• Monday, 25 November 2024
logo

الإتفاق النفطي بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية

الإتفاق النفطي بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية

شيروان الشميراني

 

بقدر ما يتعلق بإدارة البترول في العراق، لم يكن الطرفان قريبين الى روح الدستور في مادته المتعلقة كما هي الآن، المادة رقم 112 تنص على تسيير وتدبير الاشراف على الثروات معاً بالتشارك، أي عدم الإنفراد، في التصدير ورسم الستراتيجيات. وينظم بقانون كما هو شأن الملفات كلها التي تحتاج الى قانون ناظم بما ينسجم مع المادة الدستورية المتعلقة.

عند كتابة الدستور وتثبيت تلك المادة كان الجانب الكوردي يعلم ماذا تعني، وكان يعلم انه معني بتنفيذها، بمعنى أن متطلباتها وموجباتها كانت واضحة أمامه، لهذا كان من شروط الجانب الكوردي في اتفاقية تشكيل الحكومة الأولى الدائمة والتي وقعت في أربيل هو تمرير قانون النفط والغاز، لكنه لم يُمرر وبقي رهين الخلافات وأصبحت مادة المساومات السياسية عند تشكيل كل حكومة منذ 2006 ولغاية توقيع الاتفاقية الحالية، وكانت المشكلات والنزاعات تتوالى بين الطرفين لحد قطع كامل لِحصة الملايين من المواطنيين في الإقليم من الموازنة العامة للدولة العراقية.

كانت مادة المساومة من خلالها ومن خلال غيرها من الملفات الخلافية العالقة بين الطرفين، تُقنع أو تُجبر الإقليم على عقد التحالفات السياسية، ثم يُتنصل عن تنفيذها، لأن عدم معالجتها ضمان الإبقاء على الطرف الكردي في الجانب الذي مطلوب وجوده فيه حسب المصلحة السياسية الحاكمة.

إن قرار هيئة التحكيم الدولية في باريس إستند إلى إتفاقية تعود لعام 1973 أي لزمن حكم حزب البعث حين كان أحمد حسن البكر ريئساً للجمهورية، أي إنها لا تخاطب الجانب الكوردي، ولم يأتي بناءً على الدستور العراقي الجديد، ولا الحكم على عدم دستورية تصرف إقليم كوردستان بالثروات الموجودة على أراضيها، فالحكم – أقصد قرار باريس تحديداً - ليس دليلاً على أحقية سياسة بغداد الحالية الجديدة وبطلان كوردستان، لكن كان في القرار الخير الكثير للجانبين، وحررهما من كثير من الاحراج أو العوائق التي حالت دون التوصل إلى إتفاق وتفاهم مشترك في السنين المنصرمة، كالتالي:-

1- حرّرَ القرارُ إقليم كوردستان من عقود غير واضحة وربما مجحفة من شركات النفط الدولية بحق الشعب الكوردي، والتي كانت نتيجة وضع سياسي واقتصادي قلق ومربك وتصور خاطيء. فأصبحت تلك الشركات أمام أمرين أما الإمتثال للشروط الجديدة أو الحرمان من التمتع بالربح والتجارة بالنفط الكوردي.

2- دفع الحكومة الفدرالية على تحمل مستحقات شركات الاستخراج والتي كان الجانب الكوردي يطالب الحكومة بها لكن بغداد ما قبل شياع السوداني كانت رافضة. الآن القبول بدفع المستحقات أو بقاء الأمور معلقاً من دون حلّ.

3- دفع بغداد الى التوصل لتفاهم مشترك تجنباً لأضرار حاصلة حيث إن أنابيب النفط تلك تنقل عشرات الالاف من براميل النفط التابعة لإدارة المركز.

4- دفع الجانب الكرودي للتعامل مع شركة "سومو"، وهي خطوة كانت مرفوضة إلى حدّ كبير في الفترات السابقة، مما ساعد على إنجاز الاتفاق.

5- كان المسؤولون في وزارة النفط العراقية يقولون للجانب الكوردي، مادام تبيعون النفط، دعونا نحن نبيعه لكم بالسعر الدولي وانتم المربحون، بمعنى أن الجانب الكوردي يربح الآن من كل برميل 10-15 دولار، وهذا مبلغ كبير بالنسبة لمحافظات إقليم كوردستان، والخروج من الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها منذ عام 2014. ثم المردود من بيع النفط يتصرف بها رئيس الحكومة في إقليم كوردستان كجزء من الموازنة العامة، وفي هذه الحالة لا شك بأنه يحتسب من مستحقات إقليم كوردستان من الموازنة العامة.

6- كل المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد، متعلق بغياب القانون الناظم، وعجز البرلمان من تشريع وتمرير القوانين الضرورية بما ينسجم مع الدستور الذي كتب من أجل عراق جديد، عراق دمقراطي فدرالي قطعاً مع العهد القديم. لو كان قانون النفط والغاز موجوداً أمام المحكمة الاتحادية لما كانت هذه النزاعات التي أنتجت في مرحلة ما صداماً مسلحاً أن تحدث، والآن الملفات الأخرى لا يجوز غضّ الطرف عنها، هذه الاتفاقية هي فقط تنهي جدال البترول ليس أكثر، لحين تمرير قانون النفط والغاز أو التصويت على الموازنة العامة للسنوات المقبلة.

هنا لا يمكن تجاوز حقيقة أنّ العديد من المشاكل والسجالات والنزاعات التي حدثت بين إقليم كوردستان والحاكمين في بغداد، تعود إلى عدم التكيف مع متطلبات الدستور الذي أراد العراقيون من خلاله تجاوز مرحلة المركزية الشديدة إلى نظام الأقاليم، ولجوء المحاكم الإتحادية والفرعية الى القوانين النافذة والتي هي من تركة النظام السابق بسبب غياب القانون البديل يكون التربص هو المتوقع.

وتعود المشاكل أيضاً إلى الحضور الدولي "الإقليمي" على وجه الخصوص في الشأن العراقي، فلا شك أن الدول تلك تتحرى الطرق التي من خلالها تنجز ما لديها من خطط للحصول على مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، هذا الحضور الدولي " الإقليمي" خلق عقولاً تبحث وتهوى التحكم الشامل والطغيان، إقتنعت بأن بضع عشرات من النواب مع الصواريخ المستوردة والمقلِدة تسبغ الشرعية على إطلاقية رؤاها وبسط يدها على أي مكان يشاء. بالتجاوز على منطوق الدستور وما يتيحه النظام الفدرالي من إستقلالية نسبية في الإدارة. في حين إن تشريع القوانين التي تبسط وتعدل الطريق لتنفيذ الدستور والتكيف النفسي والعقلي معه هو الحل، الذي سيكون الجميع مجبراً على التعايش بسلام وأمان ووِفاق.

 

 

روداو

Top