• Wednesday, 25 December 2024
logo

«الاتحاد من أجل المتوسط»... خريطة طريق لمستقبل غزة بعد الحرب

«الاتحاد من أجل المتوسط»... خريطة طريق لمستقبل غزة بعد الحرب

في الوقت الذي تتكثُف الجهود الدبلوماسية على أكثر من جبهة لوقف المجزرة التي يشهدها قطاع غزة والكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي تسبّبت بها الحرب الإسرائيلية، استضافت مدينة برشلونة، الاثنين، الاجتماع الدوري لـ«منتدى الاتحاد من أجل المتوسط»، الذي يضمّ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والدول المطلّة على البحر المتوسط، وعلى جدول أعماله بند رئيسي واحد هو رسم خريطة طريق لمستقبل القطاع وفلسطين بكاملها بعد أن تضع أوزارها الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حماس».

وبينما جرت العادة على أن يخصص هذا المنتدى اجتماعاته لتعزيز التعاون بين البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتلك الواقعة على الضفة الجنوبية للمتوسط، تحوّلت هذه الدورة منتدى سياسياً بامتياز سجّل رقماً قياسياً من حيث عدد المشاركين على أعلى المستويات، وبحضور وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان؛ بصفته ضيفاً خاصاً على المنتدى؛ كونه رئيساً للجنة الوزارية التي انبثقت عن القمة العربية - الإسلامية التي انعقدت مؤخراً في الرياض.

وكان وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس قد عقد اجتماعاً مطولاً قبل افتتاح المنتدى مع نظيره الفلسطيني رياض المالكي، تناولا فيه الدعم الذي تحتاج إليه السلطة الوطنية الفلسطينية لتولّي إدارة قطاع غزة بعد نهاية الحرب، كما أكّد مصدر دبلوماسي مسؤول لـ«الشرق الأوسط».

ولدى سؤاله عن البيان الذي صدر عن «حماس» واصفاً موقف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز ونظيره البلجيكي ألكسندر دي غرو خلال الزيارة التي قاما بها مؤخراً إلى إسرائيل بأنه «واضح وجريء»، اكتفى ألباريس بالقول: إنه لا يعلّق على «البيانات التي تصدر عن المنظمات الإرهابية»، وإن الحكومة الإسبانية أدانت منذ اليوم الأول العملية التي قامت بها «حماس» في السابع من الشهر الماضي.

وكانت المواقف التي صدرت عن بعض أعضاء الحكومة الإسبانية من الحرب الدائرة في غزة قد تسبّبت في أزمة دبلوماسية بين مدريد وتل أبيب تمّ خلالها استدعاء سفراء الطرفين للاحتجاج على تلك المواقف. ويذكر، أن وزيرة الحقوق الاجتماعية في إسبانيا ايلوني بيلارّا كانت قد دعت إلى إحالة رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) على المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب وإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وطالبت بقطع العلاقات مع إسرائيل. وفي جلسة الثقة الأخيرة التي جددّ فيها سانتشيز ولايته كرئيس للحكومة، دعته نائبته وحليفته الرئيسية يولاندا دياز زعيمة حزب «سومار» إلى عدم التردد في اتخاذ موقف حازم من الأحداث الجارية في غزة على غرار الموقف الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي من الحرب في أوكرانيا. وفي زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، قال سانتشيز أمام نتنياهو: «إن رؤية المدنيين يقتَلون في غزة مشهد لا يحتمل على الإطلاق»؛ ما أدّى إلى صدور بيان عن الحكومة الإسرائيلية يتهم سانتشيز بدعم الإرهاب؛ وهو ما استدعى دعوة الخارجية الإسبانية للسفيرة الإسرائيلية لاستفسارها عن تلك التصريحات والاحتجاج عليها.

وفي حديث مع مجموعة من الصحافيين على هامش المنتدى، قال وزير الخارجية الإسباني: إنه ينتظر من السفيرة الإسرائيلية شروحاً واضحة حول الأسباب التي أدّت إلى صدور تلك التصريحات التي تعدّها إسبانيا غير مقبولة وعارية عن الصحة، وإنه سيطلب منها ضمانات بعدم تكرارها في المستقبل. وقال ألباريس: إن اتهامات إسرائيل لـ«حماس» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في الحرب لا يمكن أن تشكّل ذريعة لقتلهم.

وفي كلمته أمام المنتدى، شدد الوزير فيصل بن فرحان على نتائج القمة العربية - الإسلامية المشتركة غير العادية، التي عُقدت في الرياض، وتكليفها للجنة الوزارية التي زارت الكثير من الشركاء الرئيسيين في جميع أنحاء العالم من أجل نقل موقف الأمتين الإسلامية والعربية الموحد، والعمل على تمهيد طريقٍ واضحة لحل الأزمة في قطاع غزة.

