فلاح يزرع وجندي يمنع!
طارق كاريزي
ربما يبدو العنوان غرائبيا! فلاح يزرع أمر في منتهى البداهة، فالمزارع والفلاح مهنتهما الزراعة والفلاحة وانتاج المحاصيل الزراعية. والغرائبية حد السوريالية هو انخراط الجندي في قطاع الزراعة! ما علاقة الجندي بالزراعة؟ ولم يمنع الجندي الفلاح من زراعة أرضه؟ في أي أرض يحدث مثل هذا الأمر الغريب؟
لا بأس، ما المشكلة في أن يكون الجيش عونا للفلاحين والمزارعين؟ بالتأكيد لا مشكلة في ذلك، بل أن المشكلة هي في استيعاب الحالة، هل حقا باستطاعة الجيش بما يضم من جنود ومراتب وضباط أن يساعد المزارعين والفلاحين في اداء مهامهم الزراعية؟ المنطق يقول، وظيفة الجيش هي الدفاع عن أمن وسلامة الوطن وحماية حدود البلاد من أي مخاطر محتملة أو تهديدات آنية كانت أم مستقبلية.
ان الذي يحدث وباستمرار في كركوك، وتحديدا في قرى ناحية سركران التابعة لقضاء دبس في محافظة كركوك هو تدخل الجيش في شؤون الفلاحين، تدخل هو خارج كل السياقات العسكرية. قوات من الفرقة الثامنة للجيش العراقي المرابطة في كركوك حذّرت فلاحي العديد من قرى سركران من مغبة زراعة أراضيهم!
اجراء في منتهى الغرابة، ما دخل الجيش بمسألة الزراعة والفلاحين؟ أي سلطة قانونية خوَلتهم بذلك؟ هل بات فلاحو هذه القرى يشكلون تهديدا لأمن الدولة العراقية بالشكل الذي استدعى استنفار الجيش وتدخله من أجل صد هذا التهديد والتلويح باستخدام الاسلحة الثقيلة ضد هؤلاء الفلاحين؟ بل وصل الأمر الى تحريك الهمرات باتجاه القرى والحقول الزراعية، وكأن الشتلات في الحقول تحولت الى متفجرات ومفرقعات، وتحول الفلاحون الى مسلحين يهددون أمن الدولة واستقرارها!
"غريب امور، عجيب قضية"، مثلما يقول البغداديون بالدارجة العراقية!
ان الاجراء الذي أقدمت عليه وحدات من الجيش العراقي في قضاء دبس وتدخلها في شؤون فلاحي قرى ناحية سركران، يتنافى تماما مع المسلك الوظيفي للجيش ويتقاطع بشدة مع الدستور والقوانين المرعية في البلد. ليس هذا فقط، بل ان هذه الحالة تنم عن فوضى في الادارة وتداخلا سلبيا غير مسبوق بين مسؤوليات المؤسسات المدنية والعسكرية.
مهما كانت مشكلة قرية من القرى، وبغض النظر عن نوعية المشكلة، ليس من واجب الجيش مطلقا التدخل في شأنها، لأن مسؤولية متابعة مثل هذه الامور قانونيا مناطة بالشرطة كقوات أمنية داخلية. مثل هكذا تدخل يعني ان الجيش العراقي خصوصا الوحدات المرابطة بالمنطقة تخضع لولاءات جهوية تخل بموقعها كمؤسسة وطنية عليها التعامل مع العراقيين على قدم المساواة. هذا التخبط والتداخل بين المسؤولية المدنية والعسكرية ينم عن خرق لمهام الجيش ومسؤولياته، ويثير الشبهات حول مستوى مهنية الجيش كمؤسسة وطنية.
القصة وما فيها بكل اختصار، ان النظام البائد قام في سبعينات القرن الماضي بطرد وتهجير فلاحي قرى منطقة سركران على خلفية انتمائهم القومي واستولت على أراضيهم ظلما ودون وجهة حق، وتاليا قامت بمنح هذه الاراضي لوافدين تم استقدامهم من خارج محافظة كركوك ضمن خطة لتغيير التركيبة السكانية لكركوك وفق مشيئة السلطات آنذاك. وبعد سقوط النظام الشمولي عاد أصحاب القرى الاصليين الى قراهم وبالتزامن مع ذلك غادر مغتصبي أراضي هذه القرى تاركين اياها وهم عائدون الى أماكنهم الاصلية السابقة التي قدموا منها. وهذا يعني اعادة تطبيع أوضاع شاذة فرضها النظام السابق كرها وبموجب توجه عنصري بغيض.
والآن من العدل حماية السكان الاصليين لهذه القرى من أي تهديد يعرضهم للتهجير والترحيل القسري الذي عانوا منه الأمرّين طوال حوالي ثلاثة عقود. الحكومة العراقية ومجلس النواب مدعوّان للتعامل بمنتهى المسؤولية والحرص مع هذه القضية. من المنطق ومن العدل الغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل والتي بموجبها طرد الفلاح والمزارع الكوردي من أرضه واغتصبت أملاكه وأراضيه، وقدمت هذه الأملاك والأراضي تاليا كهبة لفلاح ومزارع عربي تم استقدامه ضمن اطار سياسة تعريب معلنة غايتها تغيير الواقع السكاني بالضد من الوجود الكوردي ولفرض واقع سكاني جديد يتوافق مع السياسية العنصرية للنظام السابق.
باسنيوز