• Wednesday, 15 May 2024
logo

مشكلاتنا في العراق بين التشريع والتطبيق

مشكلاتنا في العراق بين التشريع والتطبيق

سيف السعدي

 

لدينا الكثير من القوانين التي تم تشريعها في العراق بعد 2003 لكنها لم تطبق وهي حبرٌ على ورق، والسبب ان للفاعل السياسي سلطة على القانون وليس للقانون سلطة عليه.

في حين يقول الفيلسوف الفرنسي شارل مونتسكيو "يجب أن يكون القانون كالموت الذي لا يستثنى منه أحد" ولا تتحقق الحقوق، حسب مونتسكيو، إلا بوضع قوانين تقيد سلطة الدولة، بحيث لا يستطيع الحاكم مخالفتها، وبالتالي أكَّد على فكرة الفصل هذه اقتناعا منه بأن ما من فرد يتمتع بسلطة إلا ويميل إلى التعسف في استعمالها، ولا يوقف السلطة إلا السلطة، ولا سبيل لوقف السلطة بالسلطة إلا إذا تولت السلطات الثلاث تشريع القوانين، وتنفيذها، والفصل في منازعات الأفراد.

إنّ عدم تطبيق القوانين المشرعة، جعل السلطات القضائية أو التنفيذية وجزء من التشريعية يتحدثون عن خطورة تطبيقها!، على سبيل المثال قانون رقم (13) لسنة 2008 الخاص بالإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم، وعلى الرغم من وجود أكثر من مادة دستورية تتحدث عن حق تكوين الاقاليم وهي (117/ثانياً- 118-119)، ولا أعلم ما الغاية من تشريع وتعديل ولكن تبقى ضمن معادلة التعطيل!؟، لأن التطبيق يخضع لمعادلة المصالح المكوناتية، ولا يمكن القبول بتطبيق يخدم مكون دون آخر، والمعيار هنا هو الهويات الفرعية (المذهبية - العقائدية - القومية) وليس الهوية الجامعة الوطنية، شاهد آخر على المنهاج الحكومي حيث نصت المادة (76/رابعاً) من الدستور على "يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة".

هذا المنهاج يتضمن فقرات واهداف وخطط واجبة التنفيذ لانها تحتوي على سقوف زمنية ضمن ولاية رئيس مجلس الوزراء، ولكن! منذ 2005 لغاية اليوم وعلى مدى خمس دورات انتخابية لم يلتزم اي رئيس مجلس وزراء بالمنهاج الحكومي، إذ يبقى حبر على ورق، علماً ان مقياس نجاح الرئيس هو يعتمد على نسبة ما تم تطبيقه من فقرات وليس غيرها.

واغلب الأحيان يتم تشريع قوانين حسب مزاج الاحزاب السياسية وبما ينسجم مع مقاس أحجامها الانتخابية، ومصالحها الشخصية دون النظر إلى رغبة الشعب، علماً أنَّ المادة (5) من الدستور نصت على "السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية"، اي يجب أن يتم تشريع القوانين وفق ما يخدم الشعب وليس مصالح الاحزاب السياسية الخاصة، مثال على ذلك قانون الانتخابات تم تعديله ثلاث مرات اخرها رقم (4) لسنة 2023، واتضح لي وفق دراسة أجريتها على عينة من الجمهور العراقي أنّ كثرة التعديلات وعدم الاستقرار على قانون ونظام انتخابي واضح كان سبباً بمقاطعة الجمهور للانتخابات.

وهناك قوانين تشرع ولكن تُطبق بطريقة انتقائية انتقامية واحياناً ضد شخص دون آخر، أو ضد مكون دون آخر، اي تُطبق حسب هوية الفاعل وليس على اساس مخالفة أو جنحة أو جناية الفاعل مثل قانون رقم (10) لسنة 2008، على الرغم من ان المادة (14) من الدستور نصت على "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي"، ويفترض المحاسبة تكون على اساس الفعل الذي يعتبره القانون جريمة وليس على هوية الفاعل، الأمر الذي تسبب بفقدان الثقة وضياع التماسك المجتمعي وعزز حالة الانقسام القومي والمذهبي وانعكس سلباً على الواقع.

أو قوانين يتم تشريعها ولكن يتم إفراغها من محتواها وعند تطبيقها لا فائدة منها مثل قانون العفو العام رقم (27) بسبب كثرة التعديلات التي حصلت على قانون رقم (19) لسنة 2008، والسبب يكمن في الدفاع الحزبي للمشرع على حساب الدفاع الوطني، وطريقة الممارسة والتفكير ضمن نطاق الهويات الفرعية وليس الهوية الرئيسة الجامعة علماً ان المادة (19/ثانياً وخامساً وثالث عشر) من الدستور العراقي واضحة نصت على "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، ولا يجوز تطبيق عقوبة اشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة" والفقرة خامساً نصت على "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكم قانونية عادلة، ولا يحاكم المتهم عن التهمة ذاتها مرة أخرى بعد الإفراج عنه، إلا إذا ظهرت أدلة جديدة"، بينما الفقرة الثالث عشرة نصت على "تعرض أوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المختص خلال مدة لا تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة من حين القبض على المتهم، ولا يجوز تمديدها إلا مرة واحدة وللمدة ذاتها".

لكل ما تقدم من مواد دستورية وقانونية وتشريعات فإن المشكلة تتضح في اغلب الأحيان بالتطبيق وبعض الأحيان بالتعديل وأخرى بالتعطيل، وهذه المشكلات بحاجة إلى تصحيح مسار عقلية المشرع اتجاه القوانين التي تخدم الهوية العامة وليس الهويات الفرعية.

 

 

 

روداو

Top