أنصار البشير يرون أن الحرب الحالية ستحدد مصيرهم
توعّد عدد من أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير من الإسلاميين، بنشر الفوضى في البلاد؛ لقطع الطريق أمام أي اتفاق تتأسس بموجبه حكومة مدنية، ما يهدد بتفكك تمكينهم من مفاصل الدولة التي حكموها 30 عاماً، ويقطع الطريق أمام عودتهم للحكم مجدداً.
وشنّ هؤلاء حملة تحريض واسعة لإشعال الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، وما إن اشتعلت الحرب بالفعل، ظلوا يطالبون باستمرارها وعدم التفاوض مع «الدعم السريع» حتى دحره والتخلص منه تماماً، بل أصدر أحد خطبائهم فتوى بقتل المدنيين المعارضين لاستمرار الحرب.
وسرعان ما استبدل أنصار حزب «المؤتمر الوطني» المحلول، الذي يتزعمه البشير، بشعار «الجهاد» القديم، الذي كانوا يستخدمونه لتصفية خصومهم السياسيين، باعتبارهم خارجين عن المِلة وضد الإسلام، شعاراً جديداً يقوم على فكرة «دعم الجيش الوطني» وتخوين كل من ينادي بوقف الحرب، ووصفه بالعمالة للسفارات وغيرها؛ تمهيداً لتصفيتهم باعتبارهم مناصرين لقوات «الدعم السريع».
وتستهدف حملة الترهيب والتخوين والتشويه والتخويف، التي يشنّها عدد من الإسلاميين، قادة القوى المدنية التي أسقطت نظامهم بالثورة الشعبية، في أبريل (نيسان) 2019، وعلى رأسها تحالف «الحرية والتغيير»، الذي قاد الثورة وما زال يطالب بالتحول إلى الحكم المدني الديمقراطي، والتخلص من سيطرة أتباع البشير على مؤسسات الدولة.
وتتهم القوى المدنية أنصارَ البشير من الإسلاميين بالتحريض على الحرب وعلى استمرارها، لكن الاتهام تأكّد بعد فرار قادتهم من السجن، وتصريحات نائب البشير المطلوب لـ«المحكمة الجنائية الدولية» أحمد محمد هارون، وإعلانه، فور فراره من السجن، موقفاً مناوئاً لوقف الحرب، ودعوته أتباعهم للاصطفاف مع الجيش في الحرب بينه وبين قوات «الدعم السريع»، قائلاً: «ندعو كل جماهير شعبنا وعضويتنا، لمزيد من الالتفاف حول القوات المسلحة؛ لمواجهة الميليشيا المنحلّة»؛ في إشارة إلى قوات «الدعم السريع».
ونقل مقطع مصوَّر للداعية الإسلامي المتشدد عبد الحي يوسف، دعا فيه لقتل المدنيين وقادة الأحزاب، وبرَّر فيه قتل المدنيين أثناء القصف الجوي، كما دعا لما سمّاه «ترتيبات إدارية» تحكم بتفريقهم عبر قتلهم، أو إسقاط الجنسية عنهم باعتبارهم «خونة». وقال: «لا بد أن تكون هناك ترتيبات إدارية تضطلع بها الدولة، تحكم بتفريقهم حتى لا يجتمعوا في مكان واحد، كإسقاط الجنسية عن بعضهم من الرؤوس والخونة، بل بالحكم بالقتل على بعضهم».
وعبد الحي يوسف هو أحد الدعاة المتطرفين المؤيدين لنظام الرئيس المعزول البشير. وقد نُقل عنه، إبان الثورة الشعبية التي شملت اعتصاماً ضخماً أمام مقر الجيش، في الأيام الأخيرة قبل سقوط البشير، إصداره فتوى تبرر للبشير قتل «ثلث» الشعب ليعيش الثلثين؛ وذلك لمواجهة المظاهرات العارمة التي أسقطت حكم الحركة الإسلامية برئاسة البشير، كما كشفت وقائع المحكمة، التي أدانت البشير بخيانة الأمانة والاتجار بالنقد الأجنبي، أن الرئيس المعزول دفع ليوسف 5 ملايين دولار، من جملة ملايين الدولارات التي عُثر عليها نقداً في مسكن البشير الخاص.
