انطونيو غوتيريش : علينا أن نمنع تحول بلاد ما بين النهرين إلى بلد اللانهر
شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على ضرورة ألا تتحول بلاد ما بين النهرين (العراق) الى بلاد اللانهر، مشيراً الى أنهم في المؤتمر العالمي المقبل حول التغير المناخي على مستوى الدول [COP28] سيصرون على مضاعفة الميزانية المخصصة للبلدان النامية لتتمكن من التأقلم مع التغير المناخي.
واضاف غوتيريش في مقابلة ان "مشكلة المياه في العراق ليست ناتجة عن ظاهرة التغير المناخي وحدها، بل هي نتيجة لخفض نسبة المياه التي تتدفق عليه من الدول المجاورة"، مبيناً أن "من المهم للعراق أن يحظى بالمساندة ليتمكن من تنفيذ هذه السياسات للحفاظ على الإمكانيات الزراعية لوادي دجلة والفرات".
وأدناه نص المقابلة:
* شكراً جزيلاً على إتاحة هذه الفرصة.
أنطونيو غوتيريش: من دواعي سروري. اسمح لي، بينما نحن مقبلون على نوروز أن أرجو نوروز سعيداً لكم ولكل من يشاهدنا.
* شكراً جزيلاً. أود في حوارنا هذا أن نتحدث عن العراق وسوريا، خاصة وأنه كانت لكم في مطلع هذا الشهر زيارة للعراق استغرقت يومين. لكن قبل أن أطرح أسئلتي، أود الإشارة إلى حقيقة لافتة حول هذه المقابلة، فهذه هي المرة الأولى خلال 77 عاماً من عمر الأمم المتحدة، التي يجلس فيها أمين عام الأمم المتحدة مع كوردي - مع شخص من كوردستان ليجري معه مقابلة.
أنطونيو غوتيريش: ربما هي المرة الأولى، لكنها لن تكون الأخيرة.
* أرجو ذلك. شكراً لكم. هذا انعكاس لغياب صوت الكورد في الأمم المتحدة. لا شك أنكم مطلعون على تاريخنا. أمة يبلغ تعدادها نحو 60 مليوناً تم تقسيم أرضها تاريخياً قبل نحو قرن من قبل المحتل الأوروبي ولا يزال النظام الدولي متمسكاً بتلك الحدود ويفرضها فرضاً. ألا ترى أن غياب الصوت الكوردي يقلل من التنوع والتسامح والعدالة في الأمم المتحدة؟
أنطونيو غوتيريش: نحن مهتمون جداً بهذا الموضوع، خاصة وأنه يوجد في الأمم المتحدة عراقيون وسوريون وإيرانيون وأتراك. من الأهمية بمكان عندنا أن يكون هناك تمثيل لكل المجاميع العرقية من خلال الممثليات الوطنية لهذه الدول. من هذا المنطلق، لدي الكثير من الأصدقاء الكورد. ستغمرنا السعادة لو كان للمكون الكوردي تواجد في الأمم المتحدة ضمن ممثليات أي من هذه الدول. لا شك أن هناك آليات وطرقاً للاختيار، وأنا عن نفسي سأفعل كل ما بإمكاني للأخذ بملاحظتكم هذه.
