هل قدم العراق للكورد ما يستحقونه؟
معد فياض
يتوجب على العرب العراقيين ان يتوجهوا بالشكر والعرفان ورد الجميل لكورد العراق، او بمعنى اكثر دقة للكورد الذين اختاروا سنة 1924 البقاء ضمن العراق وعدم الانضمام الى تركيا خلال الاستفتاء الذي اجرته لجنة اممية لتحديد عائدية الموصل التي كان الاتراك يطالبون بها، وحسب تقرير هذه اللجنة "فإن اغلبية الذين أٌخذت آرائهم من الكورد كانوا مع العيش ضمن العراق". بقاء الكورد ضمن العراق اسهم بولادة الدولة العراقية الجديدة.
في كتابه"للتاريخ" يتسائل الرئيس مسعود بارزاني:"الكورد انقذوا ولاية الموصل من أيدي تركيا، ولكن هل تذكر العرب هذا الامر؟"، مستعينا بما ذهب اليه المندوب البريطاني سيسيل جي إدمونز في كتابه "كورد ترك عرب" الذي كتب: "وإنهم (الكورد)على إدراك تام بما فعلوه، أترى ستفتح الحكومة العراقية عينيها بهذه المناسبة وتتبنى سياسة كريمة بعيدة النظرتجاه الكورد؟".
ويعلق الرئيس مسعود بارزاني قائلا:"الحوادث والكوارث التي تعرض لها الشعب الكوردي تدل على ان العرب نسوا الفضل الكوردي". وإذا تبدو هذه المعلومات تاريخية فان جوهرها ما يزال معاصرا، فالحكومات العراقية منذ العهد الملكي وحتى اليوم نسوا ويتناسوا فضل الكورد ، ليس بالحفاظ على الموصل فحسب، بل بقيام الدولة العراقية وبقائها وديمومتها بالرغم مما تعرض له الكورد من حروب وقتل ومجازر ابادة جماعية على يد الجيوش العراقية وعلى مدى ما يقرب من قرن من الزمان.
وهذا يدعونا الى الاستنتاج التالي: اما ان العرب العراقيين ذاكرتهم قصيرة المدى ونسوا ويتناسوا عن عمد فضل الكورد في العراق على ما قدموه ويقدمونه للبلد وللشعب العراقي، واما ان معلوماتهم التاريخية شحيحة بهذا المجال، أو انهم يعرفون ويتقصدون اهمال تضحيات الكورد من اجل بناء وبقاء العراق كدولة متماسكة، مثلما يقول المثل الشعبي العراقي"يعرف ويحرف".
وإذا كان هناك ثمة من يتسائل بلؤم: وما الذي يدعوا الكورد للبقاء ضمن العراق؟ ظنا منه ان بقائهم في العراق لحاجات اقتصادية ومنفعية بحتة، فكلنا يعرف ان خيرات وثروات، وخاصة الثروات البشرية، لاقليم كوردستان كافية لان تجعل من الاقليم دولة غنية ومتطورة لا سسيما وان القوانين والبنية التحتية لاقليم كوردستان تمثل مشروع دولة لو سمحت لهم الظروف الدولية بذلك، تلك الظروف والقرارات التي وقفت ضد مشروع اقامة دولة كوردية كبرى، فبعد انهيار السلطنة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، بات حلم الكورد بالحصول على وطن خاص بهم على وشك التحقق. فقد نصت معاهدة "سيفر" التي أبرمت عام 1920 على حق الكورد في تقرير المصير وتشكيل دولة خاصة في شرق الأناضول وفي الموصل، لكن هذا الحلم أجهض بعد انتصار مصطفى كمال أتاتورك في تركيا واضطرار الحلفاء للتراجع عن بنود معاهدة سيفر واستبدالها في 1923 بمعاهدة "لوزان" التي وضعت الشعب الكوردي تحت سيطرة تركيا وإيران بالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا دولتي الانتداب على العراق وسوريا على التوالي، وذات الارادات الدولية التي وقفت ضد قيام الدولة الكوردية الكبرى هي التي وقفت وتقف اليوم ضد قيام دولة كوردية سواء في تركيا او ايران او العراق او سوريا خشية من تنامي قوة الكورد في المنطقة ونجاحهم لا سيما وان نجاح مشروع اقليم كوردستان شكل مفاجأة ايجابية لمن يريد الخير للكورد وللمنطقة، وصدمة سلبية لمن يخشى هذا التطور.
