• Wednesday, 24 July 2024
logo

هدنة غزة: قرار مجلس الأمن «بلا أنياب»... والتنفيذ «محل شك»

هدنة غزة: قرار مجلس الأمن «بلا أنياب»... والتنفيذ «محل شك»

بعد أربع محاولات فاشلة لإصدار قرار بشأن غزة في مجلس الأمن الدولي، جاءت المحاولة الخامسة لتتبنى قراراً يدعو إلى «إقامة هُدن وممرات إنسانية عاجلة في جميع أنحاء قطاع غزة والإفراج الفوري عن جميع الرهائن»، وسط امتناع أميركي سواء عن التصويت، أو عن استخدام حق النقض «فيتو».

القرار الذي انتظرته الأوساط الفلسطينية والعربية على مدى 6 أسابيع من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها حركة «حماس»، وعناصر من فصائل المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لاقى قبولاً عربياً «فاتراً» ورفضاً إسرائيلياً «قاطعاً»، فيما شكك دبلوماسيون سابقون وخبراء بالقانون والمنظمات الدولية في قابليته للتنفيذ، وعدّوه «بلا أنياب»، بحسب إفادات لـ«الشرق الأوسط».

وصدر قرار مجلس الأمن، مساء الأربعاء، بتأييد 12 عضواً وامتناع الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة عن التصويت، وفقاً لموقع الأمم المتحدة، فيما رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية فكرة السماح بـ«فترات توقف إنسانية ممتدة» في قطاع غزة، والتي دعا إليها قرار مجلس الأمن «ما دامت حركة (حماس) تحتجز 239 رهينة».

وأوضح المجلس أنه يجب أن تستمر فترات التوقف المؤقت «لعدد كاف من الأيام لتمكين الوصول الإنساني الكامل والسريع والآمن، ودون عوائق للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركائها المباشرين». ولم يذكر القرار، الذي عرضته مالطا، إسرائيل بالاسم في النص بأكمله، ولم تُذكر حركة «حماس» إلا في مطالبة بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المختطفين في قطاع غزة.

قرار «بلا قيمة»
الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة «سيدي محمد بن عبد الله» بفاس، أعدّ قرار مجلس الأمن بـ«بلا قيمة كبيرة»، متوقعاً ألا تنفذه إسرائيل، التي يصفها بأنها «اعتادت انتهاك القانون الدولي، وصاحبة باع طويل في التملص من القرارات الدولية وبخاصة المتعلقة بالقضية الفلسطينية».

وقال الصديقي لـ«الشرق الأوسط» إنه في أحسن الأحوال فإن إسرائيل قد «تنفذه جزئياً»، أو تسعى إلى التنصل من التنفيذ عبر اتهام فصائل المقاومة الفلسطينية بأنها انتهكت الهدن المحدودة، مشيراً إلى أن القرار «لا يوفر حماية لسكان غزة، ولا يعدو كونه استراحة مؤقتة من القصف والتدمير الإسرائيلي».

ويرى الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي العام، وخبير النزاعات الدولية، قرار مجلس الأمن «خطوة إيجابية نحو حماية المدنيين ووقف معاناتهم، رغم ما يكتنفه من نقص واضح بعدم الدعوة لوقف إطلاق النار»، مشدداً على أنه «يتعين الآن الضغط من أجل تنفيذه بحزم، وضمان وصول المساعدات، وإنهاء الحصار».

وقال مهران لـ«الشرق الأوسط» إن الإضافة التي اقترحها مندوب روسيا للنص الأصلي للقرار، والتي يدعو فيها إلى هدنة إنسانية دائمة تؤدي إلى وقف إطلاق النار، كانت ستعزز من فاعلية القرار، لكن هذا التعديل لم يحظَ بالتأييد الكافي داخل مجلس الأمن، ورفضته الولايات المتحدة، وهو ما يكشف استمرار الانقسامات العميقة بين الدول دائمة العضوية، وتمسكها بمواقفها من الأزمة.

حماية أميركية لإسرائيل
في المقابل، يبدي السفير بركات الفرا، الدبلوماسي الفلسطيني السابق وخبير المنظمات الدولية، تشاؤماً واضحاً من إمكانية إلزام إسرائيل بتنفيذ القرار، الذي يصفه بأنه «بلا أنياب، ولا يتضمن أي إشارة لوقف إطلاق النار»، ورغم أنه حتى لم يسمِ إسرائيل لكنها سارعت إلى رفضه.