* عن زيارتكم للعراق. بقيتم في العراق يومين، والتقيتم بكثيرين فيه من المجتمع المدني وكادر الأمم المتحدة. سأبدأ بالسؤال عن الأمم المتحدة. فللأمم المتحدة برنامج ضخم ومكلف وذو ميزانية كبيرة في العراق. في نفس الوقت، هناك تفويض دعم وإجماع منقطع النظير على هذا في مجلس الأمن الدولي. صلاحيات هذا البرنامج واضحة جداً. فالعراق يعاني مشاكل كثيرة. هل أنتم راضون عن أعمال بعثة يونامي وبرامج الأمم المتحدة في العراق؟ ألا تعتقدون أن بإمكان الأمم المتحدة أن تحقق المزيد من المكاسب في العراق؟
أنطونيو غوتيريش: أعتقد أن يونامي تدير أعمالها بصورة جيدة. لا يخلو أحد من مشاكل، ولا أقول أن الأمم المتحدة لا مشاكل لها في أعمالنا التي ننجزها في أي مكان من العالم. لكني أرى أن يونامي تمارس دوراً إيجابياً بخصوص الهدف الذي يهمنا، وهو أن يتمكن العراق من التخلص من كل المشاكل التي أمسكت بخناقه في التاريخ القريب، ويقف على قدميه من جديد ويصبح لاعباً دولياً مهماً جداً. في نفس الوقت، تكريس هذه الإمكانيات لتكون المؤسسات في خدمة شعب العراق. يمتلك العراق ثروة طبيعية، والعراق ليس دولة فقيرة، لكن من المهم جداً أن يمتلك أسلوب حكم جيد ويتمتع بوحدة تنوعية، فالوحدة التنوعية مهم وجودها لتستخدم هذه الثروة بما يخدم السكان. أعتقد أن دور يونامي يتمثل في مساعدة العراق للسير في هذا الاتجاه. خلال زيارتي هذه إلى العراق تبين لي أن تقدماً جيداً تحقق من حيث مكانة البلد. أعتقد أن هذه فترة تبعث على الأمل في العراق. هي فترة تبعث على الأمل يمكن أن تكون فيها للعراق عملية تعزيز مستمرة لمؤسساته، وحل مشاكله العالقة والبدء بعملية يتمكن فيها العراق من تقديم الخدمات الأساس لمواطنيه الذين يستحقونها في حين يمتلك البلد الموارد اللازمة لتقديم هذه الخدمات.
* كما ذكرتم، يواجه العراق الكثير من المشاكل، لكن المشكلة الجديدة هي آثار ظاهرة التغير المناخي على العراق. يوجد في جدول أعمال الأمم المتحدة لهذا الشهر مؤتمر حول الثروة المائية، والعراق أبرز مثال على التأثر بظاهرة التغير المناخي وقد بدأ من الآن يعاني من مشاكل الجفاف وشحة المياه. هل توجد لدى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أي خطط لمساعدة العراق الذي يشعر أكثر من غالبية الدول بتأثيرات ظاهرة التغير المناخي؟
أنطونيو غوتيريش: أعتقد أن هذا الموضوع يجب أن يكون في صلب المساعدات الدولية للعراق، ومن المؤسف أن العراق سيحتاج إليها لسنوات عديدة. فلا يتوقع لهذه المشكلة أن تحل بسهولة لأن ظاهرة التغير المناخي تتطور بسرعة. بسرعة كبيرة. لنكن صريحين، لم يتمكن العالم حتى الآن من أن يتحد في مواجهة فورية لظاهرة التغير المناخي. لهذا تواصل درجات الحرارة الارتفاع. نحن نخشى أن تتجاوز معدلات ارتفاع درجات الحرارة 1.5 درجة وأن لا يعود العالم قادراً على تحمل درجات الحرارة تلك. فعند تجاوز هذا المعدل، ستظهر نتائج مأساوية. نحن نخشى أن يتجاوز معدل ارتفاع درجات الحرارة هذه الحدود وحينها لن نتمكن غداً من عكس هذا الاتجاه بأي شكل أو طريقة. هذا سيحدث إذا لم تتخذ خطوات كبيرة في أقرب وقت للحد من المزيد من التلوث البيئي بالغازات الساخنة والكاربونية. لهذا، فإن السبيل الوحيد هو إيقاف انبعاث الغازات الكاربونية في أقرب وقت. الموضوع الثاني المرتبط بالعراق، هو أن يستثمر المجتمع الدولي أكثر في إجراءات خفض الآثار الضارة لظاهرة التغير المناخي. هذه الإجراءات تتمثل في بناء آليات من جانب الدول لتعزيز القدرات في مواجهة آثار ظاهرة التغير المناخي. لهذا فإننا في المؤتمر العالمي المقبل حول التغير المناخي على مستوى الدول [COP28] سنصر على مضاعفة الميزانية المخصصة للبلدان النامية لتتمكن من التأقلم مع التغير المناخي. لكن رغم ذلك، يعاني العراق من مشكلة مياه حقيقية. مشكلة المياه في العراق ليست ناتجة عن ظاهرة التغير المناخي وحدها، بل هي نتيجة لخفض نسبة المياه التي تتدفق عليه من الدول المجاورة. ما أريد قوله هو أن العراق هو بلد ميسوبوتاميا وقد (عرف تاريخياً) بأنه قلب الهلال الخصيب. الحضارة ولدت هناك. الحضارة الأولى ولدت هناك، بفضل الزراعة، والزراعة كانت قائمة بفضل وجود النهرين، وميسوبوتاميا تعني بلاد ما بين النهرين. علينا أن نمنع تحول بلاد ما بين النهرين إلى بلد اللانهر. يجب خلق ظروف لتحقيق هذا الهدف، والمساعدة الدولية مهمة جداً لبلوغ هذا الهدف. لدي تجارب في هذا المجال، فعندما كنت رئيس وزراء البرتغال، توصلنا مع إسبانيا إلى اتفاقية مهمة جداً حول المياه. هذه الاتفاقية كانت لإدارة الأنهار المشتركة بين البلدين. لهذا أرى أن من المهم للعراق أن يحظى بهذه المساندة ليتمكن من تنفيذ هذه السياسات للحفاظ على الإمكانيات الزراعية لوادي دجلة والفرات.