وأشار إلى أهمية أن يعطي المجتمع الدولي الأولوية للإنهاء الفوري للعمليات العسكرية في قطاع غزة، وضمان المرور الكافي والآمن للمساعدات الإنسانية، والإفراج عن جميع الرهائن المدنيين. ورحّب وزير الخارجية السعودي باتفاق الهدنة الذي تم التوصل إليه، مشيراً إلى أن ذلك يعدّ تطوراً إيجابياً ويسمح بالمرور الآمن للمساعدات الإنسانية العاجلة، إلا أنه لا يكفي لدخول جميع المساعدات إلى غزة، ما لم يتبع الهدنة وقفٌ شامل ودائم للعمليات العسكرية. وقال: «إن استمرار التصعيد في قطاع غزة أسفر عن المزيد من الدمار والتطرف والمزيد من القتل للأبرياء، ويهدد الأمن الإقليمي»، مشيراً إلى أن المملكة تدين أشكال العنف كافة واستهداف المدنيين منذ بداية الأزمة، ورغم ذلك تصاعدت العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية مع التجاهل التام لحياة المدنيين، وتقاعس المنظمات الدولية. وأكد أهمية السعي الجاد للتغلب على الأزمة الحالية في قطاع غزة، والتحرك نحو خطة جدية وذات مصداقية لإحياء عملية السلام، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة مستقلة يتحقق فيها الكرامة والازدهار للشعب الفلسطيني الشقيق.

كما اجتمع بن فرحان بنظيره الإيطالي أنطونيو تاياني وبحث معه في أهمية الالتزام بالهدنة الإنسانية مع وقف كامل ومستدام لإطلاق النار بما يضمن حماية المدنيين وعودة الأمن والاستقرار إلى قطاع غزة. وشدد الوزير السعودي على أنه لا بديل من حل الدولتين لحل النزاع.

كما التقى الأمير فيصل بن فرحان وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، على هامش «منتدى الاتحاد من أجل المتوسط». وأوضحت وكالة الأنباء السعودية، أنه جرى خلال اللقاء بحث الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها، والجهود المبذولة لوقف إطلاق النار بشكلٍ مستدام بما يضمن حماية المدنيين، وأهمية تثبيت الهدنة والبناء عليها، بالإضافة إلى مناقشة الكثير من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، بما يعزز أمن واستقرار الشرق الأوسط والعالم. وأكد وزير الخارجية السعودي، أهمية تكثيف الجهود الدولية المبذولة للالتزام بتطبيق قواعد القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والعودة إلى مسار السلام بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة.

وكان بن فرحان قد رأس اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية - الإسلامية خلال اللقاء مع وزير خارجية إسبانيا على هامش المنتدى، حيث شدد على وجوب السعي إلى تجاوز الأزمة الحالية في قطاع غزة، والعمل على خطة سلام ذات مصداقية لإنهاء الوضع الكارثي، مؤكداً أن لا بديل عن حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ولعل الغائب الأكبر عن اجتماع «منتدى الاتحاد من أجل المتوسط» كان إسرائيل التي أبلغت منتصف الأسبوع أنها لن تحضر بذريعة أن جدول الأعمال قد تمّ تعديله من غير استشارتها ليقتصر على الحرب في غزة.

وتجهد الدبلوماسية الإسبانية منذ أسابيع في إطار الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي التي تنتهي مع نهاية الشهر المقبل؛ لمنع اتساع الهوة التي أحدثتها هذه الحرب بين العالمين الغربي والإسلامي، كما قال أحد الدبلوماسيين الإسبان المكلفين إدارة هذه الجهود وتنسيقها على جبهات عدة.

وشهد المنتدى نقاشاً محتدماً وعالي النبرة من جانب الوفود العربية التي أوضحت أنها لا توافق على تضمين البيان الختامي إشارة إلى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد هجمات السابع من الشهر الماضي، في حين أبدت ألمانيا تحفظها عن توجيه طلب بوقف إطلاق النار، وأيدّت الدعوة إلى هدنات إنسانية لإدخال المساعدات. واتجهت المساعي الدبلوماسية إلى التركيز على الدعوة لعقد مؤتمر دولي لتسوية النزاع على أساس حل الدولتين والاعتراف المتبادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهي مبادرة كان قد تبناها الاتحاد الأوروبي وأيّدتها جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي كانت حاضرة في المنتدى، لكنها قوبلت بالرفض الإسرائيلي.

من جهته، قال المسؤول الأوروبي للسياسة الخارجية جوزيب بورّيل: إن التحدي الأكبر هو الوضع الذي سيكون عليه قطاع غزة بعد وقف الحرب، ليس فقط من حيث الدمار الهائل الذي قضى على البنى التحتية الأساسية، بل أيضاً بعد تفكيك «حماس» التي كانت تتولّى الإدارة المدنية لسكان غزة. وقال بورّيل: إن الاتحاد الأوروبي يميل إلى تكليف هذه المهمة إلى الأمم المتحدة ريثما تصبح السلطة الوطنية الفلسطينية قادرة على توليها.

وكان بورّيل قد نفى بشكل قاطع أن يكون هذا الاجتماع للمنتدى «مؤامرة ضد إسرائيل».

 

 

 

الشرق الاوسط

Top