• Monday, 23 December 2024
logo

كركوك في مرمى الأجندات الإقليمية

كركوك في مرمى الأجندات الإقليمية

عبداللطيف موسى

 

ان الظروف الاستثنائية لما يعاني منه العراق على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والفكرية انما نتيجة حتمية لسياسات النظام البائد والحكومات المتعاقبة بعد التحرير، والتي أدت الى خلق واقع معقد ولاسيما في محافظة كركوك التي تتنوع بتركيبتها السكانية وذات المكونات المتعددة والغنية بمواردها الاقتصادية.

كما أن طبيعة موقعها الستراتيجي قد جعل منها المحطة الأبرز التي شجعت الكثير من الدول الإقليمية والعالمية في جعلها منطقة نفوذ من أجل الصراع على تنفيذ أجنداتهم وتوسيع مصالحهم، متناسيين حق شعبها في العيش بأمان والمطالبة بتقرير مصيرها حسب التركيبة المكوناتية والتعددية القومية والأثنية.

من هنا برزت الكثير من المحاولات والخطط بغية إحداث فوضى من أجل تهيئة الارضية والمناخ المناسب في تنفيذ الاجندات الاقليمية والدولية عبر تغذية الصراع في إشعال الفتن بين المكونات التي تعيش في كركوك عبر ترهيب وشيطنة بعض المكونات على الحساب الأخرى، وانطلاقاً من أهمية الموضوع وتسلسل تسارع الأحداث في كركوك يسعدني توضيح بعض الأمور للقارئ الكريم بأن مكونات كركوك جميعها تشاركت في تحرير كركوك من النظام البائد من خلال الدور الكبير للمكون الكوردي في تخليص كركوك من الفراغ الذي كانت تعانيه نتيجة سقوط النظام البعثي، حيث عمل الأخوة الكورد ومن خلال حقائق تشهدها تسلسل الأحداث في إعادة تأهيل وتطوير المؤسسات والدوائر الحكومية في كركوك، بل والعمل على إدارة كركوك بحسب التمثيل والتركيبة السكانية من خلال التمثيل العادل في الدوائر الحكومية.

ورغم ما تعرضت له كركوك من محاولات التعريب والتتريك بغية تهجير مكون بحد ذاته على حساب مكون آخر في كركوك والتي تشير اليها الكثير من الأبحاث التاريخية ونتائج مراكز الدراسات الستراتيجية، عمل المكون الكوردي في كركوك ومن منطلق المكون الأصيل وأيمانه بمبدأ التعايش السلمي بين المكونات جميعاً ورغبه في تجسيد مبدأ التأخي والمحبة لذا كان له الدور الكبير في تحرير كركوك من الارهاب الموجه (القاعدة وداعش) الأمر الذي استشعرت بعض الدول الاقليمية في الخطر الذي سيهدد مصالحها، فعملت على وضع الخطط من أجل تنفيذ مصالحها وستراتيجيتها في كركوك، من خلال المحاولات المتكررة في ضرب الحالة الطبيعية للمحبة والتعايش والتآخي الذي تعيشه مكونات كركوك عبر تسريع وتيرة محاولة تصفية المكون الكوردي عبر سياسة التعريب على حساب تقوية المكون العربي والتركماني من خلال إعادة تشريع قرارات سابقة لما يسمى مجلس قيادة الثورة في النظام البائد، والسعي في إعاده فرض حقبة البعث على كركوك عبر اللعب على إعادة خلله الفسيفسائية التاريخية المتنوعة الأصلية لحالة كركوك وتسخيرها في خدمة تنفيذ مصالحها.