* مشكلة كبرى أخرى يعانيها العراق، هي مسألة الفساد. فليس في الشرق الأوسط يعاني من الفساد كمعاناة العراق، حيث تشير الأرقام إلى نهب المليارات من الأموال، وتشير تقارير دولية مستقلة إلى أن الطبقة الحاكمة العراقية تشارك في هذا (النهب) على كل المستويات. هذا جعل العملية الديمقراطية لا تؤثر بأي شكل على مواقعهم وسلطاتهم. سيادة الأمين العام، الحكومة العراقية الحالية شكلتها الأطراف التي خسرت الانتخابات. هذه هي حقيقة العراق. الطبقة الحاكمة العراقية لديها حصانة كاملة، وهذا نتيجة للفساد القائم الذي تمت مأسسته. ما الذي يستطيع المجتمع الدولي والأمم المتحدة فعله عملياً عند التعامل مع هذا؟
أنطونيو غوتيريش: الأمر الأول، هو أن هناك معاهدة دولية حول الفساد، وستعقد الدول المشاركة في المعاهدة مؤتمراً لها قريباً. كان لنا أمس اجتماع مهم مع الفريق العالمي للشركات وجهات القطاع الخاص التي تدعم الأمم المتحدة على المستوى العالمي. سيكون هدفنا الرئيس هو محاربة الفساد والتصدي له. سنفعل كل شيء لدعم حرب حقيقية على الفساد في كل العالم، ولكن بصورة خاصة في دول كالعراق. عليّ أن أقر أنني من خلال محادثاتي مع رئيس الوزراء، أدهشني مدى اطلاعه على هذه المشكلة وأنه يرى أن حل هذه المشكلة عمل أساس بالنسبة للعراق، لكي يتمكن من الإفادة من الثروات المتاحة له. الفساد، والخروج غير الشرعي للأموال وغسيل الأموال وآليات الفساد الأخرى، كلها عقبات في طريق التقدم المستمر لاقتصاد أي بلد. لهذا، آمل أن يتحد العراقيون ويخوضوا حرباً على الإرهاب ويبيّنوا أنه لا مكان للفاسدين في إدارة بلدهم.
* وهذا هو ما يأمله العراقيون ويتطلعون إلى سماعه. خصصتم جانباً من زيارتكم لأربيل، وأيضاً لواحد من مخيمات النازحين. قبل الانتقال للحديث عن مشاكل أربيل وبغداد، أود أن أشير إلى أنكم زرتم إقليم كوردستان قبل نحو ست سنوات، واجتمعتم مع الرئيس مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني. مسعود بارزاني، وبرغم أنه لا يشغل منصباً حكومياً، يعرف بأنه أكثر القادة الكورد في الشرق الأوسط نفوذاً وتأثيراً ويتبعه ملايين الكورد في المنطقة. كصحفي، تولد لدي سؤال لماذا لم يكن بينكما اجتماع خلال زيارتكم هذه المرة؟ هل هناك سبب محدد لذلك أم أنه جاء كمجرد صدفة؟
أنطونيو غوتيريش: كانت زيارتي قصيرة للغاية والتقيت فقط ذوي المناصب والمسؤوليات الحكومية في إقليم كوردستان ذي الحكم الذاتي. لكني أريد قول شيء نابع حقاً من صميم قلبي. حتى قبل سقوط صدام حسين، شاركت في عدد من التحركات السياسية وكنا ندعم الشعب الكوردي بقوة. أنا أذكر علي الكيمياوي، واستخدامه المقزز للسلاح الكيمياوي ضد السكان الكورد في العراق.
