• Saturday, 23 November 2024
logo

الجيش الأمريكي "محبط".. هل تعيد واشنطن النظر باستثمارها الباهظ في التفوق التكنولوجي؟

الجيش الأمريكي

ذكرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، يوم الأحد، أن هناك مشاعر احباط متزايد في صفوف القادة العسكريين الامريكيين، بعد نضوب مخزونات الاسلحة الامريكية ونقاط الضعف في سلاسل التوريد العسكرية بعد شهور فقط من الحرب الاوكرانية، وذلك في مفارقة تحدث رغم انخراط واشنطن بعقدين من الحروب في العراق وأفغانستان.

 وفي تقرير تحت عنوان "هل تحقق التكنولوجيا النصر في الحروب"، اعتبرت المجلة الامريكية، في تقرير لها ان الولايات المتحدة اصبحت تفتقر الى التكنولوجيا والموارد اللازمة للحفاظ على دعمها لأوكرانيا في المستويات الحالية، ناهيك عن ردع الصين عن القيام بغزو تايوان.

وذكّر التقرير بتصريحات الجنرال في البحرية الأمريكية مايك جيلداي قال فيها إن القتال في أوكرانيا أظهر للقادة العسكريين أن "استهلاك هذه الاسلحة المتطورة في الصراع يمكن أن يكون أعلى مما كنا نتوقعه".

واشار التقرير الى انه بعد 100 يوم فقط من موافقة واشنطن على نقل صواريخ "جافلين" و "ستينغر" إلى أوكرانيا، حذرت الشركتان المصنعة للصواريخ "رايثيون" و"لوكهيد مارتن" من أن الأمر قد يتطلب سنوات من اجل اعادة مخزوناتها إلى مستويات ما قبل الغزو الروسي، وأن الولايات المتحدة ستواجه صعوبات في الوصول الى اشباه الموصلات والمواد الخام مثل الكوبالت والنيون والليثيوم، والتي تعتبر من العناصر الضرورية في صناعات التكنولوجيا العسكرية المتطورة، ولهذا فإنه يتحتم على الولايات المتحدة أن تطور الوسائل للحفاظ على ترسانات أسلحتها الحالية من دون التضحية بالموارد التي هي بحاجة اليها من اجل نشاطات البحث وتطوير منصات وذخائر الجيل الجديد من الأسلحة.

وبحسب التقرير فإن البنتاغون منذ نهاية الحرب الباردة، استثمر في التكنولوجيا التي تحد من الخسائر البشرية ولكنها لا تساهم في الحد من تكاليف القوى العاملة، لأنه أنفق مبالغ كبيرة على تطوير على التقنيات الباهظة، متجاهلا بدرجة كبيرة تأثير مثل هذه النفقات على قدرات البنتاغون في تمويل الحروب وضمان سلاسل التوريد، وأنه بعد 30 سنة من هذه الاندفاعة التكنولوجية، أصبحت الولايات المتحدة تفتقر الى التكنولوجيا والموارد اللازمة من أجل الحفاظ على الدعم المقدم لأوكرانيا في المستويات الحالية، ومن أجل ردع الصين عن غزو تايوان.

وبعدما يؤكد التقرير على ضرورة امتلاك التكنولوجيا المناسبة لتحقيق الفعالية في ساحة المعركة، إلا أنه لفت إلى أنه في ظل غياب التركيز على كيفية تأثير هذه التقنيات العالية التكلفة على المدى الطويل، فان الأدوات المناسبة وحدها ليست كافية لتحقيق النجاح الاستراتيجي.

ويعتبر التقرير انه من اجل تحقيق النصر، فان على الحكومة أن تكون متمتعة بالقوة الاقتصادية لتمويل الحروب والسيطرة السياسية على جمع التمويل وتعبئة مواطنيها، مشيرا الى ان الكلفة الاقتصادية للحرب تخلق تكاليف سياسية عندما تفرض الحكومة ضرائب أو تطبق التجنيد الشامل.

ويذكر التقرير مجموعة من العوامل التي تساهم التكنولوجيا في تحقيقها، فالتقنيات ذات القوة النارية العالية تفتح الطريق أمام تحقيق نصر استراتيجي من خلال التسبب بتكلفة بشرية عالية بما يكفي لإجبار الخصم على الاستسلام، إما لأنه لم يعد لديه القوة البشرية العسكرية او لان الخسائر في صفوف المدنيين تقوض الارادة السياسية.

ورأى أنه بإمكان التكنولوجيا أن تخفض التكلفة البشرية للحرب عن طريق الحد من الخسائر وتقليل احتمالية التصعيد، وبالتالي الحفاظ على القوى البشرية وتعزيز العزيمة السياسية، مشيرا الى الاستثمار التكنولوجي الأمريكي بعد حرب الخليج 1990-1991، عندما ساعدت أدوات جديدة مثل الصواريخ طويلة المدى الموجهة بدقة في ابقاء الخسائر الامريكية محدودة خلال عقود من الصراع المستمر في الشرق الأوسط الكبير.

واعتبر التقرير أنه تم تجاهل العديد من الدروس التاريخية حول التكنولوجيا وتكلفة الحرب من قبل الجيش الأمريكي في فترة ما بعد الحرب الباردة، والذي أعماه مؤقتا الانتصار الذي سمحت به التكنولوجيا في حرب 1990-1991 ضد العراق. واشار الى ان صناع القرار في أمريكا يعتقدون أن التقدم في الحوسبة وتكنولوجيا التخفي وأجهزة الاستشعار يمكن أن يتيح لجيش امريكي صغير عالي التقنية بتجنب حروب الاستنزاف الكبيرة والمكلفة في مرحلة ما بعد فيتنام.

