• Monday, 23 December 2024
logo

أزمة النيجر: فرنسا في عين العاصفة

أزمة النيجر: فرنسا في عين العاصفة

«فرنسا في عين العاصفة»، هكذا يمكن تلخيص وضع باريس إزاء التطورات الجارية في النيجر، المستعمرة الفرنسية السابقة التي حازت استقلالها في عام 1960، والتي عاشت خلال العقود الستة الأخيرة على وقع تعاقب الانقلابات العسكرية، في منطقة هي من الأكثر فقراً في العالم.

جاءت مظاهرة، الأحد، على مدخل السفارة الفرنسية في نيامي، ومحاولة بعض المتظاهرين اقتحامها ونزع لوحتها الرسمية ودوسها، والهتاف بخروج القوات الفرنسية المرابطة في البلاد، في دليل إضافي مفاده بأن الحضور الفرنسي في هذا البلد لم يعد مرغوباً به.

تحذير عنيف
وكان من الطبيعي أن تصدر عن الرئيس إيمانويل ماكرون، وفق ما نقلت عنه مصادر قصر الإليزيه، ردة فعل تحذيرية عنيفة، إذ لا يمكن للسلطات الفرنسية أن تسكت أو أن تتساهل إزاء استهداف ممثليتها الدبلوماسية، والقنصلية، ومصالح مواطنيها. وأفاد «الإليزيه» بأن الرئيس ماكرون «لن يتسامح مع أي هجوم ضد فرنسا ومصالحها» في النيجر، وبأن باريس ستردّ «فوراً وبشدّة»، وذلك إثر تظاهر آلاف الأشخاص أمام السفارة الفرنسية في نيامي؛ دعماً للعسكريين الانقلابيين. وأضاف «الإليزيه» أن «أي شخص يهاجم الرعايا الفرنسيين والجيش والدبلوماسيين والمقرّات الفرنسية، سيواجه بردّ فرنسي فوري وشديد، وبالتالي لن يتسامح رئيس الجمهورية مع أيّ هجوم على فرنسا ومصالحها»

سبق لفرنسا أن قررت، عقب اجتماع لمجلس الدفاع الأعلى برئاسة ماكرون، يوم (السبت)، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية «تجميد كل أشكال المساعدات المخصصة للتنمية ودعم الميزانية» النيجرية، مجدّدة مطالبتها بالعودة إلى النظام الدستوري، والإفراج عن الرئيس المرتهن محمد بازوم. وسبق للخارجية أن أكدت أن باريس «لن تعترف» بالوضع الجديد الناشئ عن الانقلاب، وهو الموقف الذي تبناه الاتحاد الأوروبي، و«مجموعة غرب أفريقيا الاقتصادية»، والاتحاد الأفريقي، فضلاً عن الولايات المتحدة الأميركية.

وكما في كل مرة، تعمل باريس على حض الأفارقة ودفعهم للتحرك، وهي بذلك تعيد تأهيل المفهوم الأميركي المسمى «القيادة من الخلف» حتى لا تُتهم بالتدخل بشؤون النيجر الداخلية. وجدد «الإليزيه» تأكيد أن فرنسا «تدعم المبادرات الإقليمية كلها»، وكل الجهود الآيلة إلى «استعادة النظام الجمهوري... وعودة الرئيس المنتخب محمد بازوم» إلى ممارسة مهامه على رأس الدولة النيجرية.

موقف حرج
بيد أن استهداف المصالح الفرنسية بشكل مباشر يضع فرنسا في موقع حرج للغاية، وينقل علاقتها مع نيامي من النقيض إلى النقيض. ومن المفيد التذكير بأن النيجر كانت، حتى وقوع الانقلاب، من أقرب بلدان الساحل لفرنسا التي تقيم معها علاقة خاصة وشراكة «قتالية»؛ لغرض محاربة التنظيمات الإرهابية، خصوصاً تنظيم «القاعدة». وكما هو معروف، لفرنسا قوة عسكرية متمركزة في محيط العاصمة النيجرية، وفي المنطقة المسماة «الحدود المثلثة»، أي حيث تتقاطع حدود النيجر مع مالي وبوركينا فاسو، وحيث تنشط المنظمات الإرهابية.