*: تصادفنا بهذه الايام الذكرى السنوية لتلك الضربة..
أنطونيو غوتيريش: أجل، هذا أمر علينا أن نبقيه في ذاكرتنا، لأن ما جرى لا يمكن قبوله. كانت لي الفرصة في السابق لأتعرف إلى جلال طالباني، ونتيجة لنشاطاتي في الفترات السابقة كانت لي اتصالات كثيرة مع مسعود بارزاني عندما كنت المفوض السامي لمنظمة الهجرة الدولية. أنا أعدّ هذين الرجلين رمزين مهمين من حيث اتحادهما وعملهما معاً. هما رمزان مهمان لاتحاد إقليم كوردستان ذي الحكم الذاتي والشعب الكوردي. ما أطلبه هو الحفاظ على الاتحاد الذي كانا يمثلانه في أربيل والسليمانية والمدن الأخرى للإقليم. أنا أرى أن هذا الاتحاد غاية في الأهمية. في نفس الوقت، من خلال محادثاتي مع الرئيس ورئيس الوزراء في أربيل، ومحادثاتي في بغداد، شعرت بالتفاؤل لأني رأيت رغبة سياسية في حل المشاكل العالقة خلال الأشهر القادمة، تلك المشاكل المرتبطة بالنفط والغاز والموازنة وتقاسم الثروات. سنبذل كل ما في طاقتنا لدعم هذه المساعي. علينا أن نحقق الاستقرار للعلاقات بين أربيل وبغداد. علينا أن نفعل كل شيء لكي يتحد العراقيون عامة وشعب إقليم كوردستان ذي الحكم الذاتي بصورة خاصة ويتجاوزوا الخلافات عن طريق حوار متعدد الجوانب. كذلك أن يفيدوا من الفرصة القائمة حالياً ليجري العراق تغييراً باتجاه استعادة مكانته كدولة من أجل رفاهية شعبه. كما يمكن أن يصبح العراق لاعباً مهماً في المنطقة. يستطيع العراق أن يصبح جسراً بين الجبهتين في الخليج. شهدنا مؤخراً الاتفاق بين السعودية وإيران. أعتقد أن هناك فرصاً جديدة للتعاون في منطقة الخليج. أعتقد أن لدى العراق فرصة جيداً جداً ليكون المحرك الأساس لعملية التناغم الجديدة في المنطقة. هذا لا يرتبط يرفاهية شعب العراق فقط، هذا ليس معناً فقط بالسلام والاستقرار والديمقراطية الفاعلة والرفاهية في العراق، بل يرتبط بدور العراق كمصدر للتعاون في المنطقة التي هي واحدة من أهم وأكثر مناطق العالم حساسية.
*سؤالي الأخير بخصوص العراق. ثم سننتقل إلى موضوع سوريا. أعلم أن وقتنا محدود وأن سيادتكم واحد من أكثر الشخصيات مشغولية على وجه الأرض، بسبب كل المشاكل العالمية القائمة. سؤالي عن موضوع نجم عن الأحداث التي تشهدها أوكرانيا، وقد تحدثتم عنه كثيراً خلال السنة الأخيرة، وهو مبدأ السيادة واحترام حدود الدول الأخرى. لكن في العراق، وخاصة في الأعوام العشرة الأخيرة، وحسب ممثلية العراق في الأمم المتحدة، تقوم تركيا وإيران بانتهاك الحدود العراقية وتنفذ عمليات قصف وعمليات عسكرية وتخلق لنفسها نفوذاً سياسياً داخل العراق.
أنطونيو غوتيريش: موقفنا واضح تماماً. يجب احترام وحدة الأراضي العراقية. هذا هو موقفنا. خلال زيارتي لبغداد، أكدت على هذا بكل وضوح.
* ألست قلقاً من أن هذا بات عادة ليس فقط بالنسبة للعراق بل في كل مكان؟ فأي بلد لا يعجبه شيء في البلد المجاور له، يعمد إلى عمليات عسكرية في أراضي البلد المجاور له؟
أنطونيو غوتيريش: للأسف، نحن نشهد تصاعداً في وتيرة هذه الحوادث التي تثير القلق، والمثال على ذلك كما ذكرتم هو احتلال أوكرانيا من جانب روسيا. لكن وكما أسلفت، فإن المبدأ الأساس لميثاق الأمم المتحدة هو (حماية) وحدة أراضي الدول.
