• Thursday, 26 December 2024
logo

الانفال

الانفال

طارق كاريزي

 

الأنفال هي السورة الثامنة من القرآن الكريم، وعدد آياتها (75) آية. تبدأ بالآية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.) وهذه الآية هي الوحيدة التي تتحدث عن موضوع تسميتها.

لكن الأنفال في الذاكرة الكوردية وفي سيرة النضال التحرري الكوردستاني، لها قصة أخرى تبتعد كثيرا عن قيم الدين الحنيف والتعاليم السمحة التي بشر بها الكتاب الكريم وأكد عليها النبي الأمين. كيف؟

الأنفال سلسلة حملات ابادة جماعية نفذتها قوات الجيش العراقي عام 1988 خلال ثمان مراحل، ذهب ضحيتها حوالي 200 ألف مدني كوردي من سكان ريف كوردستان العراق. حزب البعث الذي تولى السلطة للمرّة الثانية في العراق عام 1968 أدام المضي في الحل العسكري لضرب ثورة التحرر الكوردستانية.

وبعد عامين من الحرب التي بدأت فيما سبق منذ عام 1961، وتعرف كوردياً بثورة ايلول، باتت الامور عند طريق مغلق أمام السلطات العراقية، حيث أبدى الثوار الكورد مقاومة عنيدة في الدفاع عن كوردستان واصرارهم على تحقيق الحقوق العادلة للشعب الكوردي. من هنا اضطرت الحكومة العراقية بقيادة حزب البعث لاختبار طريق السلام، ونتج عن ذلك عقد اتفاقية 11/آذار عام 1970. هذه الاتفاقية لو قدر لها التطبيق، لطوت صفحات العنف والصدامات المسلحة الى الأبد بين الحكومة العراقية والقيادة الكوردية. لكن الحكومة العراقية لم تكن صادقة من حيث انفتاحها السلمي على القضية الكوردية، وهذا ليس من باب التكهن والاستقراء، بل الوقائع تثبت ذلك بما لا يقبل الشك. وجاءت اتفاقية آذار/ 1970 من باب المناورة لاحتواء الثورة الكوردية واجهاض مساعيها النضالية أو الحد من تصاعد وتيرتها. ولعل أولى بوادر عدم مصداقية السلطات العراقية آنذاك حيال الحل السلمي للقضية الكوردية، هو ضلوع اجهزتها المخابراتية في محاولات اغتيال كبار القادة السياسيين الكورد حتى وصلت الامور لتدبير محاولة اغتيال رهيبة ضد زعيم الحركة التحررية الكوردية مصطفى البارزاني.

هكذا وبعد تنصل السلطات العراقية عن تنفيذ الاتفاقية وافراغ محتواها، سارت الامور باتجاه اندلاع وتجدد المواجهات المسلحة، بالذات بعد ان هاجمت قطعات الجيش العراقي كوردستان ومن محاور عدة، على خلفية سعي كبير لتسليحه خلال السنين الاربعة من هدنة آذار (1970- 1974) بأحدث الاسلحة البرية والجويّة آليات وعتاد، وكانت الحكومة العراقية تنوي مع سبق الاصرار انهاء الحركة الكوردية بقوّة السلاح وفرض حالة من الحل من جانب واحد للقضية الكوردية من خلال مؤسسات شكلية لا تتمتع بسلطات حقيقية على أرض الواقع. رغم شراسة الهجمات التي شنتها القوات العراقية برّا وجوّا ضد الثورة الكوردية، لكن الثوار الكورد واصلوا الصمود والتصدي الاسطوري، وأكثر من ذلك استطاعوا احتواء زخم الهجمات المتوالية للقوات العراقية حتى بات الجيش يتراجع أمام مقاومة البيشمركة. جاء الحل من جانب السلطات العراقية من خلال اغتيال الثورة وطعنها من الخلف عبر اتفاقية الجزائر بين النظامين العراقي والشاهنشاهي الايراني الذي تنازل بموجبه الطرف العراقي عن سيادته على نصف مياه شط العرب ومناطق حدودية لصالح ايران الشاهنشاهية مقابل مشاركة الحكومة الايرانية في خنق واغتيال الثورة الكوردستانية وايقاف دعمها.

تصور قادة الدولة العراقية عام 1975 الى استنتاج مفاده، بأن الثورة الكوردستانية قد انتهت والى الأبد. وقد صرح صدام حسين لأكثر من مرّة بذلك. واتخذ اجراءات قاسية ضد ما اعتبره ارضية لقيام الثورة مجددا، من خلال ترحيل وتهجير مئات القرى الكوردستانية على طوال الحدود المشتركة مع ايران وتركيا وبعمق 10 كم. لكن هذا لم يمنع اندلاع الثورة الكوردستانية مجددا بعد عام واحد فقط من اغتيال ثورة ايلول عام 1975، لأن مبررات انطلاقها ومعطياتها كانت فاعلة بشكل ملح، بعد أن واصل النظام العراقي سياساته المعادية لمواطنيه الكورد.

مع ان السلطات العراقية مارست العنف المفرط في ضرب الثوار الكورد واستخدمت كل أنواع الاسلحة الحديثة التي كلفت الكثير من خزينة الدولة العراقية، الا ان مقابل ذلك كان الصمود الكوردي اسطوريا. وعوضا عن لجوء السلطات العراقية الى الحلول المنطقية البديلة من خلال الانفتاح سلميا على حركة التحرر الكوردستانية، صعّدت من مستوى قمعها وعنفها المفرط وبلغ أشده باستخدام الاسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا في ضرب الثوار الكورد والمدنيين من أبناء الريف الكوردستاني، علاوة على ضرب مدينة حلبجة بالسلاح الكيمياوي الذي ذهب ضحيته (15) ألف مدني بين قتيل وجريح وخلال ساعات فقط.