هذا الأمر تجلى في الدخول الإيراني الصريح والذي لا يستطيع أي أحد نكرانه في دخولها المباشر في تعزيز مصالحها في كركوك، لذا قامت بتوجيه بعض الشخصيات ذات النفوذ المؤثرة في صنع القرار السياسي والعسكري في بغداد والإيعاز لميليشياتها التي توصف في العالم والعراق بأنها خارجة على القانون ومحاولاتها اقحام الجيش والحكومة العراقية في معركة ونزاع مسلح سنة 2017 وبتحالف دولي ضمني واقليمي في احداث خلخلة في تركيبة كركوك وتنوعها عبر محاولاتها انهاء الوجود الكوردي في كركوك، وإحداث الفوضى والسيطرة على قرار مكونات كركوك عبر فرض أشخاص وجماعات محسوبة لها ومسخرة (كوردية وعربية وتركمانية) من أجل تنفيذ مصالحها عبر تحويل كركوك الى ثكنة عسكرية مليئة بالفصائل المسلحة وبقعة جغرافية من أجل تهريب النفط والمخدرات ومصدر تهديد للدول العالمية.

من خلال عرض الاجندات الإقليمية الدولية في كركوك سنلاحظ بأن ايران المستفيد الأكبر من إحداث الفوضى في كركوك عبر مصادرة قرارها ومصير مكوناتها وفرض أجنداتها وتسخير كركوك من أجل تنفيذ مصالحها والتي لا تتوانى في أي لحظة في احداث أي خلل وتفعيل الأحداث والظروف من أجل منع عودة المكون الكوردي وبالأخص (البارتي) رمز الكوردايتي والمحبة والتآخي الى كركوك.

كما أنها تعمل على مصادرة قرار الحكومة العراقية في منع تنفيذ قرارات رئيس مجلس الوزراء ومنع الجيش العراقي في تأدية واجبه في تنفيذ قررات الحكومة السياسية والعسكرية عبر تحريك أزرعها في فرض أجنداتها.

ان الدور التركي لا يقل خطورة عن الدور الإيراني من خلال العمل على مصادرة قرار المكون التركماني، وتوجيههم ضمن المكونات الأخرى ولعل زيارة هكان فدان واستقباله لأبرز الوجوه والشخصيات المؤثرة لذلك المكون والتدخل الواضح في شؤونهم الداخلية، وكذلك الدور البريطاني غير المشجع الذي يحاول الاستفادة من منابع الطاقة في كركوك، الأمر الذي جعلها تدخل في تحالفات غير مشروعة مع بعض القوى الاقليمية ولاسيما ايران ودورها السلبي في 2017 بأحداث كركوك ومنع استفتاء اقليم كوردستان، ومساعدة أيران في تنفيذ المصالح المشتركة فيما بينهم عبر تغليب مكون على حساب مكون آخر، وكذلك الدور الاميركي غير المهتم بما يحصل من تجاوزات بحق المكونات الأساسية في كركوك وسكوتها عن كل الانتهاكات ومحاولات التصفية العرقية والقومية، وكل الامور التي تعد مخالفة لحقوق الأنسان وتشجع الديكتاتورية والتفرد بالسلطة، وهذا التجاهل لا يعفيها من تحمل مسؤولية ما يحصل من تلك الانتهاكات، وكذلك الدور الروسي الذي يسعى في دعم ايران وأجنداتها على حساب دعم روسيا في نزعات عالمية في أوكرانيا والقرم وسوريا.

في المحصلة، يمكن القول بأن ما يحصل من أحداث مؤخرة في كركوك من خلال استغلال البعض والدفع بهم الى الشارع في منع عودة المكون الكوردي المتمثل بالحزب الديمقراطي الكوردستاني الى كركوك، انما هي تجسيد للمؤامرة الإقليمية التي تستهدف احداث خلخلة في التركيبة الفسيفسائية المتنوعة في كركوك في استكمال لسياسة التعريب والتصفية العرقية لمكونات على حساب أخرى، وفي ظل تفرج العالم وفي استهتار متعمد وواضح لانتهاكات حقوق الانسان وتهديد الديمقراطية ومحاولات فرض الديكتاتورية لتجعل من كركوك ومكوناتها رهينة تنفيذ المصالح والأجندات الإقليمية في ظل عجز الحكومة العراقية في لعب دورها السيادي والقانوني في حماية مكونات كركوك وشعبها.

 

 

 

روداو

Top