من هنا، تكمن أهمية أن تبقى النيجر في الحضن الغربي والفرنسي. إذ إن بعد خروج القوات الفرنسية من مالي أولاً، ثم من بوركينا فاسو ثانياً، لم يعد لباريس موطئ قدم قريب من ساحة المواجهة مع التنظيمات الإرهابية. وسبق لباريس أن أعادت نشر جزء من قوة «برخان»، التي كانت منتشرة بشكل خاص في مالي في النيجر، حيث لها راهناً 1500 رجل، ما يعطيها القدرة على حماية مؤسساتها ومواطنيها في حال دعت الحاجة. ولأن باريس لا ترغب في أن يتدخل جنودها بشؤون النيجر الداخلية، فإنها عمّمت «التحذير الاستباقي» الصادر عن رئاسة الجمهورية، وكشرت عن أنيابها حتى لا تكون مضطرة للتدخل الفعلي الذي ستكون له مضاعفات كبرى في حال حصوله.

وبالتوازي مع التحذير العسكري، نددت الخارجية الفرنسية، في بيان، بـ«العنف الذي يستهدف الهيئات الدبلوماسية التي يقع توفير أمنها على عاتق الدولة المستضيفة». وجاء في البيان أيضاً أن «من واجبات القوات النيجرية توفير (الحماية) لهيئاتنا الدبلوماسية والقنصلية وفق معاهدة فيينا». واستطرد البيان: «ندعو (القوات النيجرية) إلى أن تقوم فوراً بالواجبات المفروضة عليها بموجب القانون الدولي».

وما يضاعف من النقمة الفرنسية أن المتظاهرين استبدلوا الأعلام النيجرية والروسية باللوحة الخاصة بالسفارة الفرنسية. ولدى كل مظاهرة تحصل، رغم المنع، تُسمع أصوات تنادي بخروج القوات الفرنسية، كما تُرفع الأعلام الروسية، إلى جانب التعبير عن دعم الانقلابيين. وترى فرنسا في المظاهرات المعادية لها بصمات روسيا عبر الحركة المدنية المسماة «إم 62»، التي سبق لها أن نظّمت مظاهرات مماثلة في السابق.

قواعد عسكرية
ليست فرنسا الدولة الغربية الوحيدة المعنية مباشرة بتطورات الوضع النيجري، إذ إن وضعها قريب من وضع الولايات المتحدة الأميركية التي تملك هي الأخرى قاعدتين عسكريتين؛ إحداهما تقع في شمال شرقي البلاد، ومنها تنطلق المسيرات، إما لجمع المعلومات أو لاستهداف الإرهابيين في منطقة الساحل وفي وسط وغرب أفريقيا. إلا أن النقمة على الدولة المستعمرة السابقة (فرنسا) هي الأقوى. والسؤال المطروح اليوم يتناول الوسائل والأوراق التي تمتلكها باريس للتأثير في مسار الأحداث في النيجر.

من الواضح أن باريس التي تنشط علناً، ومن وراء الستارة، كانت تأمل بتراجع الانقلابيين عن عمليتهم. ولكن مع اصطفاف القوات المسلحة إلى جانب الحرس الجمهوري الذي كان في أساس الحركة الانقلابية، يبدو أن هذا الرهان فقد أي إمكانية لنجاحه. من هنا، فإن باريس تلعب بقوة الورقتين الأفريقية والأوروبية، والأرجح أنها تعتبر أن دولة مثل النيجر، يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة وهي من البلدان الأفقر في العالم، لا تستطيع العيش من دون المساعدات الدولية.

وبحسب البنك الدولي، فإن النيجر تحصل على ما يقارب ملياري دولار سنوياً من المساعدات، منها 122 مليون يورو من فرنسا وضعفها من الاتحاد الأوروبي. بيد أن التجربة السابقة مع مالي وبوركينا فاسو بيّنت أن العقوبات والعزلة الاقتصادية لا تكفيان لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. من هنا، فإن الإنذار الضمني باللجوء إلى التدخل العسكري الصادر عن «المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا» التي أعطت نيامي مهلة لمدة أسبوع واحد للعودة إلى النظام الدستوري يشكّل التطور الأبرز في معالجة هذه الحالة الانقلابية.

ولكن، هل تستطيع المجموعة القيام بذلك من غير ضوء أخضر من مجلس الأمن الدولي، ما سيعني الحاجة لموافقة روسيا؟ هذا الأمر غير مضمون، ولذا فإن الضبابية ستبقى العنوان الأبرز ، بينما لا يستبعد أن تكون هناك جهود تُبذل لشق صف القوات المسلحة، ودفع بعض قطعاتها للتخلي عن دعم الحرس الجمهوري، وعن قائد الحركة الانقلابية، عبد الرحمن تياني، الذي نصب نفسه رئيساً للبلاد.

 

 

 

الشرق الاوسط

Top