• Saturday, 23 November 2024
logo

الاستخبارات الأميركية... بين حماية الأمن القومي ومخاوف التسييس

الاستخبارات الأميركية... بين حماية الأمن القومي ومخاوف التسييس

وكالات الاستخبارات الأميركية مؤسسات رسمت هوية الولايات المتحدة ومعالمها حول العالم وفي الداخل. نُسبت إليها نظريات ومؤامرات، وكُتب عنها قصص وأفلام بعضها من فحوى الخيال، وبعضها الآخر ارتكز على وقائع تاريخية وأحداث حقيقية.

يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق» و«الشرق الأوسط»، طبيعة وكالات الاستخبارات الأميركية: ما هي؟ كيف تعمل؟ من يشرف عليها؟ وما هي أبرز مهامها وإنجازاتها؟ وهل تحكمها قوانين وقيود؟

18 وكالة
يشير جون ميلز، الكولونيل السابق في مجلس الأمن القومي، إلى أن عدد وكالات الاستخبارات كافة يبلغ 18 وكالة، تتواصل مع بعضها وتصب في نهاية المطاف في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. ويضيف أن «مجلس الأمن القومي لا ينتمي إلى مجتمع الاستخبارات، بل هيكلياً هو تابع للرئيس. وهو يعد المنصة التي تجتمع فيها العناصر الـ18 في مجتمع الاستخبارات، حيث يتم التطرّق لما يسمّى بالقضايا المشتركة بين الوكالات بهدف حلّها».

من ناحيتها، تشرح كاثرين شوايت، وهي عميلة خاصة سابقة في مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، أن المكتب هو فرع من وزارة العدل الأميركية، على خلاف وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). وتفصل شوايت عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي وهيكليته، فتفسر أن مهمته ترتكز داخل الولايات المتحدة الأميركية وتعتمد على شقين: حماية الأميركيين والمصالح الأميركية، ودعم دستور الولايات المتحدة. وتضيف شوايت: «لدينا 56 مكتباً ميدانياً في الولايات المتحدة، و350 مكتباً فرعياً، ولكن لدينا أيضاً 60 عميلاً فيدرالياً خارج الولايات المتحدة في السفارات الأميركية يتعاونون مع شركائنا الأجانب ومع الـ(CIA) ومجلس الأمن القومي».

ويقول روبرت غرينييه، المسؤول السابق في الـ«CIA»، إن الوكالة غير مستقلة بالكامل، «لكنها تتمتع بسلطات فريدة من نوعها تمكنها من القيام بعملها خارج الولايات المتحدة». ويضيف غرينييه أن «المعلومات أو الاستخبارات التي تجمعها الوكالة خارج الدولة هي استخبارات سرية. فالحكومة الأميركية تستحصل على المعلومات من عدد كبير من الوكالات الفيدرالية - كامل الوكالات الـ18، بالإضافة إلى وكالات أخرى - لكن المعلومات أو الاستخبارات التي لا يمكن أن نحصل عليها علانية أو من خلال ما يسمى بالمصادر المفتوحة، والتي يجب أن تجمع سراً، هي من مسؤولية وكالة الاستخبارات المركزية».

تعاون «مرتبك» وتنصت غير مشروع
يشير ميلز إلى أن التنسيق الاستخباراتي بين الوكالات كافة «فوضوي بعض الشيء»، ويضيف: «نواجه حالات لا تتعاون فيها الوكالات ولا تقوم بما يجب أن تقوم به وفقاً للقانون». وذكّر ميلز بأن أحد أبرز الإخفاقات في وكالات الاستخبارات كان خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، حين لم تتشارك الوكالات المعلومات الاستخباراتية اللازمة، وبعدها تم تأسيس وكالات ووزارات جديدة، بناء على توصيات لجنة الحادي عشر من سبتمبر، كوزارة الأمن القومي ومكتب الاستخبارات الوطنية المسؤولة عن وكالات الاستخبارات كافة.

