الوطن للجميع
شاكر الجبوري
لم يجن العراقيون من تنافس الجماعات السياسية غير المزيد من الانزواء في متاهات المجهول والاهمال الدولي، ولم يحقق التنافس على السلطة والمال سوى عقوبات مؤجلة يحكمها الزمان والمكان بمنطقة تنخفض درجات الحرارة الأمنية فيها عكس حسابات الصيف والشتاء.
لسنا في زمان الشعارات القومية وحروب التحرير المؤجلة، فمشاعر العراقيين القومية تغيرت بضغوط الطائفية والمناطقية والركود المعيشي لسنوات عجاف، في أشبه بما يسمونه ضارة نافعة، لأن العراقيين دفعوا ما يكفي لمشاريع كانت ولاتزال من هواجس السلطة لديمومة البقاء في مشهد الكبار.
ولأن الرياح تجري عكس أهواء الضاربين بـ"تخت رمل" السياسة، فان العراق لا تستوعبه الأهواء الشاردة عن المنطق، مثلما لا ينقذه سوى الانتقال من الهواجس الطائفية الى الشراكة الواقعية، فلا الشيعة شربوا ماءً عذباً من التجييش الطائفي، ولا الكورد شبعوا استقراراً من التمييز القومي، بينما ظلت أجراس الكنائس مبحوحة، معادلة أنصاف الحلول لا تحقق استقراراً، ما يستوجب عراقية تتكامل مع بعضها لا تقاتل بعضها بتعليمات اقليمية.
اشتكى الجميع من فاتورة الشعارات القومية التي سلبت العراقي حقه في لقمة عيش آمنة، قبل أن تستنسخها القوى التي انتقدتها لردح من الزمن، ليبقى الجميع في دائرة مفتوحة من التحديات الجيوسياسية التي ليس للعراقيين فيها من ناقة أو جمل باستثناء رغبة التمدد على قرار الدولة وتأرجح موازين القوى شرقاً وغرباً.
قالوا ان الانتخابات ورقة غير رابحة وأن الكورد والعرب لن يتفاهموا في نينوى أو كركوك، وتخيلوا مشهداً دموياً للخلاف الشيعي الشيعي والزعامة السنية المؤجلة، رسموا مشاهد تغيير انسانية ودماء متناثرة في الهواء الطلق، لكن العراقيين كانوا أكثر وعياً حتى في نسب مقاطعة مجالس المحافظات، ليتجنبوا غرق سفينة العراق بمياه سياسية راكدة .
صدعوا رؤوسنا بحرب على الأبواب بين العراق وأميركا واسرائيل، واشترطوا عودة السنّة الى الحكم للمحافظة على العراق في أمة العرب، رسموا مناضد رمل لنهاية حكومة محمد شياع السوداني بينما تنجح في تحد عراقي هو الأقرب للواقع منذ 2003، منوا الأنفس بقتال شيعي شيعي وكوردي كوردي أو تركماني ومسيحي، ليكتشفوا ان غالبية السياسيين استوعبوا الدرس جيداً وسيستوعبونه أكثر بعد تشكيل الحكومات المحلية.
ليس من مصلحة عاقل استمرار التناحر والتقاطع الداخلي، وليس واقعياً الاعتقاد بهشاشة الأخوة العراقية، لأن الظروف امتحنت معدنها جيداً حتى لو وظفها بعض الحكام لانتصار نفسي زائل، يكفي أن ارهاب داعش لم يغير هوية نينوى أو كركوك أو ديالى وصلاح الدين. العراقيون لا يكرهون بعضهم برغم الاختلاف على انتماءاتهم الحزبية، بدليل أن بغداد ليست طاردة للكورد وكوردستان لم تهجر أخوتها العربية.
السؤال متى يستوعب سياسو التناحر أن الحفاظ على أخوة العراقيين من واجبات الولاء لقيم السماء، وأن العبرة ليست بترديد البرامج الدينية بل تطبيق قيم التسامح فيها. نحن عراقيون وإن اختلفت مذاهبنا وقومياتنا وشعائرنا الدينية، لأن الأرض تختزن الموارد وتتعفف عن التناحر.
ومثلما ودعنا زمن القتل على هوية الزمن الطارئ مطلوب من الجميع التفكير بمستقبل شعب يمتلك خيرات الدنيا ويشكو عقلانية الحكم، وليس منطقياً قول بعضهم ان العراقي يهتم بنظافة بيته فقط لأنه يشعر أنه الوطن وخارج أسواره الضياع! انه جزء من ثنائية الركود الذي تشهده أسواق شعارات التضليل والترهيب النفسي، التي غادرتها ثلاثية العقال والشروال والقلنسوة.
روداو