وهدَّد يوسف بقطع دابر «الخونة والمنافقين»، بقوله: «بعض الناس لا يُكفّ شرُّه إلّا بأن يُقطَع دابره، وأن يُقتل لأنه مَرَدَ على الخيانة والنفاق، ليس المقاتلون فقط، بل هناك من الأحزاب العميلة ومن كان ينفخ في نار هذه الحرب ويهدد بها»، مضيفاً «أقول: لا بد أن يُنظر في تدبير يواجه مكرهم الذي تكرَّر منهم مراراً».
ونشطت حملة أنصار البشير والإسلاميين بُعَيد توقيع «الاتفاق الإطاري السياسي» بين كل من قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو «حميدتي»، في 5 ديسمبر (كانون الأول) 2022 مباشرة، وشنّوا حملة تحريض ضخمة ضد هذا الاتفاق الذي يقضي بتسليم السلطة للمدنيين، وعودة العسكريين إلى ثكناتهم، وتصفية سيطرة الإسلاميين على مؤسسات الدولة.
واستهلّ هذه الحملة القيادي الإسلامي الحاج آدم يوسف، والتي رصدتها «سكاي نيوز عربية»، محرِّضاً أنصار حزبه من الإسلاميين، الذين رددوا الهتافات، قائلاً إن خطتهم تتطلب عملاً كبيراً يشارك فيه الشباب والكبار، مستدلّاً بالآية الكريمة «انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»، وحثّ جميع أتباعهم على مواجهة القوى المؤيدة للحكم المدني، قائلاً «لا تخافوهم، لا يوجد ما يخيف، هم مجرد هبوب، ولن يخيفونا».
كما وصف القيادي في الحركة الإسلامية، والوالي السابق، الذي اشتهر بمواقفه المتطرفة أنس عمر، الحكومة المدنية الانتقالية بـ«الفاشلة»، كاشفاً عن دورهم في إسقاطها، مهدداً بإسقاط أي حكومة «لا يريدونها أو لا يرضون عنها، ولا تطبق شرع الله»، مضيفاً، بلهجة متشنجة يخاطب فيها من يعتبرهم أعداءه: «لن تحكمونا ولن تتولوا علينا، ولا ولاية لكم علينا، ولا سمع ولا طاعة لكم علينا أبداً».
وتحفظ ذاكرة السودانيين لأنس عمر مواقف عدة متشددة، إبان حكمه ولاية شرق دارفور، ولا سيما تصريحاته التي استرخص فيها أرواح أفراد الحركات المسلَّحة في دارفور، على ثمن الرصاصة التي تقتلهم، بقوله: «الرصاصة أغلى من المتمردين»، فضلاً عن دعوته لعدم دفن جثامينهم، وتركها لتقتات عليها الصقور والوحوش.
أما نائب البشير الأسبق إبراهيم محمود فقد وجَّه أنصار حزبهم بالاستعداد، بقوله: «لو جرى الاتفاق (السياسي النهائي)، فيجب أن يكون كل الشعب السوداني في الميدان»، مهدداً «سوف يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون». وتوعّد بأن يرى معارضوهم ما يرونه من الشعب السوداني»، حاثّاً عضوية حزبه بقوله: «نريد من كل محلياتنا ووحداتنا أن تكون جاهزة، وأن يأتوا بمواصلات أو من دونها، فالقصر الجمهوري قصركم أنتم، وليس قصراً للعملاء».
وفي وسائط التواصل الاجتماعي تنشط حملات تحريض ضد وقف الحرب، بل تدعو لاستمرارها حتى فناء قوات «الدعم السريع»، وتتهم المعارضين بالخيانة، وتدعو لرصد كل من لا يقف مع الجيش باعتباره خائناً وعميلاً، بل بعضهم اعتبر حتى موافقة قيادة الجيش على هدنة مؤقتة، أو قبول مبدأ التفاوض، «رخاوة وتراجعاً مُهيناً».
ويشير كل التحليلات والوقائع إلى أن جماعة «الإخوان المسلمين» وأنصار البشير يعتبرون الحرب الدائرة هي معركتهم الأخيرة، والتي يُلقون فيها بكل أسلحتهم، ما يجعل سيناريو الحرب هو الوحيد الذي يرونه متاحاً أمام بقائهم، إذ لا خيار آخر يملكونه في مواجهة الرفض الشعبي الواسع لعودتهم إلى الحكم مرة أخرى.
الشرق الاوسط