ويقول ميلز إن هذه الخطوات أدت إلى إلغاء ما كان يسمى بـ«جدار الفصل» بين تطبيق القانون من جهة والاستخبارات من جهة أخرى، الأمر الذي أدى إلى تسييس وكالات الاستخبارات: «انتقلنا من وجود (جدار) إلى عدم وجود أي حدود لأنشطة تطبيق القانون والاستخبارات»، ولعلّ أبرز مثال على بعض الخروقات في القوانين الأميركية هو عمليات التنصت. يشرح ميلز: «عندما يتم التجسس على مواطنين أجانب ويتم اكتشاف وجود مواطن أميركي في هذه العملية، ينبغي عدم كشف هوية هذا المواطن الأميركي حتى للمسؤولين في الاستخبارات، يجب حجب اسم هذا المواطن الأميركي، لكن هذا لم يحصل في الكثير من الأحيان. إنه أمر خاطئ ويدل على سوء استغلال العملية بأكملها».

ويوافق غرينييه على وجود بعض الإخفاقات في الاستخبارات، خاصة في ملف التنصت، فيقول: «هناك تزايد في (المناطق الرمادية)؛ إذ إن مسؤولية جمع الاستخبارات بشأن تهديدات أجنبية قد تتداخل وتهدد بطريقة ما خصوصية المواطنين الأميركيين؛ لذا أعتقد أنه في الحالات وخلال جمع المعلومات حول نشاطات إرهابية أو عمليات خارج الدولة، قد نحصل على معلومات متعلقة بمواطن أميركي. في هذه الحالة، يجب أن نحمي هويته، لكن هذا أمر يصعب ويشكل تحدياً كبيراً للذين يجمعون ويحللون المعلومات الاستخبارية».

وتذكر شوايت أنه في بعض الأحيان قد تضطر وكالات الاستخبارات إلى «تخفيض معايير الخصوصية» خلال التحقيق في ممارسات إجرامية تهدد الأمن القومي، فتقول: «هناك صراع بين طريقة حماية الخصوصية والحرص على عدم الإفراط بجمع المعلومات، مثلاً إذا كنا نستمع إلى حديث لا يتعلّق بأي نشاط إجرامي محتمل، ولا يحمل أي قيمة استخبارية، فإننا لا نجمع أو نحفظ هذه المعلومات في أنظمتنا؛ لأنها تتعدى على الخصوصيات، أكانوا مواطنين أميركيين أم لا».

اختلاف «FBI» و«CIA»
رغم مساعي التنسيق بينهما، فإن طبيعة عمل الـ«FBI» والـ«CIA» مختلفة للغاية، على غرار اختلاف مهام الوكالتين. فوكالة الاستخبارات المركزية تعمل بشكل سري وتقتصر مهامها على الخارج الأميركي، وموظفوها يحملون هويات مستعارة. ويقول غرينييه إن «الـ(CIA) لا تعلن عن موظفيها أو حتى عن نشاطاتها في الخارج، لكن في بعض الأحيان، يتم التصريح بممثلي الوكالة والكشف عن هويتهم إلى مسؤولي الاستخبارات في الحكومات الأجنبية للتعاون بشكل فعال، لكن هذا لا يعني الكشف عن هويات كافة العاملين في الـ(CIA)».

ويعطي مثالاً على ذلك فيقول: «عندما كنت رئيس مكتب الـ(CIA) في باكستان لدى وقوع حوادث الـ11 سبتمبر، تعاونت مع مسؤولين في الحكومة الباكستانية كالرئيس الباكستاني والخدمات الاستخبارية، وكانوا على علم بهويتي، لكن على الرغم من علاقاتنا الوثيقة بأصدقائنا في باكستان، لم نكشف لهم عن كل ما كنا نقوم به؛ وذلك لأن الـ(CIA) تملك دوراً سرياً في الخارج... فهناك بعض المهام أو الواجبات التي لا يوافق عليها أصدقاؤنا بشكل خاص، وهذه طبيعة عملنا للحرص على أن رئيس الولايات المتحدة يملك كافة المعلومات ويمكنه اتخاذ أفضل القرارات».

