشرة من أولاده و28 شقيقا وأبناء اشقاء في حملات الأنفال. فيما الخالة (نسار نامق أمين) من أهالي قرية وستا خدر فقدت والدتها وخمسة من أشقائها وثمانية من أبناء أشقائها وشقيقة لها في حملات الأنفال.

قائمة المؤنفلين، رغم ما يحف بتفاصيلها من مجهول وعذابات لا ينتهي أنينها، تطول بقدر قساوة حملات الأنفال التي تركت جراحات لا تندمل طالما بقي التاريخ، فقساوة النظام البعثي فاقت وتجاوزت كل الحدود وهي تؤشر لزعيم اغتر بالمنصب وأطلق عنان يد العنف من خلال الجلاوزة الذي وثق بهم ومنحهم سلطة إبادة الأحياء مهما كانوا وبأي طريقة كانت، وبدى من أعمالهم الاجرامية، بأنهم مغرمين بشهوة النيل من الطبيعة والبيئة بكل ما فيها من مظاهر الحياة، ضحايا الأنفال تحتضنهم الملائكة يوم يبعثون باعتبارهم ضحايا الظلم والقهر المفرط، وانحدر منفذو حملات الإبادة هذه الى الدرك الأسفل من الوحشية، وويل يوم الدين لمن اتخذ من الدين وسور الكتاب الكريم حججا لقتل وابادة الأبرياء والعبث بالطبيعة والبيئة كنعمة كبرى من نعم البارئ تعالى.

(الدموع المستديمة) معرض فوتوغرافي يستعرض
Top