تحذيرات جديدة من أخطار المُحليات الصناعية
صنَّفت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها نُشر في 14 يوليو (تموز) الماضي مُحلي الأسبارتام منخفض السعرات الحرارية على أنه «من المحتمل أن يكون مسرطناً»، في الوقت الذي يعد الأسبارتام من أشهر المُحليات الصناعية في العالم ويدخل في صناعة عدد كبير من المنتجات الغذائية.
وقد تسبب تقرير المنظمة وتوصيات لجنة الخبراء في أبحاث السرطان فيها في حالة من الحيرة لدى المهتمين بالصحة حول حقيقة أضرار مادة الأسبارتام. ومع ذلك قالت لجنة الخبراء المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية بشأن المضافات الغذائية إن الحدود اليومية الموصى بها لاستهلاك التحلية الموجودة في آلاف منتجات الأطعمة والمشروبات لن تتغير.
المُحليات الصناعية والسرطان
يعد الأسبارتام أحلى بـ200 مرة من السكر، ويُستخدم في أكثر من 6000 منتج حول العالم، وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) عليه كمادة مُحلية عام 1974. وفي عام 1981 أقرت لجنة الخبراء المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية (JECFA) كمية يومية مقبولة تبلغ 40 مليغراماً لكل كيلوغرام من وزن الجسم بالنسبة للبالغين العاديين.
كانت التحلية الاصطناعية موضوعاً للكثير من الجدل على مدار العقود الأربعة الماضية وربطها بزيادة خطر الإصابة بالسرطان وقضايا صحية أخرى، لكن عمليات إعادة التقييم التي أجرتها إدارة الغذاء والدواء والهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية وجدت أدلة غير كافية لتقليل الكمية المسموح بتناولها يومياً.
وفي عام 2019 أوصت مجموعة استشارية للوكالة الدولية لبحوث السرطان بإجراء تقييم ذي أولوية عالية لمجموعة من المواد بما في ذلك الأسبارتام على أساس الأدلة العلمية الناشئة، إذ طرحت الوكالة الدليل على وجود صلة بين الأسبارتام وسرطان الكبد من ثلاث دراسات فحصت استهلاك المشروبات المحلاة صناعياً، الأولى التي نُشرت على الإنترنت في عام 2014، تابعت 477206 مشاركين في 10 دول أوروبية لأكثر من 11 عاماً. وأظهر الدليل أن استهلاك المشروبات الغازية المحلاة بما في ذلك تلك التي تحتوي على الأسبارتام كان مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة بنوع من سرطان الكبد يسمى «سرطان الخلايا الكبدية hepatocellular carcinoma».
وأظهرت دراسة ثانية أُجريت في الولايات المتحدة في أغسطس (آب) 2022 برئاسة جييرا جونز، دكتوراه في الطب من قسم وبائيات السرطان وعلم الوراثة في المعهد الوطني للسرطان (روكفيل) الولايات المتحدة الأميركية، ونشرت في العدد 79 من مجلة «كانسر إبيدميولوجي Cancer Epidemiology»، أن استهلاك المشروبات المُحلّاة صناعياً كان مرتبطاً بسرطان الكبد لدى مرضى السكري، بحيث تم ربط استهلاك المشروبات المحلاة بالكثير من عوامل الخطر لسرطان الكبد بما في ذلك مرض السكري. ومع ذلك فإن الدراسات التي تبحث في دور استهلاك المشروبات المحلاة وسرطان الكبد محدودة نظراً لأن الأشخاص المصابين بداء السكري يُنصحون بعدم تناول السكر.
من ناحية أخرى وجدت الدراسة الثالثة برئاسة مارغوري ماكولو، من قسم علوم السكان بجمعية السرطان الأميركية في أتلانتا جورجيا ونُشرت في مجلة «كانسر إبيدميولوجي بايوميكرز وبريفنشن Cancer Epidemiology Biomarkers» في 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 والتي شملت 934777 شخصاً في الولايات المتحدة من عام 1982 إلى عام 2016، ارتفاع خطر الإصابة بسرطان البنكرياس لدى الرجال والنساء الذين يستهلكون المشروبات المُحلّاة صناعياً.
سرطان الكبد
يعد سرطان الكبد سادس أكثر أنواع السرطانات شيوعاً على مستوى العالم وثالث أكبر مساهم في وفيات السرطان. ومن المعروف أن عدداً من العوامل تزيد من خطر الإصابة به وتشمل هذه العوامل الاستهلاك المفرط للكحول والإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي سي (HCV)، وفيروس التهاب الكبد بي (HBV)، وتدخين السجائر، ومرض الكبد الدهنية غير الكحولي، والسمنة، ومرض السكري من النوع الثاني.
ومن الممكن أن تكون العوامل الغذائية مثل المشروبات المُحلّاة مرتبطة بسرطان الكبد، حيث تم ربط استهلاك المشروبات المُحلّاة بمرض الكبد الدهنية غير الكحولي. ويمكن تحلية المشروبات إما بالسكر وإما بالمُحليات الصناعية مثل الأسبارتام والسكرالوز والسكرين، ومع ذلك من غير الواضح ما إذا كانت المشروبات المُحلّاة بالسكر أو المشروبات المُحلّاة صناعياً تسهم في خطر الإصابة بسرطان الكبد.
أما المواد الأخرى المصنفة على أنها «ربما تكون مسرطنة» فتشمل مستخلصات الصبار والخضراوات الآسيوية التقليدية المخللة، وبعض أنواع وقود المركبات، وبعض المواد الكيميائية المستخدمة في التنظيف الجاف والنجارة والطباعة. كما صنفت الوكالة الدولية لبحوث السرطان اللحوم الحمراء على أنها «من المحتمل أن تكون مسرطنة» واللحوم المصنَّعة على أنها «مسبِّبة للسرطان».
ما هو الأسبارتام؟
الأسبارتام هو مُحلٍّ اصطناعي (كيميائي) غير سكري يُستخدم على نطاق واسع في مختلف منتجات الأغذية والمشروبات منذ ثمانينات القرن الماضي بما في ذلك في مشروبات الحمية الغذائية، والعلكة (اللبان) والجيلاتين والمُثَلّجات، ومنتجات الألبان مثل الزبادي، وحبوب الإفطار ومعجون الأسنان والأدوية والفيتامينات القابلة للمضغ. ولا يمكن الكشف عن الأسبارتام في اختبارات الدم لأنه يتحول داخل الجسم إلى ثلاث مواد هي: فينيل ألانين، وحامض الإسبارتيك، والميثانول، حيث من المحتمل أن يكون الميثانول مادة مسرطنة، إذ يتم استقلابه (تمثيله غذائياً) إلى حامض الفورميك الذي يمكن أن يسبب تلف الحامض النووي في الخلايا. لكنّ بعض الباحثين مثل بول فارواه، عالم الأوبئة السرطانية في مركز «سيدارز سيناي» الطبي في لوس أنجليس كاليفورنيا، يقولون إن كمية الميثانول الناتجة عن تحلل الأسبارتام ضئيلة وهي غير كافية لتسبب الإصابة بسرطان الكبد.
الشرق الاوسط