• Thursday, 26 December 2024
logo

مواكبة النظام العالمي الجديد.. إشكالية البقاء

مواكبة النظام العالمي الجديد.. إشكالية البقاء

مؤيد رشيد

الإشكالية في زماننا هي أن القلم كان بيد صاحبه، والكلمة كانت من خلال الكتب والقنوات الثقافية والادبية مع رقابة على الحرف والكلمة والجملة والحركات توخياً لسلامة اللغة.

نحن اليوم في عالم المشاع كل شيء فيه متاح، من لا يملكون حق الكلام لأنه ليس صنعتهم وليست لديهم خلفية ثقافية اقتصادية سياسية علمية اجتماعية او سمها ما شئت، الكل يدلو بدلوه العالم والجاهل سواء. الحاقد والموتور. المتعلم والأمي. ناهيك عن ثقافة القطيع الذي يردد ما يسمعه او يقرأه دون فهم أو تمحيص.

ماكنة إعلامية جبارة وسيلتها ملاعيب ونفاخات العصر الجديدة، ووسائل التواصل الإجتماعي التي باتت تشكل العقول والأفهام والأذواق والأفكار ومن جديد وبشكل خطير.

العالم تغير من حولنا كثيرا في كل مناحي الحياة، التوازنات والاولويات والمفاهيم تبدلت كثيرا، والخارطة الجيوسياسية التقليدية والتي إستمرت لعقود طويلة، هناك محاولات حثيثة لتغييرها، الحياة صارت أصعب وأكثر تعقيدا مما نتصور لتتجاوز مداركنا وإفهامنا نحن البسطاء، فكيف بالساسة والحكام أولي الأمر كما يقولون، أولئك من بينهم وطنيون يجاهدون للمحافظة على كيانات الدولة قائمة ببلدانهم.

إن الهجمة الشرسة التي أستغربها على مصر والسعودية والامارات، هي ليست بسبب انها تأتي من التيارات الدينية أو سواها ممن لديها أجندات تخدمها فهو أمر معلوم ومفهوم، نحن لا نتحدث عن هؤلاء، كلا لان هذه الهجمة تأتي من بعض المثقفين الذين لهم حضور على منافذ التواصل الإجتماعي او ما يسمى بالسوشيال ميديا.

السؤال لكل عراقي على وجه الخصوص بماذا أساءت لنا مصر او السعودية أو الامارات و غيرها؟ الم يهاجم صدام حسين المدن السعودية في طريقه لغزو الكويت ذلك القرار التاريخي الأهوج بكل المقاييس والأعراف وبإعتراف كثيرين من مستشاريه.

الم تقدم لنا دول الخليج ومنذ الغزو في 2003 وما بعدها، عدا الكويت، عشرات المشاريع الاستثمارية رغم مناخ الإستثمار الطارد السائد في العراق بسبب الفساد.

مصر بلد فقير نسبياً قياسا ببلدان النفط كالعراق ودول الخليج، ناهيك عن عدد نفوسهم الذي تجاوز المائة مليون إنسان بكثير. ورغم كل ذلك فثورة الإصلاح و الإعمار على كافة الأصعدة والميادين فاقت كل تصور وأصبحت كالخرافة وأثبتت مقولة (تباً للمستحيل) خلال وقت قياسي يثير للدهشة والإعجاب، وأتذكر هنا مقولة السيد أياد جمال الدين (يا ليت كان عندنا في العراق إمام عادل ومصلح كالسيسي في مصر).

دول الخليج الغنية بالنفط تباري الزمن في في سباق التطور والإعمار والبناء تمهيدا إلى عصر ما بعد النفط، فهي في جهد مستمر وتحاول بكل سبل العلم الحديثة بناء مستقبل إقتصادي وبنية تحتية ومناخ إستثماري يكون بديلا عن النفط في المستقبل القريب للأجيال القادمة.

أوليس العراق واحدا من أكثر البلدان النفطية الغنية، فأين نحن من كل هذا وهؤلاء؟

هاجس الأنظمة الوطنية اليوم هو ما سيأتي به الغد وبعد غد والمستقبل القريب والبعيد، فالتغيرات الإقليمية والدولية من حولنا مقلقة إلى حد غير مسبوق لم نشهده على مر أجيال عديدة.

التوازنات أصبحت هي سر البقاء، فالعالم إلى إنقسام شديد، إمبراطوريات عظيمة تتهاوى وأخرى تنمو بشكل مخيف وسريع، من لا يجد مكانا له وسط هذه المعادلة الصعبة فسوف يضيع ويضيع معه شعبه وبلاده ودولته.

العالم يتغير من حولنا بشكل مخيف، عدو الأمس الذي كان من بين ابجدياتنا الأساسية عقود طويلة أصبح اليوم موال وصديق، وتربطنا معه معاهدات التعاون المشترك وتبادل المصالح التجارية والثقافية.

الكثير من المحرمات الأخلاقية أو الدينية أصبحت اليوم تشرع لها القوانين وتحميها بنود في الدساتير.

على الصعيد العربي هناك متغيرات تحدث، منها عودة سوريا إلى الصف العربي بتأثير روسي ووساطة مصرية وترحيب عربي وخليجي من خلال دعوتها لحضور القمة العربية القادمة، وهناك أيضا التقارب السعودي الإيراني المثير للجدل، وما سيتوضح لنا لاحقا مما يشتمله من بنود ستلقي بإنعكاساتها وظلالها على الأوضاع في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ونحن لذلك في ترقب كبير وحذر.

وعلى الصعيد العالمي، و ما يتردد من اخبار حول إعتماد عملات كاليوان الصيني والروبل الروسي كعملات أساس للتبادل التحاري ربما ستتسع لتشمل نصف الكرة الأرضية قريبا وكل الدول التي تتعامل تجاريا مع الصين وروسيا، وهو ما صار يشكل خطرا وتهديدا لأميركا وهيمنة الدولار الوهمية والتي إستمرت أكثر من خمسين عاما دون غطاء ذهبي بل مجرد وهم سياسي (منذ عهد الرئيس نيكسون او ما أطلق عليه بصدمة نيكسون، وهي عبارة عن سلسلة من التدابير الاقتصادية التي قام بها رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون في عام 1971، وأهمها كان إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأميركي إلى الذهب).

غطاء سياسي أميركي يحميه واقع الهيمنة والنفوذ كقوة عظمى سادت عقود طويلة وما زالت تقاوم لأجل الوجود، وما الحرب الأوكرانية الأخيرة كذلك سوى دليل حي وواقعي على صراع الإرادات الدولية.

كل ما يدور من حولنا إقليميا ودوليا من صراع إرادات ومصالح سيضع بصمات قوية ومؤثرة على (مستقبل الغذاء والطاقة حول العالم) وكذلك توازن القوى العالمي الجديد والذي يتشكل ومن جديد.. فأين نحن من كل ذلك؟

في العراق نحن في سبات عميق كسبات أهل الكهف ولا أتصور منه قريبا سوف نفيق، فالأحرى بنا أن لا ننتقد تجارب الآخرين فبليتنا تكفينا، وتزود.

التاريخ طالما ألقى بظلاله على الحاضر، والحاضر على المستقبل، وهكذا دواليك، حركة التاريخ والجغرافية في تغير مستمر ومن لا يعيها ليس له مكان واضح في المستقبل.

 

 

 

 

Top