وتتحدث شوايت عن طبيعة عمل الـ«FBI» ومهامه، فتشير إلى أن أي مهمة للمكتب خارج الأراضي الأميركية لا يمكن أن تحصل من دون موافقة البلد الأجنبي المعني. وأضافت: «الجزء الأول من مهمتنا هو حماية المواطنين الأميركيين. وهناك حاجة لوجود موظفين خارج الأراضي الأميركية، يقتضي عملهم إعادة المواطنين الأميركيين إلى الولايات المتحدة. إذا لم ترغب الدولة المستضيفة بوجود المحققين الفيدراليين أو جامعي الأدلة أو حتى أي طاقم من الـ(FBI) على أرضها، فهم لن يوجدوا هناك».

وتقول شوايت إن المكتب يعمل بشكل علني، وإن موظفيه يكشفون عن هويتهم علناً: «لدينا عملاء (سريون) قد يعملون في فترات مختلفة. لقد عملت شخصياً بشكل (متخفٍّ)؛ إذ تتظاهرين لفترة محددة بأنكِ شخص آخر لكي تصبحي عضواً في كارتل مخدرات أو عملية إجرامية، لكن في نهاية المطاف، يتم الكشف عن جميع هوياتنا». وتشرح شوايت: «في الولايات المتحدة، لا يمكنك الدخول إلى منزل أي شخص أو توقيف أحد من دون الإعلان عن هويتك... ويجب تقديم مذكّرة تفتيش».

وتشرح شوايت تبعية المكتب لوزارة العدل الأميركية، فتقول: «في فرع التحقيق، لا يمكننا إصدار مذكرة؛ يمكننا فقط إجراء التحقيق وتقديم هذه المعلومات إلى مكتب المدعي العام والطلب منه التوجه إلى المحكمة لإصدار مذكرة تفتيش أو توقيف أو حتى محاكمة شخصٍ ما في قضيةٍ ما. إذاً، نحن مستقلون لناحية عمليات التحقيق؛ إذ لا تقوم وزارة العدل بإدارة التحقيق، لكن عندما نجمع المعلومات فهي التي تمنحنا مذكرات المحكمة».

«تسييس» الاستخبارات وقانونية تقنيات الاستجواب
يقول ميلز إن وكالات الاستخبارات تواجه مشكلة التسييس أخيراً؛ لأنها «استخدمت الاستخبارات الخاصة بتطبيق القانون كسلاح ضد الشعب الأميركي وضد جهة واحدة من الحكومة؛ أي حزب سياسي واحد. إذاً، نحن نواجه مشكلة هنا، ويجب أن نحلها». ويضيف أن «العنصرين الرئيسيين في النظام الأميركي هما دائماً الشفافية والمسؤولية. وقد خسرنا ذلك»، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن النظام الأميركي المبني على فصل السلطات هو نظام تصحيحي للمسارات الخاطئة. ويعطي غرينييه مثالاً على ذلك فيقول إن الكونغرس بدوره الإشرافي يمكنه أيضاً أن يطلع على نشاطات الاستخبارات والاعتراض في حال كانت هذه الوكالات تتعدى حدودها أو تتصرف بشكل غير لائق أو غير حكيم. وهذا ما جرى في عمليات الإيهام بالغرق مثلاً: «يجب على مجتمع الاستخبارات ووكالة الاستخبارات المركزية أن تتبع القانون دائماً، وفي حالة الإيهام بالغرق وغيرها من وسائل الاستجواب التي وصفها البعض بالتعذيب، كان أمراً مخالفاً للقانون؛ لأن الولايات المتحدة تعتمد القانون الدولي فيما يتعلّق بحظر التعذيب. هناك مكتب ضمن وزارة العدل، وهو مكتب الاستشارات القانونية، يقتضي عمله تحديد الأعمال القانونية وغير القانونية لأعضاء الـ(CIA) والحكومة، وهو الذي أبلغ الوكالة في بداية الأمر أن تقنية الإيهام بالغرق وغيرها هي ضمن القانون، لكن حين غيّر المكتب وجهة نظره، توقفت وكالة الاستخبارات المركزية مباشرة بعد ذلك».

وأشار غرينييه إلى صعوبة الشفافية في العمل الاستخباراتي، فيشرح: «لو كنا أكثر انفتاحاً مع الشعب الأميركي حول ما يقوم به مجتمع الاستخبارات باسمه، فقد يطلع الأجانب على هذه المعلومات أيضاً، وهم الذين لا نرغب باطلاعهم على أنشطتنا».

 

 

 

الشرق الاوسط

Top