وتوقع الفرا، الذي فقدت عائلته 43 شهيداً في مدينة خان يونس بقطاع غزة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تبادر الولايات المتحدة بالتحرك لحماية حكومة الاحتلال من أي مساءلة في مجلس الأمن، بينما ستواصل إسرائيل قصف المدنيين بلا هوادة وحصارهم بلا رحمة.

ولم يفلح مجلس الأمن على مدى الأسابيع الماضية في تبني موقف مشترك حتى يوم الأربعاء. وفشلت المسودات السابقة لقرارات تتعلق بالحرب في غزة بسبب استخدام الولايات المتحدة حق «الفيتو» من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. فيما مررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، نهاية الشهر الماضي، بأعضائها الـ193 بأغلبية كبيرة قراراً تقدمت به المجموعة العربية في الجمعية العامة كان أكثر انتقاداً لإسرائيل، إلا أن القرار غير ملزم بموجب القانون الدولي.

شكوك حول التنفيذ
ولم يكن سؤال «تنفيذ القرار» مؤرقاً لسكان غزة والمتعاطفين معهم فحسب، بل كان محل اهتمام من رئيس مجلس الأمن نفسه، إذ ذكر تشانغ جون، مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية للمجلس، أن فاعلية قرارات مجلس الأمن «تكمن في تنفيذها، والمفتاح يكمن في أن تُنفذ الأطراف المعنية أحكام القرار بحذافيرها».

وقال المندوب الصيني، في توضيح للتصويت عقب اعتماد القرار، إن من الضروري أن ينشئ مجلس الأمن آلية لاتخاذ إجراءات متابعة لمراقبة التنفيذ والإبلاغ عنه.

وهنا يرى الدكتور سعيد الصديقي ضرورة تنظيم «حملة دولية منسقة» تستهدف حلفاء إسرائيل، وبخاصة الولايات المتحدة، لتضغط على سلطات الاحتلال لوقف هجماتها واجتياحها البري لغزة، يوافقه في ذلك السفير بركات الفرا، الذي يعتقد أن ممارسة الضغط الرسمي والشعبي على المصالح الأميركية في المنطقة هو «المسار الصحيح»؛ لدفع واشنطن إلى التجاوب، معتبراً أن المضي في المسار القانوني في المنظمات الدولية التي باتت تجسيداً لازدواجية المعايير «إضاعة وقت».

في المقابل، يقول الدكتور مهران إن قرارات مجلس الأمن «ملزمة لإسرائيل حتى ولو رفضتها»، مستشهداً بالمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على إلزامية قرارات مجلس الأمن، ويشدد على ضرورة اتخاذ المجلس إجراءات جادة لضمان التزام إسرائيل بتنفيذ القرار، بما في ذلك فرض عقوبات عليها، وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ويلفت الخبير الدولي إلى عدة إجراءات قانونية وسياسية يكفل القانون الدولي اتخاذها ضد إسرائيل، في حال امتناعها عن تنفيذ قرار مجلس الأمن، منها إصدار قرار يدين إسرائيل، ويمكن فرض عقوبات اقتصادية عليها وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والتي تصل لاستخدام القوة.

كما يمكن، بحسب مهران، فرض عقوبات دبلوماسية مثل طرد إسرائيل أو تعليق عضويتها في المنظمات والهيئات الدولية، بالإضافة إلى دعوة الدول إلى سحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وإحالة الوضع للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم المرتكبة في غزة، وانتهاك القانون الدولي الإنساني، ويمكن أيضاً طلب تدخل الجمعية العامة للأمم المتحدة وفق المادة 12 من ميثاق الأمم المتحدة؛ لاتخاذ مزيد من الإجراءات.

إلا أن كل تلك الإجراءات، رغم حجيتها القانونية، لكنها تصطدم بواقع «الحماية الأميركية» لإسرائيل، حسبما يرى الفرا والصديقي، والتي ضمنت لتل أبيب الإفلات من أي مساءلة دولية على مدى 7 عقود.

 

 

 

الشرق الاوسط

Top