وتابع التقرير ان "الطريقة الامريكية الجديدة للحرب"، كما وصفها الكاتب ماكس بوت، ركزت على ما أطلق عليه المخططون العسكريون "العمليات القائمة على التأثيرات" التي قدمت انتصارات سريعة وساحقة، وأنه وفق وجهة النظر هذه، فإن التكنولوجيا المتقدمة ستجعل الحروب أقصر وأكثر حسما وأقل دموية.

وأشار الكاتب أن تحول الجيش الأمريكي الى ترسانة اصغر واكثر تقدما هو تركيز دونالد رامسفيلد عندما تولى منصب وزير الدفاع في العام 2001، لكن هجمات 11 أيلول/سبتمبر وما تلاها من غزوات امريكية لأفغانستان والعراق شوش المنطق المتعلق هذا التحول حول نظرية الانتصار التكنولوجي.

واستعرض التقرير مجموعة من الأرقام حول تكلفة الحروب التي كانت تخوضها الولايات المتحدة على مدار عقدين بتكلفة تزيد عن 10 تريليونات دولار، اذ بينما انتج "المتمردون" اجهزة متفجرة وقذائف صاروخية وقذائف هاون رخيصة الثمن، أطلقت الولايات المتحدة بكلفة 150 ألف دولار صواريخ "هيلفاير" من طائرات مسيرة عن بعد وتكلفتها 30 مليون دولار، وأسقطت ذخائر دقيقة بقيمة 25 الف من طائرات "الشبح" التي تبلغ كلفتها 75 مليون دولار، كما أنفقت 45 مليار دولار على كتيبة من ناقلات الجند المدرعة، المرتبطة بالأقمار الصناعية بتكلفة تتراوح بين مئات الملايين ومليارات الدولارات.

وتابع انه حتى مع تقلص عدد الافراد العسكريين الأمريكيين، ارتفع متوسط التكلفة لكل فرد من أفراد قوة النخبة المكونة من المتطوعين بأكثر من 60 % بين عامي 2000 و 2012.

 وفي هذا الإطار، اشار التقرير الى التقدم الصيني في الحرب الكهرومغناطيسية والذكاء الاصطناعي والفضاء وغيرها، في وقت تتآكل الريادة التكنولوجية لواشنطن في عصر المعلومات، واصفا طريقة عمل البنتاغون بالمتصلبة لاكتساب التكنولوجيا الجديدة، والبيروقراطية، والرغبة المستمرة في "الشيء الكبير التالي"، التي تعني أن كل تكرار تكنولوجي يستغرق وقتًا أطول ويأتي بتكلفة أكبر.

وعلى سبيل المثال، ينص برنامج المدمرات من فئة "زوموالت" التابع للبحرية الامريكية تصنيع 32 مدمرة خفية في اضافات قوية في قوتها النارية، لكن بدلا من ذلك، بعد انفاق أكثر من 22 مليار دولار، اجبرت التجاوزات في التكاليف التكنولوجية سلاح البحرية على اختصار البرنامج الى ثلاث مدمرات فقط، وكلها تعرضت لمشاكل في الصيانة.

 ولفت التقرير الى ان واشنطن اختارت اسلحة عالية التقنية مع برامج هشة، هو ما ادى الى سلسلة من البرامج الطموحة ولكنها فاشلة.

وتابع انه في ظل توجه الولايات المتحدة نحو آسيا، وخلال إعادة امداد اوكرانيا، فان واشنطن لا تزال غارقة في امتلاك برامج باهظة الثمن للقاذفات الجديدة والغواصات ومقاتلات الجيل التالي، وتقوم بتطوير شبكات على مستوى الجيش لتجميع كل هذه الاسلحة معا.

وختم التقرير بالقول ان واشنطن بحاجة الى اعطاء الاولوية للتكنولوجيا التي ستحد من التكلفة الاقتصادية للحروب الأمريكية، وان الخطوة الاولى تتمثل في الاعتراف بأنه ليس من الواقعي بالنسبة للولايات المتحدة ان تستبدل جميع أنظمتها الحالية باهظة الثمن بتقنية رخيصة متاحة في الأسواق.

وبدلاً من ذلك، يعتبر التقرير أنه يجب على الولايات المتحدة ان تستكمل التكنولوجيا المعقدة عالية التكلفة بأجهزة استشعار واتصال وكمائن، مصممة لإبطاء الصراع  وزيادة التكاليف طويلة الأجل على الخصوم، كما ان الاستثمارات في الشبكات وتكنولوجيا المعلومات ومخزونات الذخيرة ستؤدي الى خلق مرونة تعزز أيضا من مصداقية الردع الامريكية. وتابع انه يجب ان تقلل التكنولوجيا ليس فقط التكلفة البشرية للحرب بالنسبة للجمهور الأمريكي ولكن أيضا من الخسائر الاقتصادية.

 وذكر التقرير بمبادرة الدفاع الاستراتيجي للرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان (وهي خطة تعتمد التقنيات المتطورة لاسقاط الصواريخ الباليستية بأشعة الليزر من الجو)، وهي ادت حينها الى افلاس الاتحاد السوفييتي، في ظل منافسة حامية، ما تبين لاحقا أنه جهد غير مجد من الناحية الفنية. ومن هذا المثال التاريخي، يذكّر التقرير واشنطن ايضا بان امتلاك التكنولوجيا المناسبة امر ضروري، الا انه غير كاف لكسب الحروب، مضيفا انه اذا كانت الولايات المتحدة تأمل في استمرار المواجهة ضد روسيا على المدى القصير والصين على المدى الطويل، فانه يتحتم عليها النظر في التأثيرات الاقتصادية للتكنولوجيا حتى وهي تسعى لتحقيق ميزة التفوق التكنولوجي.

 

 

 

شفق نيوز

Top