* سأنتقل على وجه السرعة إلى سوريا. فبعد أكثر من عقد على الحرب. بات الوضع الآن في جمود كبير. هل هناك أي أمل في حل سياسي قريب؟
أنطونيو غوتيريش: لا ينبغي أبداً أن نفقد الأمل. لكننا الآن بعيدون عن وضع يسمح بحل سلمي لكل قضايا سوريا. سوريا اليوم مقسمة. توجد حيوش وقوات دول مختلفة في سوريا، وتوجد مصالح مختلفة في سوريا. أدعو السوريين إلى الاتحاد من جديد. إن لم يتحد السوريون، فإنهم سيكونون عرضة لخطر التحول إلى ساحة لنشاطات الأطراف الأخرى. على السوريين أن يتغلبوا على خلافاتهم. سوريا مصدر مميز للحضارة. لو ذهبنا إلى حلب، التي هي الآن متأثرة بشدة بآثار الزلزال للأسف، لكن عندما زرت قلعة حلب شاهد العديد من طبقات الآثار المتنوعة في تلك الأرض. العديد من طبقات الآثار الحضارية التاريخية تتألق في نفس الأرض التي هي سوريا. سوريا بلد معطاء. أذكر عندما زرتها بصفتي المفوض السامي للهجرة العالمية، وجدت اللاجئين العراقيين يعاملون معاملة لا ترقى إليها أي معاملة حسنة في أي مكان آخر. لم يكونوا في مخيمات للاجئين، بل كان الناس يستضيفونهم. شعب سوريا يستحق السلام، وأدعو السوريين إلى الاتحاد من جديد، وأن لا يدعوا جهات أخرى تحدد مصيرهم.
* سيادة الأمين العام، كانت هناك انتقادات تتعلق باستجابة الأمم المتحدة للزلازل، أو الحديث عن تلك الانتقادات على وجه السرعة وعلى ماذا ركزت. فكما تعلمون الساعات الاثنتان والسبعون الأولى مهمة جداً لإنقاذ الناس عندما تقع كارثة إنسانية، لكن الأمم المتحدة استغرقت أسابيع لإيصال المساعدات اللازمة للمتضررين من الزلازل، في حين أن جهات أخرى كالسعودية وقطر وإقليم كوردستان، تمكنت من استخدام المنافذ الحدودية لإيصال المساعدات العاجلة، ويقول المسؤول الإنساني في الأمم المتحدة، مارتن غريفس، في تغريدة إن الأمم المتحدة لم توصل المساعدات اللازمة في حينها، لماذا لم تنجد الأمم المتحدة أهالي شمال شرق سوريا كما يجب؟
أنطونيو غوتيريش: أنا أرى أن من المهم النظر إلى الحقائق، المساعدات التي يحتاجها الناس في الساعات الثنتان والسبعون الأولى من الكارثة هي عملية الإنقاذ، وعمليات الإنقاذ تقوم بها فرق خاصة تستخدم الكلاب والآليات الثقيلة، والأمم المتحدة والمنظمات الشريكة لها تفتقر إلى هذا النوع من الوسائل. رأيتم كيف تدفق كل هؤلاء الناس من بلاد مختلفة على تركيا لتقديم المساعدة، لكنهم للأسف لم يذهبوا إلى سوريا. ذهبوا لنجدة تركيا. هذا لم يكن ذنب الأمم المتحدة. كانت هذه حقيقة ميدانية. كان من السهل عليهم الوصول إلى تركيا، وأنا أدرك جيداً هموم السوريين وأن عمليات الإنقاذ لم تصل إليهم بسرعة وفي الوقت المناسب. لكننا في الأمم المتحدة نفتقر إلى تلك الإمكانيات. بإمكاننا تقديم المساعدات الإنسانية، ونقدم المساعدات الإنسانية بطريقة إيجابية، وتشمل أماكن المبيت والغذاء والصحة وهذه الجوانب.
* لكن لدى الأمم المتحدة فرقها الخاصة لتقديم المساعدة في أوقات الكوارث..
