• Thursday, 26 December 2024
logo

عيد "نوروز" الكوردي سطورٌ من أسطورة

عيد

احمد عبدالقادر محمود

 

التاريخ المدوّن والمقروء ، سطَّر لنا روايات وقصص وحكايا (محتطبة) من هنا وهناك لشعوب الحضارات القديمة التي  أَفلت واقعياً كحضارات  قائمة بذاتها وتحول ما بقي منها لأمم وشعوب منتشرة على البقع الجغرافية  ضمن أُطر أخرى تُعرف اليوم كمكونات مسوّرة وبمسميات سياسية  حديثة قديمة  من قبيل : دولة  ، مملكة  ، إمارة ، إتحادات ... إلخ .

 تلك المرويات صمدت وبقوة وباتت كمسلمات في ذاكرة العقل الجمعي اللاواعي للشعوب  ، لا بل أستخدمت كقواعد لبناءٍ توسعيٍّ أيديولوجي ، وعلاوة  باتت تُشكل المخزون الأرثي  الثقافي الذي  يشرعن الأفعال والممارسات المجتمعية من جهة والعبادات والطقوس اليومية سواء الدينية السماوية منها او الوضعية مما دعا أصحاب الفكر و المعرفة  للإهتمام بدراسة هذه المرويات ووضعها تحت مجاهر البحث والتقصي لسبر أغوارها  ، بداية من السير جيمس فريزر 1890م مؤلف كتاب الغصن الذهبي الذي جمع فيه الأساطير الإنسانية ، الكتاب الذي ساهم في فتح بوابةٍ جديدة  من أبواب العلم عُرفت بالمثيولوجيا (علم الأساطير ) ، وتبعه سيغموند فرويد  1899م الذي أستخدم الأساطير لإثبات  نظريته في التحليل السوسيولوجي ، ومن ثم العالم مالينو فسكي 1913م الذي حصل على الدكتورا في الأنثروبولوجيا حول الأسرة في الشعوب الأصيلة ، وبعده العالم جوستاف كارل يونغ 1930م صاحب الكتاب الأحمر حول الأساطير وعلم النفس ، وتبعهم مرسيا إلياد ورولان باروت وكلود شتراوس وجيلبر دوران الذي أسس شبكة متخصصة لمراكز البحث في الأنتوبولوجية وعلم الإجتماع .

إذاً نحن أمام علمٍ متخصص  ذو نهج  له  أنواع و  أسس وقواعد   ، من هذه الأنواع على سبيل الحصر الأسطورة الرمزية وهي مدخلنا على ماهية  الأسطورة (الحكاية ) التي تروي قصة عيد نوروز أستنادا  لمفهوم  المنهج الرمزي .

بداية وقبل الشروع في تناول الحكاية النوروزية ، لا بد من الإشارة إلى أن هناك عدد من الشعوب والقوميات  يحتفلون  بهذا اليوم أيضا أي ليس الأمر مقتصر على الكورد فقط ، وكلٌ حسب ما يعتقده من مرويات تاريخية شكّلت وعيه الثقافي ، ولكن جميع هذه المرويات بأختلاف مضامينها السردية  تشترك حول فكرتي إنتصار النور على الظلام أو الخير على الشر ، و دورة الحياة الجديدة ، كتلك الشعوب المنتمية للعرق الأري التي عاشت جنباً إلى جنب في جغرافية متجاورة ومتداخلة .

الحكاية المجازية  النوروزية الكوردية (كاوا الحداد والطاغية أزدهاك أو الضحاك ) أسطورية شأنها شأن الحكايات الأسطورية الأخرى ، وتحتمل ما تحتمله الأسطورة التقليدية  من زيف أو أختلاق أو تفسير لظاهرة  ، أو رفضٍ أو قبول .

هكذا يرى المنهج الرمزي القائل : الأسطورة قصة رمزية تعبر عن فلسفة كاملة للعصر الذي نشأت فيه لذا ولزاما يجب أن يتم دراسة العصر ذاته لفك رموز الأسطورة .

وبما أن هذه القصة غير محددة  زمانياً ومكانياً ، بمعنى أن أبطالها الأساسيين ليسو أشخاص حقيقيين ، إذا ما أستثنينا أزدهاك أو أستياك جد كورش الفارسي الأخميني 550 ق . م  ، المذكور في بعض  روايات المؤرخين كالدينوري والطبري والفردوسي ومسكوي والمسعودي والثعالبي والتي هي أيضا محل شك ومختلف فيه ، فهي رواية أسطورية خاضعة لرؤية المنهج العقلي للأسطورة .

الكورد تبنوا الرواية كما هي كحكاية شعبية قومية غير مقدسة تخلو من ذكر الألهة و لما تحمل من رموز وإسقاطات عايشوها ، فإنتصار كاوا (البطل الشعبي )على الضحاك هو أنتصار للشعب المضطهد المستعبد على الحاكم الطاغية المستبد وطغمته الفاسدة ، وشعلة النار أداة إعلان النصر ، والإنتقال من ظلام الأستبداد إلى نور الحرية والخلاص ، لذا أصبحت رمز وأيقونة الثورة ، ويوم الحدث (الخلاص)  هو اليوم الجديد (نوروز ) .

لترسيخ أي حدث أو ظاهرة أو فعالية لا بد أن تقترن بحكاية داعمة تسبقها ، هذا ما جرى عليه العرف التاريخي التدويني  القديم والأوسط والحديث ، والأمثلة كثيرة جدا ، من  خلق أدم إلى يومنا هذا ، لست بوارد ذكرها ، إنما سأورد بعض الأحداث التي أُستند إليها في جعل يوم حدوثها يوماً لبداية التاريخ الجديد (التقويم السنوي) لهذه الأمة أوتلك ، والذي بات يعرف برأس السنة .

على سبيل المثال التقويم الروماني يعزى للأمبراطور نوفا الروماني الذي أتخذ يوم تأسيس مدينة روما في (753) ق .م هو يوم رأس السنة الرومانية .

التقويم الميلادي : أبتكره الراهب ديونيسيوس اكسيجونوس في منتصف القرن السادس (532) م بجعل يوم ميلاد المسيح هو بداية السنة الميلادية .

التقويم الهجري : وضعه عمر بن الخطاب متخذا يوم هجرة الرسول محمد من المكة إلى المدينة .

التقويم الكوردي : أعتبر الكورد يوم سقوط نينوى في 21 أذار عام (612) ق. م على يد الميديين أسلاف الكورد هو يوم رأس السنة الكوردية .

وهنا بيت القصيد ، التقويم الكوردي أو رأس السنة الكوردية هو يوم عيد نوروز المستند لحدث تاريخي حقيقي ومتواتر وما قصة كاوا الحداد إلا قصة رمزية داعمة لهذا الحدث التاريخي الحقيقي كما أشرنا ، وهي متساوقة ومتناغمة مع أفعال الأسلاف ، شأنهم شأن الأقوام الأخرى التي كانت تدافع عن خلاصها من إحتلال أقوام أخرى او ضد حكامٍ طغاة مستبدين ،

يوم نوروز عيدٌ قومي للكورد ، مسطورٌ في ذاكرته الجمعية الشعبية ، منقوش على صفحات موروثه الثقافي الذهني و بالمعنى الأوسع والأشمل  لمفردة الثقافة  ، تلك الأفعال التي كررها الأسلاف ألاف المرات .

 نوروز

ربيعٌ كوردي قبل الميلاد

أوجد تاريخا للحياة

أيقونته مشعلٌ من نار

حرر أُمَّة من الأنكسار

 

 

باسنيوز

Top