هذا أولا، ولان الكورد في العراق يصرون على حقوقهم التاريخية في انهم عراقيون وهذه ارضهم منذ اكثر من خمسة الاف عام ولن يتنازلوا عنها للعرب الذين دخلوا اراضي كوردستان بالقوة تحت مسميات الفتوحات الاسلامية قبل اقل من 1200 عام، وهم يصرون على عراقيتهم استنادا الى الوقائع التاريخية الموثقة، هذا ثانيا.
لا نقول هذا الكلام او نذكر هذه الحقائق بمناسبة امتناع الحكومة الفيدرالية بصرف الاستحاقات المالية لاقليم كوردستان مؤخرا، فهذه الحادثة هي جزء بسيط للغاية من جملة تصرفات الحكومات العراقية المتعاقبة وحتى اليوم مع الكورد، فان استحقاقهم حسب الدستور العراقي هو 17% من الموازنة العامة، كما ان مبلغ الـ 200 مليار دينار عراقي يُعد في الحسابات الاقتصادية كاستحقاق لاكثر من خمسة ملايين مواطن كوردي عراقي بسيط للغاية ولا يقارن بنفقات الحكومة الاتحادية والاحزاب الحاكمة والمتنفذة بثروات البلد ووالشعب، ولا بسرقات الفاسدين التي بلغت العشرات من المليارات من الدولارات. واذا كان المطبلون والحاقدون على الكورد وما حققه اقليم كوردستان من تقدم وتفوق حضاري وعمراني وثقافي واجتماعي يرددون "اسطوانات مشروخة" مثلما يقال، حول العائدات البسيطة لتصدير نفط اقليم كوردستان، وهي عائدات لا تقاس على الاطلاق بعائدات نفط العراق من البصرة الى كركوك، ولا بجزء يسير مما يسرقه الفاسدون من نفط البصرة وغيرها ويصدروه امام الملأ من ميناء ام قصر او غيره من المنافذ، فنقول ان حكومة اقليم كوردستان قد عمرت أقليم بحجم دولة، بنى تحتية حديثة، مدن متطورة، شوارع وطرق وجور تمتد حتى الحدود التركية في زاخو، مدارس ومستشفيات عصرية، والاهم من هذا وذاك حرصت على بناء الانسان وحولت المجتمع الكوردي الى مجتمع يحتضن كل القوميات، خاصة العرب، بعد كل ما عانوه من مصائب الحروب والاقتتال والحصار والتهجير من قبل الحكومات العراقية العربية وتحول الاقليم الى ملاذ آمن لكل العراقيين بمختلف طوائفهم. ولا داعي لنسأل مذا بنت الحكومات العراقية منذ 2003 وحتى اليوم بمئات المليارات من الدولارات التي تمثل عائدات تصدير نفط العراق، لان الواقع هو من يتحدث وصور المدارس والمستشفيا والمدن الخربة في جميع مناطق العراق والبطالة وانتشار المخدرات ومشاهد الاطفال في الشوارع خير شاهد.
الكورد قدموا الكثير للعراق والعراقيين، فماذا قدم العراقيون لهم؟ هل عبرنا عن احتضاننا للكورد كشركاء واشقاء لنا؟ او في الاقل هل اشعرنا المواطن الكوردي بانه ينتمي للعراق وللعراقيين؟ هل اقنعنا الكوردي بانه عراقي بالفعل من خلال تصرفاتنا معه؟ وبدلا من ان نستغرب او نحتج او ننتفض عندما نسمع مواطن كوردي يقول باعلى صوته: انا لست عراقيا؟ علينا ان نسال انفسنا ونبحث بجدية واخلاص : لماذا أوصلنا المواطن الكوردي الى هذا الحد، مع احترامنا الكبير لانتمائه القومي واعتزازه الكبير بهويته النبيلة؟.
الموضوع لا يتعلق بمبلغ بسيط هو جزء من استحقاقات رواتب الموظفين ومصدر عيشهم، فالكوردي لا يحني قامته من اجل ان يطالب بحقه بل يصبر ويكابر من اجل كرامته، وقد عاش خلال ما يقرب من 100 عام اصعب الظروف التي يمكن ان يعيشها البشر، لجأ الى الجبل مصدر قوته وعيشه واستمد من قوته الصلابة والشموخ، قاتل، صمد، وابدع وانتصر وحقق حلمه بفضل شخصيته الشجاعة وقيادته الحكيمة فلا تراهنوا على صبر الحليم.
روداو