أنطونيو غوتيريش: ليست عندنا فرق إنقاذ. ليست لدينا إمكانيات الإنقاذ في ظل الظروف الكارثية. ليست عندنا المعدات اللازمة لإزالة ركام المباني المدمرة. هذا ليس بالأمر الذي تستطيع وكالات الأمم المتحدة إنجازه. أنا مدرك لحزن وتذمر الناس الذين لم يشهدوا تلك المساعدة وكانوا يرون نفس المساعدات تذهب من دول أخرى إلى تركيا، لكني أعود لأقول إن هذا لم يكن مشكلة الأمم المتحدة. فبينما نحن نتحدث الآن، هناك 500 شاحنة مساعدات تابعة للأمم المتحدة في طريقها. المشكلة هي أن منظومة الأمم المتحدة للدعم الإنساني لسوريا متواجدة في تركيا، وبالذات في المنطقة التي ضربها الزلزال. هذا خلق لنا مشاكل. توفي عدد من العاملين والمتعاونين معنا بسبب الزلزال. كانت هناك مشاكل في تسيير المساعدات، لكننا وقدر ما استطعنا تحركنا بسرعة وبدأنا التحرك بمجرد فتح الطرق. استطعنا استحصال موافقة الحكومة السورية على فتح عدد أكبر من المنافذ الحدودية، أكثر من التي سيطالب بفتحها مجلس الأمن في الأيام القليلة القادمة. لهذا، من الواضح أنه كانت هناك إخفاقات ومشاكل. لا أعتقد أن هذا إخفاق للأمم المتحدة وحدها، هذا مرتبط بمحدودية قدرات كل المجتمع الدولي في مساعدة بلد كسوريا التي تعصف بها الخلافات والاختلافات السياسية، لكننا نفعل كل شيء لمساعدة أهالي سوريا في كل مكان. مطلبنا من البداية كان الإبقاء على كل منافذ تدفق المساعدات مفتوحة، لأن هذا ضروري لنتمكن من مساعدة شعب سوريا في هذا الظرف المأساوي. أنا أضمن أننا سنقدم المساعدة التي نقدر عليها لنكون مؤثرين في مساعدتنا لشعب سوريا الذي أكن له الكثير من التقدير. لو أننا لم نقم بما يجب في البداية، فأنا أتفهم الانتقادات، لكننا نبذل كل ما في وسعنا للتعويض من خلال زيادة إمكانياتنا هناك من خلال التزامنا الكامل تجاه شعب سوريا.
* سؤالي الأخير يتعلق بالأقليات والكورد في سوريا. هناك من يقول إنه نتيجة لضعف الدولة في سوريا وكل الفوضى القائمة، يجب تشكيل أقاليم وتأسيس نظام اتحادي في سوريا، هل تعتقد أن النظام الاتحادي يجب أن يكون على جدول الأعمال السياسي الخاص بمستقبل سوريا؟
أنطونيو غوتيريش: ليس لي أن أقول كيف يجب أن يكون الدستور في سوريا. هناك لجنة دستورية للسوريين لكنها لا تعمل كما يجب وكما نريد لها أن تعمل، إلا أنها تمتلك الصلاحية لتحديد ما يجب أن يكون عليه الدستور السوري. أنا لا أقول للسوريين ماذا يجب أن يفعلوا. لكن ما أستطيع قوله هو إنني عندما كنت مفوضاً سامياً لمنظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، كان أحد المواضيع التي قاتلت من أجلها وسعيت، وتحدثت مع الرئيس السوري حول ذلك، وهو ضرورة منح الجنسية لسكان سوريا الكورد. فكما تعلم، كان هؤلاء محرومين من الجنسية، وكانت تلك واحدة من المعارك التي خضتها بنفسي، فقد كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد فوضتني للتعامل مع مشكلة المحرومين من الجنسية حينها بصفتي المفوض السامي للهجرة. قدرات الكورد السوريين، ومهما كان ما حدده الدستور، ودورهم الكامل في الحياة السورية موضوع عملت عليه قبل أكثر من عشر سنوات من الآن.
* سيادة الأمين العام للأمم المتحدة، شكراً جزيلاً على هذه الفرصة، وشكراً على تهنئتك بمناسبة نوروز، وكما يقول الكورد: "جەژنی نەورۆزت پیرۆز".
أنطونيو غوتيريش: تمنياتي لكم بالموفقية، شكراً جزيلاً.
حاوره:مجيد نظام الدين- شبكة روداو الأعلامية