• Tuesday, 24 December 2024
logo

عودة قيصر إلى الشرق الأوسط

عودة قيصر إلى الشرق الأوسط

عادل باخوان*

استقبل فلاديمير أولاً في أبو ظبي ثم في الرياض باستقبال يليق بملك كل الملوك. كانت فرق الاستقبال في الإمارات والسعودية قد اتخذت كل الإجراءات التنظيمية والتقليدية المخصصة في نظام البروتوكولات بعالمنا اليوم للشخصيات الأعظم عالمياً.

هذا الاستقبال الملكي هو بمثابة أخذ مساحة كبيرة للغاية من جانب العاصمتين الأقوى في العالم العربي من العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على فلاديمير بوتين. هذا من البداية هو رسالة ذات مغزى لأمريكا وأوروبا مفادها أنه في الفصل الجديد من النظام العالمي، لن يعود هناك بالتدريج شيء اسمه مركز القرار العالمي وأن بإمكان الهوامش من منطلق مصالحهم اتخاذ قرارهم السياسية باستقلالية وإلى مستوى عال.

من البداية نلاحظ الاختلاف الكبير بين استقبال بايدن واستقبال بوتين، ففي لحظة وصول بايدن لمسنا وجهين مقفلين ومصافحة باهتة، لكن في حالة بوتين وجدنا وجهي محمد بن سلمان وفلاديمير بوتين يعلوهما الضحك، وكانت أولى كلمات بوتين لابن سلمان هي: في ظل مكانتكم بلغت العلاقات بين موسكو والرياض مستوى غير مسبوق!

وقبلها، وفي مواجهة محمد بن زايد، قال بنفس الثقة وبحالة نفسية منفتحة وسعيدة وكتحد لأمريكا وأوروبا: من الآن ومن هنا، فإن الإمارات هي شريكنا التجاري الأول في العالم العربي. أي أن مجمل العقوبات المفروضة على موسكو، لم تؤثر على هذه العلاقة بل زادتها ووسعتها يوماً بعد يوم.

واليوم (7 كانون الأول 2023)، يزور رئيس الجمهورية الإيراني إبراهيم رئيسي روسيا ويستقبل من قبل فلاديمير بوتين، وبعدها يوجد اجتماع مهم بين رجب طيب أردوغان وبوتين. أبو ظبي، أنقرة، طهران، الرياض: فلاديمير بوتين ليس فقط غير مهمش، بل على العكس من أمريكا وعدد من الدول الأوروبية، هو كقوة عظمى يجري التعامل معه على أنه موضع ثقة من العواصم الأهم في الشرق الأوسط.

كما يمكن أن تتخذ هذه المعادلة في العام 2024، في أمريكا وأوروبا أيضاً، اتجاهاً آخر وخاصة مع عودة شبح دونالد ترمب! فهناك انتخابات رئاسية في روسيا في الشهر الثالث من العام المقبل، وتشير المؤشرات كلها إلى أن بوتين سيفوز مجدداً بالرئاسة. وفي تشرين الثاني، هناك انتخابات رئاسية في أمريكا والسباق هو بين بايدن وترمب، ويثبت قسم كبير من الدراسات عودة ترمب إلى البيت الأبيض. وفي ظل هكذا سيناريو، ستضعف تماماً الجبهة المناوئة لبوتين في عموم الغرب.

وبعيداً عن مسألة النفط والتجارة والمشاريع الاقتصادية، فإن حرب غزة وطريقة توجيه تأثيراتها على عموم الشرق الأوسط، هي الموضوع الأول والرئيس لمحادثات بوتين مع الإمارات والسعودية وإيران وتركيا. تماماً على العكس من أمريكا وأوروبا، يستطيع بوتين وهذه القوى العظمى الشرق أوسطية الأربع، الاتفاق على عدد من الستراتيجيات العامة الخاصة برؤية ثم كيفية إنهاء الحرب.

فمثلاً، صحيح أن الإمارات والسعودية معاديات لحماس حد النخاع، لكنهما في ظل تأثير الرأي العام لمجتمعاتهما لا يستطيعان التزام الحياد والصمت تجاه حرب غزة. الصور التي تأتي من غزة وموقعهما القوي في الشرق الأوسط يجبرهما على المطالية بوقف إطلاق النار وفي نفس الوقت إيجاد حل سياسي عاجل للمسألة الفلسطينية، وبخلاف القادة الغربيين، فإن فلاديمير بوتين لم يزر إسرائيل بل اكتفى بزيارة الإمارات والسعودية، ورغم علاقاته الجيدة مع بنيامين نتنياهو فإنه يطالب بوقف إطلاق النار وحل سياسي عاجل للمسألة الفلسطينية. وأكثر من هذا، فإنه لا يكتفي بعدم وصف حماس بالحركة الإرهابية، بل استقبل خلال السنتين الأخيرتين قادة حماس ثلاث مرات!

يريد قسم كبير من القوى العظمى العالمية المشاركة في إدارة مستقبل حرب غزة. وهناك إجماع بين موسكو وطهران وأنقرة على المستقبل ما بعد الحرب لا يمكن أن يخلو من حماس، وإلا فإن أي مستقبل آخر سيفشل كما حدث منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي إلى اليوم. لا ترى السعودية والإمارات نفس الرأي ويريدان أن يكون ذلك المستقبل بدون حماس. وزيارة بوتين هذه إلى الرياض وأبو ظبي فرصة للبحث عن حل ثالث، ويمكن أن يساعد التقارب بين السعودية وإيران على تسهيل ظروف الحوار والعثور على حل وسط بين الموقفين المتقاطعين.

مدير المركز الفرنسي للبحوث حول العراق

 

 

 

روداو

Top