ثمان سنوات من الحرب ضد ايران تلقى فيها العراق الدعم الواسع من العديد من الدول الغربية ومن أشقاءه العرب وبسخاء، صعّد من امكانيات الجيش العراقي الذي بات ذو خبرة عالية في الحرب وفنونه. هذه الحالة من الشعور بالقوة العسكرية الضاربة، رفعت درجة غرور السلطات العراقية وكبار قادة الدولة، ومن باب الغطرسة الزائدة، قررت هذه السلطات وللمرّة الثانية استئصال الثورة الكوردستانية ولجأت في مسعاها هذا الى قاعدة ميكيافيلية عنوانها "الحرب تبرر وسائلها"، وهكذا فقد هاجم الجيش العراقي بكامل عدته وسلاحه البرّي والجوي اضافة لسلاحه الكيمياوي المحرم دوليا كوردستان. هذا الهجوم الذي استهدف المدنيين الكورد بذات درجة استهدافه المسلحين من الثوار الكورد. وبلغ هذا الهجوم اشد درجات العنف المفرط حتى وصل حد تنفيذ حملة ابادة جماعية على ثمان مراحل خلال عام 1988.

شعب كوردستان العراق الذي تعرض للابادة الجماعية، وقد وثّقت المنظمات الدولية هذه الابادة بكل دقة، يستحق أن يتمتع بالحماية الدولية، وأكثر من ذلك يستحق أن يمارس حقه في تقرير المصير. يبدو ان الحق الأخير منهما يتعارض مع مصالح الدول العظمى، وبذلك تم تغاظي الطرف عنه.

حقيقة وأنا أكتب عن الأنفال، يصعب عليّ مواصلة عرض المأساة الكوردية. شعب ينشد الحرية، فيما تنهال الدول والقوى التي تتقاسم وتقتسم ارضه بالضرب وممارسة القمع من دون تردد حتى من استخدام أعتى أشكال العنف وأفتك أنواع الاسلحة المباحة منها وغير المباحة. معادلة مختلة تتحكم بطبيعة العلاقة بين الكورد والأمم والشعوب المجاورة لهم. حق التمتع بالاستقلال تم ضمانه دوليا لكافة شعوب الشرق الأوسط، فقط الكورد حرّموا ومازالوا محرومين منه. القرن العشرين والربع الأول من القرن الحادي والعشرين، يقدمان لنا سجلا حافلا بالجراحات الكوردية. هنا كلامنا ينحصر على فصل من عشرات فصول هذه الجراحات وفي أجزاء كوردستان الأربعة، واليكم شهادة من موقع الكتروني عمّا حلّ بالكورد من مأساة خلال حملات الأنفال فقط، كأحد فصول مأساة شعب طوال قرن وربع قرن من الزمان:
"عمليات الأنفال أو حملة الأنفال، هي إحدى عمليات الإبادة الجماعية التي قام بها النظام العراقي السابق برئاسة الرئيس صدام حسين سنة 1988 ضد الكورد في إقليم كوردستان شمالي العراق. وقد اوكلت قيادة الحملة إلى علي حسن المجيد الذي كان يشغل منصب أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث العربي الاشتراكي، وبمثابة الحاكم العسكري للمنطقة، وكان وزير الدفاع العراقي الأسبق سلطان هاشم القائد العسكري للحملة. وقد اعتبرت الحكومة العراقية آنذاك الكورد مصدر تهديد لها وقد سميت الحملة بالأنفال نسبة للسورة رقم 8 من القرآن الكريم. و(الأنفال) تعني الغنائم أو الأسلاب، والسورة تتحدث عن تقسيم الغنائم بين المسلمين بعد معركة بدر في العام الثاني من الهجرة. استخدمت البيانات العسكرية خلال الحملة الآية رقم 11 وقام بتنفيذ تلك الحملة قوات الفيلقين الأول والخامس في كركوك وأربيل مع قوات منتخبة من الحرس الجمهوري، بالإضافة إلى قوات الجيش الشعبي وافواج ما يسمى بالدفاع الوطني التي شكلها النظام العراقي وقد تضمنت العملية ستة مراحل."

"بدأت حملة الأنفال في عام 1986 واستمرّت حتى عام 1989، وكان على رأسها علي حسن المجيد ابن عم الرئيس العراقي صدام حسين من مدينة تكريت مسقط رأس صدام. شملت حملة الأنفال استخدام الهجمات البرية والقصف الجوي والتدمير المنظم للمستوطنات والترحيل الجماعي وفرق الإعدام والحرب الكيماوية التي جعلت المجيد يحصل على لقب «علي الكيماوي». قُتل آلاف المدنيين خلال الحملات المناهضة للمتمردين التي امتدت من الربيع الشمالي لعام 1987 إلى الخريف الشمالي لعام 1988. كانت الهجمات جزءًا من حملة طويلة دمّرت ما يقارب 4500 قرية كوردية و31 قرية مسيحية آشورية على الأقل في مناطق شمال البلاد ونزوح ما لا يقل عن مليون من سكان البلاد البالغ عددهم 3,5 مليون نسمة. ولقد جمعت منظمة العفو الدولية أسماء أكثر من 17000 شخص اختفوا في عام 1988 وقد وُصفت الحملة بأنها إبادة جماعية في طبيعتها".

 

 

باسنيوز

Top