الكورد أمام إرهاب الدولة في كركوك
طارق كاريزي
في هذه اللحظة التي أكتب فيها المقال ليلة الثامن من شهر أيلول، توزعت العشرات من المصفحات والمدرعات والعجلات العسكرية العراقية على جانبي الطريق الممتد بين كراج كوردستان وجسر خبات في الشطر الشرقي من مدينة كركوك بمحاذاة قلعة المدينة وباتجاه عدد من الأحياء الكوردية في الضاحية الشرقية من المدينة. نشر كل هذه المصفحات وقوات كثيفة من الجيش والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية في شارع يمتد بمسافة حوالي كيلومتر واحد، هو للحيلولة دون انطلاق تظاهرات كوردية جديدة ضد السلطات العراقية. وتزامنا مع الانتشار الكثيف للقوات العراقية في المكان المذكور آنفا، هناك انتشار كثيف للقوات المسلحة العراقية في العديد من أحياء كركوك سبق وأن شهدت انطلاق تظاهرات عارمة ضد السلطات العراقية أو يتوقع انطلاق تظاهرات منها، وقد قامت القوات الأمنية العراقية بقمع المتظاهرين باستخدام المصفحات واطلاق الرصاص الحي ضد المتظاهرين والذي أدى الى استشهاد أربعة متظاهرين واصابة سبعة عشر آخرين بجروح اعقبه مداهمة منازل المواطنين واعتقال العشرات من الشبان الكورد.
طيب ما الدافع لانطلاق التظاهرات الكوردية في كركوك؟ السبب المباشر لانطلاق التظاهرات الكوردية ضد السلطات العراقية هو الاعتصام الذي أعلنه غير الكورد أمام مقر قيادة عمليات كركوك، حيث قام المعتصمون باهانة المواطنين الذين كانوا يجتازون المكان ذهابا وإيابا وفرضوا سلطتهم على المكان وقطعوا الطريق تماما بوجه المواطنين من سكنة ثلاثة احياء تقع شمال المقر الذي أعلن فيه الاعتصام، وكذلك بين مركز مدينة كركوك والمدن والبلدات التي تقع شمال المدينة. ولم يكتفي المعتصمون بذلك بل اخذوا يطلقون العبارات الخادشة ويرددون الشعارات المعادية للكورد ورموزهم الوطنية والقومية وأمام أنظار قيادة عمليات كركوك ومسمعه، وابدوا أيضا ممارسات استفزازية ضد الكورد بل حتى الحافلات التي خصصتها رئاسة إقليم كوردستان لنقل الزوار القادمين من ايران عبر معابر إقليم كوردستان الى العتبات المقدسة في كربلاء، لم تفلت من التصرفات الاستفزازية للمشاركين في الاعتصام، حيث كانوا ينزعون الملصقات المدونة عليها اسم رئاسة إقليم كوردستان اذ توضح فيها قيامها بضيافة زوار العتبات المقدسة والمطرزة بعلم كوردستان، وكانوا يضعون تلك الملصقات تحت الاقدام وأمام مسير المركبات ايغالا من المعتصمين في إهانة إقليم كوردستان والشعب الكوردي وعلم كوردستان.
إزاء كل هذه التجاوزات الاستفزازية للمعتصمين نزل الشبان الكورد في ثلاثة احياء كوردية كان سكانها الأكثر تضررا من إجراءات المعتصمين الى الشارع وتوجهوا صوب خيم المعتصمين، وطالبوا بفتح الطريق والكف عن التسبب في إيذاء المواطنين والتوقف عن توجيه التهديد والوعيد ضد الكورد ورموزهم الوطنية. القوات الأمنية العراقية فشلت في نزع فتيل الأزمة والحيلولة دون حدوث صدامات، هذه القوات التي وفرت طوقا أمنيا للمعتصمين من غير الكورد وقامت بحمايتهم رغم تطاولهم على القانون وايذائهم المواطنين ورغم الشعارات الاستفزازية التي اطلقوها، الا انها قامت بتحريك المصفحات (الهمرات) ضد المتظاهرين الكورد سعيا منها لارهابهم واجبارهم على التراجع، وبعد إصرار المتظاهرين الكورد على تحقيق غايتهم واجبار المعتصمين على انهاء اعتصامهم الاستفزازي ضد الكورد وفتح الطريق أمام المواطنين، واجهت القوات العراقية المتظاهرين الكورد بالرصاص الحي والتي أدت الى قتل واصابة أكثر من عشرين مدنيا كورديا من المتظاهرين.
ومن المفيد هنا الإشارة الى ان المواطنين الكورد كانوا يعانون من احتقان شديد بسبب التمييز الذي مارسته سلطات محافظة كركوك طيلة ستة سنين متتالية منذ عام 2017 ضد السكان الكورد في المدينة، حيث تم التركيز من حيث الخدمات والمشاريع على الأحياء الجنوبية من المدينة فيما تم تهميش الأحياء الشمالية والشرقية ذات الأغلبية الكوردية في المدينة، وتم اقصاء وابعاد الكورد وحرمانهم من حقوق المواطنة، وكذلك الاخلال بحقهم في التعيين من خلال منح الكورد نسبة من التعيينات هي أدنى بكثير من نسبتهم العددية، اذ يشكلون أكثر من نصف سكان المحافظة، الا ان نسبتهم في التعيينات لم تتجاوز الربع في افضل الحالات، وكذلك تهميش المنظمات الكوردستانية في كركوك وحرمانهم من جميع الامتيازات التي تمنح للمنظمات الموازية التابعة لبغداد.
باسنيوز